"لا يمكن تصور أوروبا من دون الإسلام والمسلمين"
عُقد في الثالث والعشرين من شهر حزيران/يونيو الماضي في الساعة الثلاثة وخمس دقائق لقاء تاريخي؛ حيث صافح طارق رمضان الذي يعدّ واحدًا من المناضلين المثيرين للجدل والمدافعين عن المسلمين الأوروبيين، مع الفيلسوف يورغن هابرماس الذي يعتبر أحد واضعي نظرية التداخل الجديدة. ولم يدر بينهما بعد ذلك مثلاً جدال أو حوار. إذ لم يتم تحديد ذلك من قبل إدارة هذا المؤتمر الذي شارك فيه أيضًا أشخاص بارزون وحمل عنوان "المسلمون واليهود في أوروبا المسيحية".
ألقى طارق رمضان كلمة استغرقت حوالي عشرين دقيقة وبعد انتهائه طرح عليه يورغن هابرماس بعض الأسئلة. تحدَّث هابرماس عن توزيع للأدوار غير متكافئ تمامًا. لكن على الرغم من ذلك كانت هذه الفعالية رائعة ومؤثِّرة جدًا. اعتمد طارق رمضان على بعض الاستطلاعات التي أظهرت أنَّ ثمانين في المائة من المهاجرين المقيمين في أوروبا القادمين من بلدان إسلامية يعتبرون مسلمين لا يطبِّقون تعاليم الدين ولا يلتزمون بها.
وعليه فهم لا يواجهون أغلب المسائل الدينية، التي يتم ذكرها بوصفها مشكلات تعرقل الاندماج. ولكن على الرغم من ذلك فهم يتعرَّضون للرقابة والشكّ والاتِّهام. كذلك لا يكفي أن يدفع المهاجر ضرائبه وتأمينه الصحي والاجتماعي وأن يؤدِّي واجباته كمواطن وأن يكون ملتزمًا بالقانون؛ إذ يطالب المرء دائماً بإثباتات جديدة على ولائه، عندما يكون لون بشرته مختلفاً ويحمل اسماً غريباً ولديه صعوبات في استخدام لغة البلاد.
المسلمون والإسلام جزء من الهوية الأوروبية
يتناقش الهولنديون في هولندا حول عدم معرفتهم بما يقوله المهاجرون لأطفالهم في البيت وما هي اللغة التي يتم بها ذلك، حسب تعبير طارق رمضان الذي قال مستهزئاً: "أين يبقى إذن الفصل بين الخاص والعام؟ وأين هي إذن حماية الحيز الشخصي؟" كذلك أشار طارق رمضان إلى أنَّ الجماهير الليبرالية يجب أن تضطلع الآن بمهمة حماية هذه العناصر الأساسية في المجتمع المدني. وأضاف أنَّه معني بأن يتمتَّع كلّ المواطنين بالحقوق نفسها. تبدو الأمور مختلفة على أرض الواقع؛ إذ يعتب المهاجرون مواطنين من الدرجة الثانية.
وكذلك لا تسري عليهم القواعد والأصول التي تنطبق على سكَّان البلاد الأصليين. وقال طارق رمضان مستنكراً إنَّ هذا لا يمثِّل ما يصفه الأوروبيون بالقيم أوروبية. وأوروبا تحتاج إلى المهاجرين. فهي لا تستطيع المحافظة على مستواها المعيشي من دون المهاجرين. لذلك يجب على أوروبا أن تتعايش معهم. وكذلك لا بدّ لها من إدراك أنَّ عملية دمج المسلمين لم تعد تشكِّل مشروعاً، بل واقعًا. لقد تغيَّرت الهوية الأوروبية -على حدّ قول طارق رمضان- في الأعوام الأخيرة تغيِّراً تاماً؛ إذ أصبح المسلمون والإسلام جزءً من الهوية الأوروبية. ومن الغريب أن يخوض المرء بخصوص احتمال انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي جدالاً بشأن إذا كانت أوروبا قادرة على تحمّل بلد إسلامي -يعتبر بالإضافة إلى ذلك علمانيًا، في حين لقد أصبح منذ عهد طويل ملايين المسلمين مواطنين أوروبيين صالحين، حسب تعبير طارق رمضان. والمهاجرون يعتبرون على كلِّ حال أوروبيين أفضل وأكثر تسامحًا وانفتاحًا من الأوروبيين سكان البلاد الأصليين -أثناء شطر كبير من تاريخهم- على حدّ قول طارق رمضان: "يطالبنا المرء بأن نكون أوروبيين أفضل من الأوروبيين أنفسهم".
