أزمة نشر ومعضلة بشر
الدكتورة صفاء عزمي طبيبة أسنان ومسلمة مؤمنة. "إنني أؤمن بما جاء في المصحف وألتزم بكل حرف فيه"، تقول بملامح جادة. غير أنها "تؤمن" أيضاً بصنع الكتب، وهو ما تبرهن عليه على نحو مقنع، على الرغم من أنها لم تزاول عملها كناشرة إلا منذ سبعة أشهر. لقد اعتادت أن تحكي لأطفالها الثلاثة حكايات كثيرة. وعندما لاحظت أنها موهوبة في هذا المجال، بدأت تكتب حكاياتها، ثم تبيعها. تعتبر صفاء عزمي نفسها في الحقيقة كاتبة في المقام الأول؛ ولأنها لم تجد داراً تنشر الحكايات التي تكتبها للأطفال، فقد قررت أن تتولى الأمر بنفسها
في خلال الستة أشهر المنصرمة وصل ما نشرته عزمي إلى خمسة عشر عنواناً جديداً. كلّفت عزمي مصمم كتب وبحثت عن مطابع ونظمت ندوات قراءة وتحدثت مع مكتبات بيع. أما الكتب فما زالت ترقد في منزلها في دبي. "لدينا بيت كبير. على الرغم من ذلك كان ينبغي على زوجي أن يخلي غرفته للكتب"، تقول د. عزمي ضاحكة. "لقد علمت نفسي بنفسي كل شيء. ولكن لدي مشكلة كبيرة، ألا وهي التوزيع." وللتغلب على هذه المشكلة تريد أن تتعلم الأسس النظرية أيضاً لعلم النشر. ولهذا سجلت اسمها لتشارك في كلتا ورشتي العمل المقامتين في أبو ظبي تحت عنوان "تدريب الناشرين".
تجربة رائدة
تقع غرفة الاجتماعات المزودة بأحدث الأجهزة والتابعة لمعهد غوته في الطابق الخامس عشر من ناطحة سحاب في قلب مدينة أبو ظبي. في عشية ورشة العمل التي نظمتها تحت عنوان "التسويق والتوزيع" كانت تلك الغرفة تشبه ورشة بناء كبيرة. كانت الكابينة العازلة للصوت للمترجمات الفوريات اللاتي يترجمن من الانكليزية إلى العربية ما زالت في طور البناء، كما يتم تركيب الميكروفونات وجر الطاولات وإقامة اللوحات الإرشادات. من النافذة الكبيرة يستطيع المرء أن يلقي نظرة مبهرة على مئات من رافعات البناء، إذ إنهم يشيدون بسرعة هائلة مدينة جديدة تماماً على إحدى الجزر: أبو ظبي الجديدة.
وبالتعاون مع أكاديمية الناشرين الألمان في ميونيخ تشرف ألكسندرا بولتماير على برنامج تدريب الناشرين العرب، وذلك باعتبارها المديرة المسؤولة في مشروع "كتاب" الذي يُنفذ بالتعاون بين معرض فرانكفورت للكتاب و"هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث". والشريكان المنفذان لبرنامج التدريب هما "كتاب" ومعهد غوته في منطقة الخليج.
"نأمل أن يحضر الجميع غداً في الموعد، ونأمل أن يأتي كل من سجل اسمه"، تقول بولتماير بنبرة عصبية بعض الشيء. لقد وضعت علامة استفهام على اسم كل من سجل نفسه بالتليفون منهياً المكالمة بـ"إن شاء الله". غير أنهم حضروا كلهم تقريباً في صبيحة اليوم التالي: علي سرحان ومحمد وعبد الله من أبو ظبي، ومؤنس من الأردن، نديم مروة من لبنان، ويوسف محسن براق من السعودية، وغسان ربيع من سوريا، قرفي عُقبة من الجزائر، ومحمد عوف من مصر، وصفاء عزمي من دبي.
