"أي شيء آخر هو أفضل من نتنياهو"
فلاشنبرغ هو مُنظم حملات انتخابية للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وهو حزب يهودي-عربي إسرائيلي. عمل كمستشار لعضوة الكنيست الإسرائيلية عايدة توما سليمان لمدة ثلاث سنوات. وهو الآن يدرُس الماجستير في التاريخ بالعاصمة الألمانية برلين، وهو عضو مؤسس في "إسرائيليون من أجل السلام".
أجرى موقع "قنطرة" حوار مع فلاشنبرغ عن الحركة اليسارية الناشئة في خضم الحرب التي ما زالت دائرة حالياً (مارس / آذار 2024) في غزة منذ خمسة أشهر، ومطالبها من الحكومة الألمانية وما الذي ينتظره اليسار الإسرائيلي بعد انتهاء هذا الصراع.
* لنبدأ بزيارتك الأخيرة إلى تل أبيب. كيف كانت الأجواء هناك بعد أشهر من الحرب في غزة؟
فلاشنبرغ: كان الأجواء غريبة، لكن الأمور عادت إلى طبيعتها بعض الشيء رغم الحرب المستمرة في الغرب. هناك خوف أقل بكثير مما كان خلال الشهر الأول أو الشهرين التاليين من الحرب، إذ كان الجميع في صدمة: كل ما سمعته هو قعقعة السيف.
لست مقتنعا بأن غالبية الإسرائيليين يدعمون المذبحة الحالية، ولكن الجناح اليميني المتطرف باتت له اليد العليا، وأمسى خطاب دعم الجيش مرتبطا بدعم الحرب والهجمات الجامحة في غزة، وأضحى العديد من الناس يؤيدون الحرب بغض النظر عما يفعله الجيش الإسرائيلي هناك، بشكل أساسي دعم كل ما تفعله قوات الدفاع الإسرائيلية وغض الطرف عما يحدث في غزة. لا تظهر الصحافة الإسرائيلية -باستثناء بعض الصحف الخاصة مثل صحيفة هآرتس وصحيفة النداء المحلي- معاناة سكان غزة.
ومع ذلك يبدو أن هذا يتغير الآن. فهناك حراك صغير ولكنه متزايد مناهض للحرب.
والمزيد من الإسرائيليين خاصة الليبراليين يدركون أنه لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع، وهذا ما نقوله دائما. لقد بدأ الناس في إدراك هذا.
"من شأن ألمانيا دعم المصالحة بين إسرائيل وفلسطين"
عومر بَرتوف مختص بالمحرقة النازية لليهود وهو باحث يحظى بتقدير دولي ويتحدث لموقع قنطرة عن الدعوى المرفوعة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية واستغلال معاداة السامية ودور ألمانيا الممكن في حل الدولتين. حاورته جيداء نورتش.
مساحة حرة للإسرائيليين ضد الحرب
* حدِّثْنَا عن حركة إسرائيليون من أجل السلام في برلين، ومن أين أتت الفكرة؟
فلاشنبرغ: نحن مجموعة من الناشطين اليسارين الإسرائيليين المقيمين في برلين، جاءتنا الفكرة عندما زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العاصمة الألمانية برلين العام الماضي 2023، وسط الاحتجاجات ضد الإصلاحات القضائية. قلنا إننا بحاجة إلى مبادرة لتمثيل الأصوات الإسرائيلية التقدمية اليسارية في العاصمة الألمانية التي تحتضن أكبر مجموعة من الإسرائيليين اليساريين، وأيضا أكبر جالية فلسطينية في أوروبا. لهذا كانت فكرة المبادرة قيد المناقشة بالفعل قبل هجوم الـ7 أكتوبر. ثم بدأت الحرب ودخلنا جميعا في حالة صدمة. ومع ذلك بدا لنا ذلك الحدث منعطفا حاسما لتدشين المبادرة. استغرق الأمر بضعة أسابيع فقط للانطلاق بالتظاهر أمام وزارة الخارجية الألمانية للمطالبة من الحكومة الألمانية بتغيير سياستها تجاه إسرائيل.
أدركنا أيضا أن العديد من الإسرائيليين المعارضين للحرب لم يكونوا راغبين في الانضمام إلى المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين لأنهم كانوا في حالة ذهول بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لهذا كان هدفنا هو فتح مساحة حرة لهؤلاء الإسرائيليين المعارضين للحرب.