أوروبا لا تثق أيضًا بنفسها
يجب على أوروبا أن تصنع لنفسها صورة جديدة. وكذلك يجب على من يستخدم في يومنا هذا صيغة "نحن" وصيغة "الآخرين" أن يستوعب أنَّ "الآخرين" قد صاروا ينتسبون منذ عهد طويل "إلينا". فأوروبا من دون مسلمين أصبحت أمراً مستحيلاً. أجاب يورغن هابرماس بدهشة واضحة؛ يجب على المرء أن يفهم أنَّ أوروبا تعقِّد الأمور على نفسها مع المسلمين. وثقافة الأكثرية المسيحية العلمانية تعرف -في ألمانيا بالذات- ما مدى طول الطريق إلى القيم الأوروبية وكم حدث من انتكاسات وتراجعات، حسب قول يورغن هابرماس؛ وكم اعتمد الأوروبيون مراراً وتكراراً على الضغط الخارجي من أجل التمكّن من تعلّم التسامح.
وأضاف يورغن هابرماس إنَّ جذور انعدام الثقة بالقادمين الجدد تعود أيضاً إلى انعدام الثقة بالذات؛ وانعدام الثقة هذا يرجع أيضاً إلى التجارب التي مرّ بها الأوروبيون مع أنفسهم. وثم طرح يورغن هابرماس على طارق رمضان هذا السؤال: "ما رأيك في أفكار رئيس أساقفة كانتربري بخصوص السماح للمسلمين البريطانيين في قضايا معيَّنة بالمثول أمام محاكم شرعية وليس أمام المحاكم البريطانية؟"
لسنا بحاجة إلى محاكم خاصة بنا
وكان جواب طارق رمضان: "رئيس الأساقفة لم يتبنَّى فكرة القضاء المتوازي. وهذا يعني أنَّه لم يتبنَّى فكرة أنَّ البريطانيين المسلمين تتم مقاضاتهم حسب الشريعة الإسلامية والآخرين حسب القانون العام common law، بل يتعلَّق الأمر بإمكانية إنشاء محاكم خاصة ضمن القانون العام من أجل مجموعات معيَّنة. وهذا موجود منذ فترة في بريطانيا لبعض القضايا المحدَّدة؛ على سبيل المثال للطوائف اليهودية. لقد قال رئيس الأساقفة فقط إنَّ هذا يجب أن يكون متاحاً أيضاً للمسلمين. وأعتقد أنَّه محق في ذلك. وجوابي هو إنَّ هذا أمر مشروع؛ بيد أنَّني أعتبره غير ضروري. نحن لا نحتاج إلى محاكم خاصة بنا. وبغض النظر عن ذلك فأنا أعتقد أنَّ الأحكام التي تصدر عن مثل هذه المحاكم الإسلامية لن ترضيني تماماً في أغلب الحالات".
وكان من بين الحضور كذلك الكاتب الهولندي الأصل إيان بوروما. وقد سأل طارق رمضان عن سبب تأييده للتعليق المؤقّت لعقوبة الرجم في البلدان الإسلامية بدلاً من إدانته للرجم. فأجابه رمضان: "أنا أعارض عقوبة الرجم. كما أنَّني أعارض عقوبة الإعدام والتعذيب والعقوبات الجسدية. لقد قلت هذا مراراً وتكراراً وبوضوح. لكن لا توجد دولة في العالم ستلغي هذه العقوبة بناءاً على مطالبتي أو مطالبتنا جميعاً بإلغائها.