بعد كلمة التحية التي ألقتها مونيكا كراوس، مديرة مشروع، "كتاب" بدأنا الورشة، وسرعان ما وجدنا أنفسنا في خضم النقاش. أسأل المشاركين عن مفهومهم للتوزيع. "التوزيع مهمتي – إنه أهم عمل، وأشق عمل في الوقت ذاته"، يقول نديم مروة.
ناشرون بلا كتب
وفي مجموعة العمل التالية دعوت المشاركين إلى كتابة قائمة بطرق التوزيع التي يتبعونها، وكذلك قائمة بالمشكلات التي يصادفونها. عندئذ اتضح بسرعة صعوبة توزيع الكتب في العالم العربي. أما أهم طرق للوصول للقارئ فهي معارض الكتاب المتعددة في مدن المنطقة العربية، التي لا تكتفي بعرض الكتب مثلما هو الحال في ألمانيا، بل تقوم ببيعها أيضاً.
وفي معظم المدن العربية لا تتواجد مكتبات لبيع الكتب سوى في المدن الكبيرة، ولهذا يقطع الناس طرقاً بعيدة لكي يشتروا احتياجاتهم من الكتب في المعارض. الأمر نفسه ينطبق على الناشرين أيضاً. "تذاكر الطيران وإيجار الجناح في المعرض وتكاليف الإقامة في الفندق غالية جداً، وفي كل مرة يُطرح السؤال: هل ستصل كتبنا إلى المعرض في الوقت المناسب أم لا"، يقول الجزائري قرفي عُقبة. "كثيراً ما وقفت طوال أيام أمام جناحي الخاوي في المعرض!"
غير أن لمعرض الكتاب ميزة أخرى، وهي أن الناشرين يحصلون على نقودهم على الفور. "في المعتاد ننتظر سنوات حتى تدفع المكتبات ما عليها من مستحقات"، يقول الناشر السعودي يوسف محسن براق. ليس هناك فواتير أو سندات تحصيل أو تحويلات بنكية، هذا في حين ينتشر تزوير البطاقات الائتمانية والفساد والرقابة.
يقدم الناشرون خصماً عالياً إذا دفع المشتري مقدماً أو نقداً عند حصوله على الكتب. الطريق الآمن هو التوزيع. "أنا كدار نشر صغيرة لا يرد اسمي مطلقاً على قوائمهم" تقول صفاء عزمي مسددة نظرة حذرة عبر الطاولة تجاه محمد عوف، أحد أكبر الموزعين في المنطقة العربية.
الدعاية للكتاب الخطأ
كما أن غياب الهياكل التسويقية والتوزيعية يصعب العمل على الناشرين. صحيح أن العالم العربي يعرف رقم الإيداع الدولي ISBN،ولكن ليس هناك وجود لفهارس بعناوين الكتب الممكن توريدها. لا أحد يعرف أي الكتب طُبعت، وأي الكتب موجودة في الأسواق، وبالتالي ليست هناك إمكانية للبحث عن الكتب. كما أن العالم العربي لا يعرف شيئاً اسمه "حماية العنوان".
"حدث لي كثيراً أن اكتشفت أن كتاباً منشوراً في داري يحمل نفس عنوان كتاب في الدار المنافسة. عندئذ أقوم بالدعاية للكتاب الخطأ"، يقول الناشر الليبي غسان ربيع بعصبية. كما أن عدد القراء المحدود وقلة الكتب المبيعة تمثل مشكلة أساسية؛ فالأمية منتشرة على نطاق واسع. يجب الاهتمام إذن بتشجيع القراءة في العالم العربي. عندما أسأل عن أنشطة رابطة الناشرين العرب، لا يجيبني أحد من المشاركين، بل يهزون أكتافهم فحسب.