* منذ أكثر من 7 أسابيع الآن تتظاهرون أمام وزارة الخارجية الألمانية ضد حرب إسرائيل في غزة.. ما هي مطالبكم؟
فلاشنبرغ: بشكل عام لدينا ثلاثة مطالب رئيسية: وقف إطلاق النار الفوري للحرب، والإفراج عن الرهائن، وإيجاد الحل الدبلوماسي للحرب في غزة وأيضا القضية الفلسطينية.
إنَّ ما نطلبه من ألمانيا بسيط للغاية، لا نتوقع منها أن تكون مثل أيرلندا، التي تدعم فلسطين بشدة. لكننا ننتظر أن تعارض ألمانيا موقف الحكومة الإسرائيلية.
كل ما نقوله هو أن تلتزم ألمانيا بموقفها الداعم لحقوق الإنسان والقانون الدولي وحل الدولتين. لهذا يجب على برلين أن تتصرف وفقا لهذا الموقف، بدلا من تقديم الدعم الكامل لإسرائيل. خرجت وزيرة الخارجية الألمانية آنالينا بيربوك، مؤخرا لدعم وقف إطلاق النار في غزة، لكنها كانت تعني وقفَ إطلاق نار مؤقتاً، وهذا ليس ما نريده.
* ماذا تنتظرون أن تفعله ألمانيا في هذا الصراع المستمر؟
فلاشنبرغ: أن تضغط على إسرائيل التي تقدم لها السلاح وتوفر لها الغطاء الدبلوماسي. أعتقد أنه إذا غيرت برلين من موقفها -ولو قليلا- لتقترح على سبيل المثال أنها لن تبيع الأسلحة طالما استمرت هذه العملية العسكرية على غزة، فقد يكون ذلك حافزا كبيرا لإسرائيل للتوقف. بالطبع ألمانيا ليست الولايات المتحدة أو بريطانيا، ولكن ألمانيا هي واحدة من أهم حلفاء إسرائيل، ربما أكثر من بريطانيا، اعتمادا على ما تشير إليه.
تماما كما أعطى المجتمع الدولي إسرائيل غطاءً في الأسابيع القليلة الأولى عندما جاء جميع قادة العالم إلى القدس ووقفوا وراء بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يمكنهم أن يفعلوا الشيء نفسه لوقف الحرب. ليس فقط لأنه يؤذي الفلسطينيين، ولكن لأنه يدمر المجتمع الإسرائيلي ويهدد أمن الإسرائيليين في المستقبل.
"دعم ألماني للجرائم الإسرائيلية"
* كيف استجاب المسؤولون الألمان لمطالبكم؟ هل ناقشتموها مع السياسيين الألمان؟
فلاشنبرغ: ليس بعد. في البداية أردنا أن نذهب إلى الجمهور للحصول على دعم الناس. لقد نظمنا بالفعل حدثا كبيرا للإسرائيليين باللغة العِبْرية في بداية فبراير/شباط 2024. وحضر في البداية ما يقرب من مائة شخص ثم تمكنا من ضم كثيرين آخرين لمبادرتنا. فكرتنا هي أن نؤسس أنفسنا كمجموعة بارزة ثم سنتحدث إلى المسؤولين والسياسيين.
كما أن العديد من الألمان انضموا إلى تظاهراتنا أيضا لأنهم يشعرون بعدم الارتياح في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين. ويعترف الألمان أصحاب الأفكار الليبرالية واليسارية بأن دولتهم تدعم الجرائم التي ترتكبها إسرائيل. من الواضح أنهم يشعرون أننا نقدم مساحة ذات مصداقية لهم للتعبير عن استيائهم.
* كيف سيطر الجناح اليميني على المشهد السياسي في إسرائيل على مدى العقدين الماضيين؟
فلاشنبرغ: تمر إسرائيل بعملية تطرف يميني لسنوات عديدة، منذ التسعينيات، أكثر أو أقل أو على الأقل منذ عام 2009، عندما عاد نتنياهو إلى السلطة. زاد المستوطنون من نفوذهم السياسي، ومن خلال التحالف بين حزب الليكود وفصيل اليهود الأرثوذكس المتطرفين، خلقوا أغلبية جديدة أصولية ودينية.
