سفير القارة السمراء على المسطحات الخضراء

استطاع اللاعب المسلم من أصول مالية فريدريك عمر كانوتيه أن يحقق نجومية كروية عالية، ويقوم هذا اللاعب الذي يحمل الجنسية الفرنسية أيضا بنشاطات خيرية لصالح مؤسسات إسلامية ويعمل لصالح الأطفال الذين يعانون من الفقر، بالإضافة إلى إظهاره مواقف خاصة من الصراع الشرق أوسطي. أندريه توسيس يعرِّفنا بهذا اللاعب.

في بداية شهر كانون الثاني/يناير الماضي فاز نادي "إف سي إشبيلية" في الدور ثمن النهائي من بطولة كأس إسبانيا على فريق نادي "ديبورتيفو كورونا" بنتيجة هدفين مقابل هدف واحد. وتزامن هذا الفوز مع سقوط وابل من القنابل على قطاع غزة. وبصرف النظر عن ذلك فقد سجَّل فريدريك عمر كانوتيه الذي يبلغ من العمر واحدًا وثلاثين عامًا ويلعب مهاجمًا في صفوف نادي إشبيلية الهدف الثاني لفريقه. ولم يُقدَّر له في هذا المساء أن يظهر مهاراته وقدراته في كرة القدم وحدها؛ إذ عبَّر هذا اللاعب المسلم المتدين عن موقفه من أزمة الشرق الأوسط. فبعد تسجيله هدفًا لناديه رفع فريدريك عمر كانوتيه قميصه فوق رأسه وعرض للعالم كلمة "فلسطين" كانت مكتوبة بأربع لغات على القميص الذي كان يرتديه تحت قميص ناديه.

وكانت آراء المشجِّعين في أستاد "رامون سانشيز بيزخوان" متباينة، ولكن لم يكن رأي الحكم كذلك؛ حيث رفع للاعب فريدريك عمر كانوتيه البطاقة الصفراء. وفي اليوم التالي فرض الاتِّحاد الإسباني لكرة القدم غرامة مالية مقدارها ثلاثة آلاف يورو على هذا اللاعب الذي يعود أصله إلى مالي. وفي آخر الأمر تعتبر كلّ التعبيرات والمظاهر السياسية محرَّمة في أرض الملعب. ولذلك أدرج الاتِّحاد الدولي لكرة القدم Fifa في نظامه الأساسي هذه القاعدة: "الشعارات والكتابات الدعائية والكتابات السياسية والدينية وكذلك الشخصية" غير مرغوبة - ولا ينبغي نقل النزاعات الاجتماعية إلى الأجواء الساخنة داخل الملعب.

لاعب كرة قدم محترف وملتزم بقضايا

وفريدريك عمر كانوتيه يعرف هذه القاعدة، بيد أنَّه لم يمتنع عن ذلك؛ ويقول هذا اللاعب: "كنت أشعر بأنَّه يجب عليّ فعل ذلك. ويجب على كلِّ شخص أن يشعر بالمسؤولية عندما يحدث مثل هذا الظلم والجور". ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يبيِّن فيها كانوتيه أنَّ لاعبي كرة القدم المحترفين ليسوا بالضرورة ممن يوافقون ويسيرون مع التيار. فقد رفض ارتداء القميص الذي قدَّمه قبل عامين أحد أصحاب نوادي المراهنات الرياضية للاعبي فريق إشبيلية.

وقال كانوتيه إنَّ دينه الإسلام يحرِّم عليه القمار. واستغرب من ذلك رئيس نادي إشبيلية، خوسيه ماريا ديل نيدو، ولكنه احترم قرار لاعب فريقه؛ وهكذا اقترح كانوتيه أن تتم تغطية الكتابة التي كانت مكتوبة فوق قميصه إلى أن يقوم صاحب نادي المراهنات الرياضية بالتبرّع لصالح جمعية خيرية إسلامية. واقتراح كانوتيه هذا لم يأت صدفةً، فهو يعمل منذ عدة أعوام لصالح مشاريع اجتماعية. وفي عام 2006 أسَّس جمعية "تنمية الثقة" Development Trust، وهي جمعية قامت في مالي بتأسيس قرية ومدرسة يستفيد منها نحو مائة طفل يتيم.

وعلى الرغم من أنَّ فريدريك عمر كانوتيه قد وُلد في ليون ونشأ فيها، إلاَّ أنَّ جذوره تمتد إلى مالي المضطربة والتي تقع في غرب أفريقيا؛ أي إلى ذلك البلد الذي يموت فيه واحد من كلِّ تسعة أطفال قبل بلوغه ربيعه الخامس، وحيث يعيش نحو أربعة وستين في المائة من السكَّان تحت خطّ الفقر ويبلغ متوسط عمر الفرد ثمانية وأربعين عامًا فقط.