مشكلة أخرى كبيرة يتحدث عنها علي: "إننا نتحدث جميعاً اللغة نفسها، وعلينا أن نبيع كتبنا عبر الحدود في البلدان الأخرى، غير أن لكل بلد قوانين مختلفة. من الصعب معرفة الاختلافات!" بعد الظهر نبدأ بحثنا عن طرق جديدة للتوزيع، عندئذ يتفجر نقاش ساخن. "الزبائن الجدد يعنون بالنسبة لي مخاطرة أكبر مما أحتمل. لا أعرف عندئذ ما إذا كنت سأحصل على نقودي"، يصيح اللبناني نديم مروة على نحو تلقائي.
الثقة الغائبة
صفاء عزمي متشككة. هي لا تريد أن تبيع كتبها في محلات "كارفور" للتسوق، لأنها شخصياً لن تشتري من هناك كتباً أبداً. الناشرون المجتمعون ينظرون نظرة مستريبة تجاه تسويق الكتب وبيعها عبر الانترنت، وهو القطاع الذي ينمو بسرعة هائلة في ألمانيا. ما زال معظم البيوت في العالم العربي يخلو من أجهزة كمبيوتر، كما أن الدفع بالبطاقات الائتمانية لا يمكن الوثوق به، وهو ما ينطبق أيضاً على التوريد بالبريد.
غير أني أجد آذاناً صاغية عندما أقترح أن ندرس طرق التوزيع الحالية دراسة وافية قبل أن نبحث عن طرق جديدة. هل نعتني بزبائنا على أفضل وجه، وهل يمكن ربما أن نحقق نسباً أعلى من المبيعات؟ كيف نستفيد من حضورنا في المعارض لعقد صفقات مستقبلية؟ هل الهدايا الصغيرة تحافظ على العلاقة الودية، وكيف ندرب البائعين على نحو أفضل؟ عندئذ تجري مناقشات حول حزمة كاملة من الأفكار.
إرشادات لبناء أكواخ الاسكيمو في أبو ظبي؟
كان موضوع اليوم الثاني من برنامج تدريب الناشرين هو "التسويق والتصدير". بالمرح البريطاني الشهير يقود أندرو هانسن، مدير شركة "برستل يو كيه" Prestel UK في لندن، مجموعة الناشرين عبر أسرار سوق التوزيع العالمي في محاضرته التي استغرقت ساعتين. الناشرون ينتزعون من يده انتزاعاً القائمة التي أحضرها معه بعناوين أهم الشركاء المصدرين.
إلى جانب تقنيات التوزيع العملية يوضح أندرو هانسن للمشاركين أيضاً أهمية انتقاء العناوين المناسبة للجمهور المناسب في الخارج. الكتاب المصور الرائع الذي يحمل عنوان "كيف تبني كوخاً من أكواخ الاسكيمو؟" لن يجد ربما سوقاً في أبو ظبي.
وهكذا نجد أنفسنا في قلب الموضوع التالي: المزج بين أساليب التسويق المختلفة. كما نصل إلى السؤال المحوري: "من هو زبوني، وكيف أصل إليه؟" الاهتمام واسع بالأسس النظرية لمبادئ التسويق، مثل تشجيع البيع واستراتيجيات التسويق والدعاية عبر وسائل الإعلام وتحديد الثمن المناسب.
" كنت أطبق أشياء كثيرة من تلك الأسس، غير أنني فهمت الآن كيفية مزج الوسائل المختلفة للتسويق مزجاً هادفاً. في المستقبل سوف أحرص على سبيل المثال على دعوة صحفيين إلى كل ندوات القراءة التي أنظمها، تقول صفاء عزمي مبتهجة.
التسويق لدى المجوعات المستهدفة
عالم جديد تماماً ينفتح أمام مجموعة المشاركين عندما بدأنا نتحدث عن "المجوعات المراد الوصول إليها". أضع أمامهم دراسة "زينوس"، ونلقي معاً نظرة على الأوساط الاجتماعية المختلفة وعاداتهم الحياتية. غير أن نديم مروة يتشكك في إمكانية تطبيق ذلك على المستهلكين العرب. يوسف يشاطره الرأي ويقول إن الناس في البلدان المختلفة تسلك سلوكاً مختلفاً.