ولذلك دعوت على الأقل إلى تعليق عقوبة الرجم تعليقاً مؤقتاً، حتى لا يبقى أي أحد يتضرَّر منها. وقد اعتبر مفتي مصر أنَّ هذه الفكرة فكرة سليمة، كما أنَّ أصواتاً إسلامية مهمة أخرى قد تبنتها. وأنا أعتبر الرجم وعقوبة الإعدام والعقوبات الجسدية غير إسلامية. وهناك عدد من المسلمين البارزين الذين يرون ذلك تماماً على هذا النحو. وإذا نظرت إلى الجدال الدائر في الولايات المتحدة الأمريكية حول عقوبة الإعدام فستلاحظ أنَّ أحكام التعليق المؤقَّت لعقوبة الإعدام كانت دائماً تلعب هناك دوراً مهماً".
قال طارق رمضان ذلك وهو منفعل جدًا، إذ ارتفع صوته بينما لم يكن من بين الحضور إلاَّ القليلين فقط الذين يعرفون أنَّ هذا الموضوع يمس أزمة خاصة. إذ يبدو أنَّ أخاه، هاني رمضان قد دافع عن رجم الزانيات وثم تحتَّم عليه في بداية العام الجاري الاستقالة من وظيفته لدى كانتون جنيف. وطارق رمضان هو حفيد حسن البنا، الذي يعتبر أحد مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين التي تعدّ واحدة من أهم الحركات الإسلامية الإصلاحية وقد تأسست في النصف الأوّل من القرن العشرين. اغتيل حسن البنا في عام 1949 على يد السلطات المصرية. أما والد طارق، الدكتور سعيد رمضان فقد اضطر في عام 1954 إلى اللجوء إلى أوروبا؛ وقد تم منحه درجة الدكتوراه في مدينة كولونيا كما أنَّه كان واحداً من أشهر الدعاة الإسلاميين في أوروبا.
[embed:render:embedded:node:25159]
المهاجرون المسلمون سيصبحون أفضل الأوروبيين
يُعنى في يومنا هذا الجيل الثالث من عائلة رمضان بقضية العلاقة بين أوروبا والحداثة والإسلام. ولو قدِّر في المستقبل القريب أن تتم صياغة تاريخ أوروبي يكون يبدأ من أوروبا المعاصرة، وليس من فكرة أوروبا المسيحية التي أكل عليها الدهر وشرب، فسوف تلعب عائلة رمضان دوراً محورياً في هذا التاريخ. لقد مضى وقت طويل إلى أن استوعب المرء في ألمانيا أنَّ اليهود الألمان هم أوّل من كانوا ينظرون إلى أنفسهم على أنَّهم ألمان. فمعظم الألمان كانوا يعتبرون أنفسهم من أبناء إقليم هيسِّن أو فرانكفورتيين أو بافاريين أو من إقليم بفالتس قبل أن يعتبروا أنفسهم ألمان. بينما لم تكن لدى اليهود أية فرصة ليعتبروا أنفسهم بافاريين؛ فقد كانوا يريدون أن يكونوا ألمان.
ربما تكون أوروبا حاليًا في حالة مشابهة. فالأيرلنديون هم بالدرجة الأولى أيرلنديون والدنماركيون دنماركيون والألمان ألمان والبلجيكيون إما فلامنكيون أولاً أو فالونيون؛ وأما المهاجرون الذين يُحرَّم عليهم أن يصبحوا أيرلنديين أو دنمركيين أو ألماناً، ولكن يُطلب منهم أن يكونوا أوروبيين أكثر مما كان عليه الأوروبيون في أي وقت، فلا يبقى لهم خيار آخر سوى أن يصبحوا أوروبيين. إذ أنَّهم سيكونون أول أوروبيين حقيقيين. ولا توجد أوروبا من دون المسلمين.
آرنو فيدمان
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: فرانكفورتر روندشاو/قنطرة 2008
نشر هذا المقال بتاريخ 24 حزيران/يونيو 2008 في صحيفة فرانكفورتر روندشاو