في الوقت نفسه اكتسب اليمين الديني عددا متزايدا من المناصب في وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولة الإدارية. هؤلاء يرون الفلسطينيين كأكبر عدو لهم، لذلك هم زرعوا ودعموا واقع فصل الفلسطينيين بين الضفة الغربية وغزة. هذا يخدم هدفهم بأن لا توجد قيادة فلسطينية موحدة ولا توجد فرصة لمفاوضات سلام بناءة.
إسرائيل منقسمة أكثر من أي وقت مضى
إسرائيل عند مفترق طرق. فقد أدى مشروع تعديل قانون القضاء الذي تريده حكومة اليمين المتطرف لانقسامات عميقة غير مسبوقة في المجتمع الإسرائيلي. الصحفية الألمانية تانيا كريمر التقت بإسرائيليين في تل أبيب.
لقد أظهرت السنوات العشرين الماضية أن هذا صحيح: نحن لا نتفاوض بأي شكل من الأشكال، وفي الوقت نفسه ارتكبت القيادة الفلسطينية أيضا العديد من الأخطاء.
لكن منذ وصول هذه الحكومة اليمينية المتطرفة الأخيرة إلى السلطة لم يقبل الجمهور الإسرائيلي روايتهم. بمجرد وصولهم إلى السلطة بدأوا في الضغط من أجل إصلاح قضائي مثير للجدل وأدرك غالبية الإسرائيليين أنهم لا يريدون مثل هذه القيادة المتطرفة. لهذا السبب تراجعت شعبية تلك الحكومة منذ فوزهم بالانتخابات.
"الصهيونية فشلت في حماية الشعب اليهودي"
*ماذا يعني هذا بالنسبة لمستقبل السلام في الشرق الأوسط؟
فلاشنبرغ: ما نجح اليمين الإسرائيلي في فعله هو جعل القضية الفلسطينية ليست قضية. ومع ذلك وبالنظر إلى ما حدث منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر هناك الآن فرصة للتغيير. أشعر أن الإسرائيليين أدركوا أنه لا يمكن تجاهل القضية الفلسطينية، وأنه في مرحلة ما سيتعين علينا تغيير موقفنا، والبدء في التحرك نحو حل دبلوماسي.
في الوقت نفسه، يزعم الوزيران الإسرائيليان اليمينيان -إيتمار بن غفير (زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف وزير الأمن القومي الإسرائيلي)، وبتسلئيل سموتريتش (وزير المالية الإسرائيلي)- أن فكرة اتباع نهج سلس تجاه الفلسطينيين قد انهارت وأن هذا قد ثبت في 7 تشرين الأول/أكتوبر وأن وعلينا الآن أن نكون أكثر عدوانية وأكثر عنفا وأكثر حزما في حربنا وفي جهودنا العسكرية، ويمكننا أن نرى هذا الآن في الممارسة العملية فيما نراه في غزة. ومع ذلك لستُ مقتنعاً بأن الرغبة في تغيير الموقف قد تلاشت تماماً.
معبر رفح - تحديات كبيرة أمام شريان حياة سكان غزة الوحيد أثناء حرب إسرائيل وحماس
*قال المؤرخ الإسرائيلي البارز موشيه زيمرمان (تسيمرمان) في مقابلة مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن مذبحة حماس دليل على أن الصهيونية فشلت في حماية الشعب اليهودي. هل تتفق مع هذا الطرح؟
فلاشنبرغ: عندما بدأت الشائعات تتنشر حول معاداة السامية اتصل أفراد من أقاربنا الألمان بنا -أنا وزوجتي- وسألوا عن إنْ كنا آمنين، وهل تعرضنا لتهديد؟، كنتُ واضحًا جدًا. قلتُ: "لماذا --بحق السماء- تتصلون بي؟ لقد قُتِل للتو مئات الإسرائيليين في منازلهم وأنتم تتصلون بي لمعرفة إنْ كنتُ بأمان؟"، لا يوجد مكان آمن للإسرائيليين واليهود الآن في إسرائيل. وبهذا المعنى فصحيح أن الصهيونية فشلت في حماية الإسرائيليين واليهود.