كما أن الناشرين يجدون أنفسهم مجبرين على صنع "كتب للجميع" بسبب تدني عدد القراء، وذلك لكي يتمكنوا من طبع عدد من النسخ يجلب بعض الربح. وعندما نتناقش في الختام عما إذا كان كتاب شتيفاني ماير Twilight كتاباً للجميع، تنقسم آراء المشاركين انقساماً كبيراً.
في الختام نكوّن مجموعات عمل، وخلال المناقشات يأخذ المشاركون بالنتائج التي توصلنا إليها في كلتا ورشتي العمل. ينقسم الناشرون إلى ثلاثة فرق لوضع خطة للتسويق والتوزيع لكتاب من اختيارهم. الناشر محمد عوف وصفاء عزمي يقدمان استراتيجية مشتركة لتسويق كتاب عزمي الجديد للأطفال، أيضاً لدى محلات "كارفور" – إن شاء الله!
بعد أن عدت إلى عالم النشر في ألمانيا الخريفية فكرت ببعض الحسرة في زملائي الناشرين والناشرات في المنطقة العربية. بالرغم من كل الصعوبات والمشكلات التي تواجههم فإنني أحسدهم بعض الشيء. إن سوق النشر في ألمانيا مُشبع، والمنافسة القاسية لا ترحم وتزيح الدور الصغيرة من طريقها. أما في المنطقة العربية فتسود أجواء التغيير. هناك ظمأ للمعرفة واكتشاف الجديد، المرء يشعر بالجوع ويرى فرصاً عديدة.
غابرييلا روبنر
ترجمة: صفية مسعود
حقوق الطبع: قنطرة 2009
تعمل غابرييلا روبنر منذ خمسة وعشرين عاماً في قطاع النشر. وكانت تعمل مديرةً للتوزيع والنشر لدى دور نشر مختلفة، كما عملت مديرة تنفيذية للرابطة الألمانية "فوندرايزينغ". منذ عام 2008 تدير روبنر دار نشر "كونست + رايزه" (الفن والسفر) في باد هومبورغ. وقد نُظمت ورشة العمل "تدريب الناشرين" التي قادتها روبنر من 8 إلى 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 في أبو ظبي.
قنطرة
دور النشر الأدبية في القاهرة:
بوابات ثقافية على الطريقة المصرية
ضمن إطار برنامج للتبادل الثقافي بين مصر وألمانيا تمت دعوة صاحب دار نشر أدبية ألمانية، الناشر أكسل فون إيرنست إلى القاهرة، من أجل تبادل الآراء والخبرات مع زملائه المصريين حول المشهد الأدبي هناك. وفي هذا التقرير حول رحلته إلى مصر يصف فون إيرنست انطباعاته.
معرض القاهرة للكتاب 2008
شيخوخة ثقافية تحكمها الكتب الدينية
يعد معرض القاهرة الدولي للكتاب أضخم معارض الكتاب عربياً وأعرقها وهو يحظى بإقبال جماهيري، بلغ في إحدى السنوات خمسة ملايين زائر، بالإضافة إلى الحضور الإعلامي المميز. سمير جريس قام بجولة في أروقة المعرض الذي يحتفل هذا العام بمرور أربعين عاماً على انطلاقته.
حوار مع كريم ناجي الرئيس التنفيذي لمشروع "كلمة":
أبوظبي تحي حركة الترجمة في العالم العربي
تم الاعلان خلال المعرض الدولي للكتاب بفرانكفورت عن مشروع طموح للترجمة يحمل إسم "كلمة"، تهدف من خلاله هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث احياء حركة الترجمة في العالم العربي. التقى محمد مسعاد بكريم ناجي الرئيس التنفيذي للمشروع فكان الحوار التالي.