أيتها النساء الغربيات لماذا هذا الانفعال!
بقلم بيرغيت روميلسباخر
عندما يدور النقاش لدينا باستمرار حول بعض الرموز، كالحجاب في الإسلام، فأغلب الظن أن الأمر في ذلك يدور، ليس فقط حول المسأله نفسها، وإنما أيضا ودائما حول الصراعات الشخصية، وبغير ذلك لا يمكن فهم الانفعال. إذ إنه لدى مناقشة الحجاب تحتل العلاقة بين الجنسين بوجه خاص مركز الاهتمام، إلى جانب قضايا فهم الذات دينيا وثقافيا. وفي ذلك يُزعم أن هناك تناقضا، تقف عند أحد طرفيه المرأة الغربية المتحررة، وعند الطرف الآخرالمرأة المسلمة المضطهدة. وهكذا لا تُجعل الثقافتان في موضع نقيض من بعضهما البعض فحسب، وتعلو إحداهما الأخرى، وإنما يؤدي الأمر أيضا إلى إضفاء التجانس على الثقافة الغربية، باعتبار "المرأة الغربية" على الإطلاق متحررة. وهذا ما لا يمكن ادعاؤه، رغم كل نجاحات الحركة النسوية الجديدة. وفضلا عن ذلك لا تزال تنشأ من خلال التحرر صراعات جديدة، تتم محاولة التخلص من بعضها لدى المرأة المغايرة ثقافيا. ومن هذه الصراعات قضية التفرقة بين الرجل والمرأة: فهناك في مناقشات الحركة النسوية مجادلة شديدة حول الفوارق والمساواة بين الجنسين. وإذا انطلقنا من المساواة بين الرجل والمرأة، كما تفعل الحركة النسوية الليبيرالية السائدة، فإن الأمر أخيرا لا يعدو أن يكون مسألة وقت فقط، حتى تذوب الأدوار الخاصة بالجنسين. بيد أنه بالطبع تكاد لا تظهر في الواقع تطورات في هذا الاتجاه، بل إن رسم الحدود بين الجنسين ثابت نوعا ما. وهكذا ظل ما سمي بفهرس التفرقة ثابتا في العقود الأخيرة. أي أن النساء بقين عاملات بالدرجة الأولى في الوظائف الخاصة بالنساء، وبقي الرجال في مهن الرجال. كما أنه في مجال الحياة الخاصة لم يتغير شئ في تقسيم العمل بين الجنسين. ومما يلفت النظر أيضا أن رسم الحدود في مجال قضاء أوقات الفراغ، في ممارسة الرياضة، لم يتغير. وأخيرا يظهر الفصل بين الجنسين في الحركة النسوية ذاتها، التي طالبت منذ البداية بمجالات خاصة بالمرأة وحققت ذلك، من أجل إمكانية أفضل لمواجهة العلاقات الذكورية في المجتمع. بيد أنه في الأثناء يثار السؤال عما إذا كان هذا الفصل بين الجنسين ليس جزء من مفهوم له مغزى، وليس استراتيجية سياسية عابرة فقط. إذ يجري التفكير مثلا في قضية الإلغاء الجزئي على الأقل للتعليم المختلط في المدارس أو في إنشاء جامعات للنساء.
إن هذا يعني أن موضوع الفصل بين الجنسين لم يُحسم بعد، حتى في المجتمعات الغربية "الحديثة" أيضا. والآن نلتقي بالمرأة المسلمة، التي تغطي رأسها، وهو موقف يؤيد مباشرة الاختلاف بين الجنسين. أي أن هذا يمس جانبا حساسا في النقاش الغربي: فعضوات الحركات النسوية يتعرضن للتحدي، لأن سياستهن متناقضة. إذ يطالبن بالمساواة، و في نفس الوقت يؤكدن الفوارق. إن الغالبية من الرجال والنساء يتعرضون للتحدي، لأنهم ينادون بالشراكة والمساواة في الحقوق، إلا أنهم يكادون لا يلتزمون بذلك في مجال حياتهم الخاصة. إنه كلما اتسعت الهوة بين المطلب والواقع، كلما كبرت الحاجة إلى خطاب مساواة يبرهن على التقدم على المستوى الخاص.