العمل من أجل أفقر الفقراء

وأظهرت له أخيرًا جهوده التي بذلها لصالح منتخب مالي مدى الحاجة إلى المساعدات. وفي الصيف الماضي قام وبدعم من نادي "إف سي إشبيلية" ومنظمة اليونيسيف بتنظيم مباراة خيرية لصالح الأطفال الفقراء في أفريقيا. ولكن جهود كانوتيه لا تقتصر فقط على أفريقيا. ففي نهاية عام 2007 تبرَّع بنصف مليون يورو لمسجد يقع بالقرب من إشبيلية وأنقذه بذلك من الإغلاق؛ إذ إنَّ الإيمان يعني الكثير بالنسبة له ولزوجته فاطمة وكذلك لطفليه إبراهيم وإيمان. ويقول كانوتيه: "أنا أدرك مدى سعادتي في هذه الحياة، وأشكر الله على ذلك".

وفي عام 1997 بدأ كانوتيه في نادي أولمبيك ليون الفرنسي مسيرته الاحترافية التي أوصلته عبر نادي "وست هام يونايتد" ونادي "توتنهام هوتسبر" في عام 2005 إلى نادي "إف سي إشبيلية". وفاز هذا المهاجم الملتحي ذو الابتسامة الرقيقة مع هذا النادي الأندلسي في عامي 2006 و2007 بكأس الاتِّحاد الأوروبي وفي العام نفسه ببطولة كوبا ديل ري "Copa del Rey"؛ وكذلك أيضًا بكأس البطولة التي استخدمها مسرحًا للتعبير عن آرائه السياسية.

لأهله ولشعب مالي

وبعد أن صعد ليلعب في المنتخب الوطني الفرنسي تحت سن واحد وعشرين عامًا، ولم يتم ترشيحه للعب ضمن فريق الفئة ألأولى، قرَّر في العام 2004 اللعب لصالح منتخب مالي. وقد شارك منذ ذلك الحين مرتين في نهائيات كأس أفريقيا - في عام 2004 فاز منتخب مالي بالمركز الرابع وتم تتويج فريدريك عمر كانوتيه كأفضل هدَّاف في بطولة كأس أفريقيا، بينما خرجت مالي في عام 2008 من الدور التمهيدي. وقد ساعده هذا - مثلما كان يتردَّد بين الناس - في الفوز بمركز أفضل لاعب كرة قدم في أفريقيا لعام 2007.

وفي الأصل كان من المفترض تسليم هذه الجائزة للاعب ديديه دروغبا Didier Drogba الذي يلعب حاليًا في نادي "تشلسي الإنكليزي" ولم يتمكَّن حينها من الحضور إلى حفل توزيع الجوائز؛ حيث كان يجري تدريبات مع منتخب ساحل العاج استعدادًا لدور الثمانية من بطولة كأس أفريقيا التي تزامنت مع موعد تسليم الجوائز.

وهكذا حصل فريدريك عمر كانوتيه على هذا اللقب، وذلك بسبب خروج منتخب مالي من البطولة وتمكّن من الحضور. ويعد هذا اللاعب أول لاعب أفريقي مولود خارج أفريقيا حصل على هذه الجائزة. وعلى الرغم من الشائعات إلاَّ أنَّه كان في غاية السعادة، إذ يقول: "أقدِّم هذه الجائزة هدية لأسرتي ولشعب مالي. وأعتقد أنَّ الرياضة يمكن أن تساعد في دفع عجلة التطوّر في أفريقيا إلى الأمام". وهو على الأقل واحد من أولئك الرياضيين الذين يبذلون ما في وسعهم من أجل التطوّر.

أندريه توسيس
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

لاعبو كرة القدم المسلمون في ألمانيا والاندماج:
رحلة الاندماج عبر الساحرة المستديرة؟
يرى البعض أن الإسلام في حد ذاته يشكل خطرا على القارة الأوروبية، بيد أن لاعب كرة القدم عندما يصلي فإن صلاته تعتبر شكرا لله. ولكن على الرغم من ذلك هل أضحت ملاعب كرة القدم جنة متعددة الثقافات ومساحة لتعزيز الاندماج والتسامح؟ عالم الاجتماع كلاوس ليغوي يقدم إجابة لهذا السؤال.

لاعب كرة القدم فرانك بلال ريبري:
"الإيمان بالله دائمًا "
قبل خمسة أعوام كانت أحواله مختلفة تمام الاختلاف، أما اليوم فينذهل مشجعو كرة القدم عندما يداعب عامل البناء السابق واللاعب المحترف فرانك بلال ريبري الكرة في مهارة تدل على روعته وتميِّزه وقدراته الرياضية الخلاقة. أندريه توسيس يعرِّفنا بهذا اللاعب المحترف.

اللاعب التونسي الألماني سامي خضيرة:
"بالكرة – الاندماج من خلال كرة القدم"
يملك لاعب كرة القدم المحترف سامي خضيرة جوازي سفر، الأول تونسي والثاني ألماني. ويهتم لاعب خط وسط فريق شتوتغارت البالغ من العمر 21 عاماً في وقت فراغه بتشجيع اندماج الشبيبة في المجتمع. ومن المتوقع أن ينضم اللاعب قريباً إلى صفوف المنتخب الألماني. أندريه توتشيك يرسم لنا صورة للاعب الموهوب.