"الاندماج أولوية من أولويات مؤسسات المجتمع المدني"
السيد البروفيسور باده، هل لفت انتباهك أن الجانب المحافظ قد احتفى بمجلس الخبراء احتفاء كبيراً؟ بل إن الاتحاد المسيحي، الذي كان دائم الاحتجاج عندما كان في المعارضة لكي يتم إلغاء مجلس الذي عنى بشؤون الهجرة الذي أسسته الحكومة السابقة المكونة من الائتلاف بين الاشتراكيين والخُضر، قد أعرب الآن عن ارتياحه لسد هذه الفجوة – كما أن مديحاً كثيراً قد قيل عن أعضاء المجلس وعنك أنت أيضاً، رغم أنك كنت بالنسبة لهم في معظم الأحيان كالراية الحمراء أمام الثور الهائج. هل تشعر الآن بالارتياح؟
كلاوس باده: في نهاية 2004 كانت هناك حملة لإلغاء مجلس شؤون الهجرة الذي كان يقدم تقريراً سنوياً اعتبره البعض نقدياً أكثر من اللازم، رغم أنه لقي ترحيباً كبيراً في الأوساط العلمية المتخصصة. ثم خلال البحث عن طريق للتوصل إلى إجماع حول قانون الهجرة المثير للجدل تم إلغاء هذا المجلس الذي نصّ القانون على تأسيسه والذي كانت مهمته تنحصر في تقديم الاستشارات حول نظام النقاط الذي يهدف إلى وضع معايير للهجرة، بعد أن كان المجلس يقدم سابقاً الاستشارات حول سياسة الهجرة والاندماج.
وبهذا سد مجلس الخبراء الجديد بالفعل ثغرة قائمة. لقد لقي المجلس ترحيباً من كافة الأطراف، وليس من طرف واحد فحسب، لأن الجميع أصبح يدرك أن الوقت قد حان لكي يهتم المجتمع المدني من تلقاء نفسه بالاندماج باعتباره قضية محورية تحدد مستقبل المجتمع. وبالمناسبة هذا ما تحدثت عنه في أعوام الثمانينات. آنذاك أثارت كلماتي الضحك، أما الآن فلا أحد يجرؤ على الضحك. هذا أمر يثير بعض الرضا في نفسي، أقول ذلك بكل تواضع.
ولكن ألا تعتبر ذلك بمثابة شهادة بفقر الأغلبية الحاكمة المؤلفة من اتحاد الحزبين الديمقراطي المسيحي والاجتماعي المسيحي مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي؟ فرغم إدراك الائتلاف أهمية الأمر إلا أنه كان عاجزاً ولوقت طويل عن إنشاء هيئة تابعة للحكومة تقدم الاستشارات بخصوص سياسة الهجرة؟
باده: وماذا كنا سنربح من وراء ذلك؟ مجرد نسخة جديدة من مجلس الهجرة الذي كان قائماً من 2003 حتى 2005، ولكن مع فارق وحيد، وهو قيامه تحت مظلة الائتلاف الكبير. إن أحد الدوافع وراء إلغاء مجلس الهجرة هو الرفض الذي واجهه أحد اقتراحاتنا المحورية الخاص بتقديم تشخيص للفترات التي يمر فيها سوق العمل بأزمات. هذا الاقتراح لم يكن "يتناسب مع التشكيلة السياسية"، على حد قول وزير الداخلية السابق أوتو شيلي في حديث شخصي معي.
من الممكن أن أقول: إن الحياة تعاقب مَن يأتي أبكر من اللازم. فلكي يسد الائتلاف الكبير حاجة السوق إلى خبراء فإنه يقوم الآن بتطبيق النظام الذي صب عليه اللعنات في عام 2005 عندما اقترحه مجلس الهجرة؛ أعني بذلك تشخيص الأزمة في سوق العمل، وهو ما يطلقون عليه الآن في هدوء "تحليل فترات الأزمة". مَن يعش طويلاً، ير كثيراً!
وما هو الفارق بين "مجلس الخبراء" الجديد و"مجلس الهجرة" القديم، إذا استثنينا الموارد المالية المتواضعة؟ ماذا نتوقع من المجلس؟
باده: هذا المجلس لم تؤسسه الدولة أو احدى المصالح الحكومية، بل تم إنشاؤه عبر مبادرة من المجتمع المدني ممثلاً من خلال مؤسسات كبيرة لها خبرتها في هذا الميدان. وفيما يخص المجالات التي يمارس المجلس مهامه فيها فإن المجلس حر مبدئياً في اختيار موضوعات البحث أو القضايا المحورية، كما أنه لم يعد خليطاً من الباحثين والساسة وممثلي جماعات الضغط (اللوبي). عبر وسائل الإعلام يقوم المجلس بالمتابعة النقدية للسياسة.