وعلاوة على ذلك فإن المهم بخاصة هو "شرف" المرأة، لأن غطاء الرأس هو رمز أيضا لكرامة المرأة. وهذا أمر له تارخه الطويل، وفي الغرب أيضا، فالشرف كان لمئات السنين وسيلة للسلطة الأبوية. إذ صُنفت النساء في مراتب مختلفة، وقورن بعضهن ببعض، بغرض التنافس بين المرأة "الشريفة" والمرأة "العامة". لهذا فإن التطبيقات المختلفة للحجاب ينبغي أن تعبر عن المرتبة في هذا الوضع التدرجي الخاص بالنساء.
ولكن النموذج الغربي في التحرر الجنسي لم يؤد، بالنسبة إلى قضايا الأخلاق، إلى استقلالية أكبر للمرأة فحسب، وإنما إلى طرق جديدة للاستغلال الجنسي أيضا. وهكذا تصبح التجارة بالخدمات الجنسية أكبر قطاعات صناعة وسائل التسلية في هذا المجتمع، وصار في الإمكان كسب أموال بالتجارة بالنساء، وبالسياحة الجنسية، أكثر مما بالتجارة بالأسلحة والمخدرات معا.
بيد أن هذا لا ينفذ إلى الوعي العام إلا نادرا فقط، أي أن الأمر يدور في ذلك حول موضوع محرم، وفي نفس الوقت عام، وملئ بالتناقضات من الناحية الأخلاقية. وهذا ما أوضحته أخيرا مناقشة حول الاعتراف بالبغاء كمهنة عادية، بل شريفة. وفي هذا الشأن تراوحت المناقشة بين اتجاه تحرري بمعنى كل شئ ممكن، واتجاه متزمت، يعتقد في إمكانية المحافظة على كرامة المرأة على حساب معاداة الناحية الجنسية فقط. ومن هنا فإن هذا الموضوع في المجتمعات الغربية بعيد كل البعد عن أن يُحل. وفقط هنا؛ في ثقافة الفردية، لا ينظر إلى احترام النساء كقانون شرف، وإنما يكاد ينظر إليه على أنه مجال للحقوق الشخصية؛ حق السلامة الجسدية، والاستقلالية من الناحية الجنسية، وأيضا في المناقشات حول الاستغلال الجنسي والمضايقات الجنسية.
ومما هو متناقض أيضا، نجاحات المساواة الوظيفية. إذ إن هذه النجاحات تتطلب من النساء التنازل عن إنجاب الأطفال، وتكوين الأسر، أو تتطلب منهن القيام بأعباء مضاعفة. والمخرج من هذا المأزق، كما ترى نانسي فرايزر Nancy Fraser ، يمكن أن يتمثل في اتفاقيات خطية، يمكن لكل فرد بواسطتها أن يقرر ما إذا كان يختار تكوين الأسرة، أو العمل، أو الأخذ بنصيب من كل منهما. ومثل هذا الاتفاق بين الجنسين هو بالضبط ما ينص عليه الإسلام، ولكن بوضع المرأة بطريقة متحاملة في مجال تكوين الأسرة. إنه مفهوم لا مستقبل له في المجتمع الغربي، بيد أن فكرة الاتفاق صالحة للمناقشة بلا شك.
وأخيرا فإن الجدل حول الحجاب له بالنسبة إلى المرأة الغربية دور في دعم هذه المرأة في مفهومها لنفسها بأنها امرأة متحررة، وبالتالي في إضافة الشرعية على امتيازاتها تجاه المرأة غير الألمانية. إذ تدين النساء الألمانيات في الجزء الأكبر من تقدمهن المهني في السنوات الأخيرة بالفضل للنساء المهاجرات، اللائي قمن بالأعمال المتدنية. وليس الرجال هم الذين التحقوا بالمناصب المتدنية مقابل تقدم النساء. إن النساء الألمانيات يؤكدن الآن بوجه خاص تفوقهن على النساء المهاجرات، ولهذا فإن المناقشات حول الحجاب تتخذ بالنسبة لهن دور تأكيد الثقة بالنفس، لأن تدرج الرتب بين النساء الألمانيات والنساء المهاجرات تم تأمينه من خلال المناقشة حول التحرر والمساواة. وقد نتج عن هذا أن التحرر كثيرا ما يُؤخذ على أنه امتيازات عرقية.
ترجمة محمد حشاش
عن صحيفة Die Tageszeitung 8.3.2002
تعمل بيرغيت روملسباخر Birgit Rommelspacher بالتدريس في معهد أليس- سالومون العالي في برلين وتهتم بقضايا معاداة السامية والعنصرية. وأخيرا صدر كتابها " القبول والعزل. ألمانيا كمجتمع متعدد الثقافات"