ومع ذلك فإن التركيز على مشاكل الصهيونية كمفهوم يصرف الانتباه عن القضايا السياسية الرئيسية اليوم. من المهم أيضاً الحديث عن النكبة -التي يحتاج الإسرائيليون إلى الاعتراف بها- لكنها ليست بديلاً عن الحديث عن الحلول الحالية والمستقبلية. في بعض الأحيان يسير الحديث عن الصهيونية في اتجاه يفيد اليمين الإسرائيلي بالفعل. دعنا نتحدث بدلاً من ذلك عن الاستيطان والتطهير العرقي المستمر في الضفة الغربية، والآن في غزة، وخطط اليمين المتطرف إعادة توطين غزة – فكل هذا سيخلق المزيد من المشاكل.
ونعتقد (كمبادرة) أن التعاون بين الفلسطينيين واليهود هو السبيل الوحيد للمضي قدما للسلام في المنطقة. لا تزال هناك بعض الروابط المشتركة بين اليسار الإسرائيلي واليسار الفلسطيني، لكن هذه الروابط عانت بطبيعة الحال بسبب الحرب. وبالطبع هناك العديد من المنظمات غير الحكومية والمجموعات التي يعمل فيها الفلسطينيون والإسرائيليون جنبًا إلى جنب.
* وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون قالت لشبكة MSNBC الإعلامية الأمريكية -مؤخراً- إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "ليس زعيمًا جديرًا بالثقة ويجب أن يرحل"، بينما يقول العديد من القادة الغربيين إن نتنياهو يمثل عقبة أمام السلام في الشرق الأوسط. ما تعليقك؟
فلاشنبرغ: الطريقة الوحيدة لنتنياهو والجناح اليميني للبقاء في السلطة الآن هي إطالة أمد الحرب. بمجرد انتهاء الحرب سيغادرون. أتفق تماما على أنه لكي يحدث أي تقدم إيجابي نحو السلام، يجب أن تتغير الحكومة وأن يتم إزالة الجناح اليميني المتطرف الإسرائيلي من السلطة.
أود أيضا أن أضيف أنني لا أعتقد أن السلام مع حماس ممكن من نواح كثيرة. هناك اختلافات في الرأي في مجموعتنا، ولكن هذا هو رأيي. كانت حماس وحزب الليكود ضد اتفاقية أوسلو وكلاهما بنى أجندتهما السياسية حول رفض أوسلو. لا أقول إننا يجب أن نعود إلى أوسلو، ولكن علينا أن نطيح بالجناح اليميني المتطرف على كلا الجانبين وحماس على الجناح اليميني الفلسطيني، لذلك لا يمكن أن يكون هناك سلام مع أي منهما. مع الأجنحة الأخرى بالطبع يمكن أن تكون القصة مختلفة تماما.
* من سيكون رئيس وزراء إسرائيل القادم؟
فلاشنبرغ: في رأيي بيني غانتس -الوزير الإسرائيلي في مجلس الحرب- هو المرشح الأوفر حظاً، حيث حصل حزبه على 38 مقعدا في الانتخابات. إذا حدث شيء جذري فإن شخصاً مثل غادي إيزنكوت -الوزير رقم اثنين في حكومة الحرب الإسرائيلية- أو يائير لابيد -زعيم المعارضة في إسرائيل- قد ينتهي به الأمر إلى قيادة الحكومة القادمة.
لديهم سياسات رهيبة، وخاصة غانتس المؤيد للحرب، لكن هدفهم السياسي على الأقل لا يمنع قيام دولة فلسطينية. إنهم يلعبون سياسةً. لا أعتقد أنهم يريدون دولة فلسطينية مستقلة في السنوات الخمس المقبلة، لكن إذا كانوا في السلطة فسيستمرون في اللعب مع الآخرين على الأقل.
الأمريكيون والمصريون والسعوديون - لديهم جميعاً فرصة لترتيب شيء. وأيضا ستنشط السلطة الفلسطينية من جديد لأنه سيكون لديها شريك على الجانب الآخر للتفاوض معه. أنا لست متفائلاً بشأن تلك الخيارات الثلاثة، لكن من الواضح أن أي شيء آخر هو أفضل من نتنياهو.
محمد مجدي - برلين
حقوق النشر: موقع قنطرة 2024