كان ذلك أمراً غير مرغوب فيه على الإطلاق في مجلس الهجرة. في تقريرنا السنوي نولي الاندماج والهجرة اهتمامنا، كما أننا نقدم "باروميتر" للاندماج، وهو عبارة عن مؤشر يعكس بصورة دورية مناخ الاندماج في المجتمع.
هذا الباروميتر لا يتضمن فحسب المؤشرات التي تقيس مدى تأقلم المهاجرين، بل أيضاً، وبالقدر نفسه، الإسهام الذي يقدمه مجتمع الأغلبية لتحقيق الاندماج. فالاندماج في مجتمعات الهجرة يتوقف دائماً على كلا الجانبين. في ربيع عام 2010 سنقدم تقريرنا السنوي وكذلك باروميتر الاندماج لسنة 2009. حتى ذلك الحين سنلتزم الصمت، بغض النظر عن التصريحات والتقارير الراهنة.
ما هي مصلحة المؤسسات الخاصة في إنشاء مجلس للخبراء يهتم بقضايا الهجرة والاندماج تحديداً؟ وما هو تأثير هذه التبعية للممولين من القطاع الخاص على عملكم؟
باده: إن تلك المؤسسات تتمتع بالخبرة في هذا الميدان، وهي تنافس بمشاريعها المحلية والدولية لتقديم أفضل الأشكال لتشجيع الاندماج. لأول مرة تجتمع هذه الهيئات معاً لتحقيق مهمة مشتركة ضخمة، أعني تشجيع الاندماج في دوائر الرأي العام وتوجيه الهجرة إلى المجتمع. الممولون من القطاع الخاص ليس لهم أي تأثير على مضمون عملنا. هناك لوائح صارمة تضمن استقلالنا، مثلاً عبر تكوين شركة محدودة المسؤولية يعمل بها الموظفون لدينا وتقوم بإدارة مواردنا المالية.
كيف تقيّم الوضع الحالي في ألمانيا كبلد هجرة، وخصوصاً بالنظر إلى عواقب الأزمة الاقتصادية والمالية؟ فنحن إذا ألقينا نظرة تاريخية على فترات الأزمات نجد أنها قد شجعت تنامي الاتجاهات القومية والمعادية للأجانب.
باده: ليس هذا بالأمر المستبعد. إننا نلحظ المؤشرات الأولى لذلك، وعلينا متابعتها بعناية. كما أن العدوانية المتنامية لدى أولئك الذين يشعرون بأنهم خاسرون اجتماعياً وأنهم الآن قد أصبحوا ضحايا الأزمة، هي على الأقل على نفس الدرجة من الخطورة. لذلك فمن المهم بمكان أن نجد في خضم الأزمة روحاً جماعية تضامنية تحتضن أولئك الذين أصابتهم الأزمة أولاً، وهم في العادة المهاجرون. ولا يختلف وضع الألمان في الخارج كثيراً عن ذلك.
رولاند ديتش
ترجمة: صفية مسعود
حقوق الطبع: معهد غوته/ قنطرة 2009
ولد كلاوس يورغن باده عام 1944. حتى عام 1997 كان يعمل أستاذاً للتاريخ الحديث في جامعة أوسنابروك، حيث أسس معهد أبحاث الهجرة والدراسات المابين ثقافية. وباده من الباحثين والكتّاب المرموقين ذوي المكانة الدولية الرفيعة، وهو الذي أسس المجلس الألماني للهجرة، وتولى من 2003 حتى 2005 رئاسة مجلس الخبراء لقضايا الهجرة والاندماج التابع للحكومة الألمانية.
قنطرة
قمة الاندماج الثالثة في برلين:
بين قراءات الساسة وروايات الواقع
أكَّد سياسيو الحكومة الائتلافية الألمانية في قمة الاندماج الثالثة وجود "حالة تحوّل واسعة النطاق في سياسة شؤون الاندماج في جميع أرجاء ألمانيا". غير أن الباحثة المختصة في شؤون الهجرة، أولغر بولات تعارض في تعليقها التالي هذا التصوير، كما تطالب باتِّخاذ إجراءات موضوعية من أجل تحسين وضع المهاجرين في سوق العمل.
من يمثل "المسلمين" في ألمانيا؟
بين الأقلية الملتزمة والأغلبية الصامتة
يطالب المسلمون المنظمون في اتحادات إسلامية في ألمانيا بالوضع القانوني نفسه الذي يتمتع به ممثلو الدينين اليهودي والمسيحي. ولكن يتحتم على الاتحادات الإسلامية أن تتسم بالمهنية والشفافية في صنع القرار وأن تكرس الوحدة في صفوفها، حسب رأي ريم شبيلهاوس.
سياسة ألمانيا حيال الاندماج والهجرة:
قانون الهجرة الجديد يُصعِّب اندماج المهاجرين!
ينتقد محمد كيليتش رئيس المجلس الاستشاري الاتحادي لشؤون الأجانب في هذا التعقيب قانون الهجرة الألماني الجديد، الذي يصعب حسب رأيه اندماج الأجانب في ألمانيا.