"التصورات التقليدية عن الشرق تزعجني جدا"
تمكن ظافر يوسف من احتلال مكانة في المشهد الموسيقي الأوربي، وأصبح معترفا به كعازف عود لدى إدارات الحفلات المختلفة وشركات الموسيقى إلى جانب أنور إبراهيم وربيع أبو خليل. ولكن من جهة أخرى تؤدي مكانته هذه، الواقعة ما بين ثقافتين والتي أصبحت تزعجه جدا، إلى تصورات تقليدية. تقرير رالف دومبروفسكي.
"يزعجني إلى حد لا يستهان به، أنه كثيرًا ما يُنظر إليّ باعتباري سفيرًا للشرق، وطبّاخ كسكس. فأنا أرتدي سراويل الجينز تمامًا كالآخرين وعندما أسافر، لا أمتطي ظهر البعير، إنما أركب في الطائرة. لكن بعض الأوساط لا تتفهّم هذا الشيء بسهولة.
إنه في الواقع لنموذج طاعن في القدم. فكلما كانت معرفتي ضئيلة عن شخص ما، سأكون متشككًا أكثر وقابلاً لأن أكون متحيّزًا لأي من التحيّزات. ولن يتغيّر ذلك تغيّرًا تامًا، إلاّ عندما لا يعد ينظر إلى العرب على أنهم عرب ولا إلى الأوروبيين على أنهم أوروبيون".
التحمس للموسيقى
ولا ندري، إن كان ظافر يوسف سيشهد هذا التغيير. وعلى أي حال يكتفي ظافر يوسف حتى الآن بتحديات الواقع:
"كانت طفولتي جنونية. وكنت أريد دائمًا شيئًا آخر. أنا تونسي، وقد زرت الكتاب، وغنيّت أغان إسلامية. لكني كنت أريد شيئًا آخر. وكنت أستمع للمذياع سرا، مثل الكثيرين. وكانت هذه هي الإمكانية الوحيدة لبناء علاقة مع العالم الخارجي. وهناك سجّلت الموسيقى من دون تمييز، بسذاجة ومن دون أن أعلم إن كانت هذه الموسيقى هي جاز أو بلوز أو كلاسيكية.
وقد تحمّست لبعضها دون الآخر. وفيما بعد كان لا بد لي من أن أحدد، أن هذه الموسيقى كانت في العادة موسيقى الجاز".
لقد اتضح بسرعة، أن ظافر يوسف - مع ما له من مطالب في الحرية والحياة - لم يكن سيلاقي السعادة في مدينته التونسية المرتبطة بالتراث. وهكذا قرر أن يغادر تونس.
وصل إلى النمسا كموسيقي فقير قام بتعليم نفسه بنفسه؛ وكانت النمسا هي البلد الوحيد الذي استقبله من دون شكليّات تأشيرة السفر المعقدة. ومن ثم عاش ردحًا من الزمن في كل من مدينة غراتس وفينّا، ثم في برشلونة وبرلين ونيويورك والمغرب ودكّار، ومن ثم عاد إلى النمسا. وقد كانت حجرته في البيت الجماعي متكونة من مقعد وسرير وعوده، أي أنه كان يستطيع فك خيامه والرحيل بين ليلة وضحاها.
"ملك" الألبوم الأول
وبعد النجاح الأول الذي حقق بألبومه الأول "مَلَك"، رحل متشردًا في عالم الفنادق، إلى أن وجد قبل ثلاث سنوات إبان زواجه مسكنه في حي باربيس في باريس.
ومنذ ذلك أخذت أحواله تتحسّن على الدوام. كما تحولت علاقته التي كانت سطحية بعازف التروبو السرديني باول فريزو مثلاً إلى صداقة وطيدة، تجسدت فيما بين في مشاريع مختلفة مثل الثنائي أو الثلاثي مع عازف القيثارة النرويجي آيفيند آرسيت.
وعلى العموم اكتشف ظافر يوسف قربه للتصورات الموسيقية لدى الموسيقيين الاسكندنافيين، تمامًا مثلما يثير اهتمامه ويسحره عالم الإيقاعات الهندية. ورزنامته مليئة بالمواعيد التي تمتد من ظهوره ضيفًا مع أوري كاين Uri Caine وجون هازسل John Hassell، عبر جولة مع عازف البيانو الكوبي عمر سوسا Omar Sosa في أيار/مايو المقبل، والحفلات التي ستقام في جنوب أفريقيا، إلى العمل مع فرقته الرباعية الخاصة، المتكونة من شبّان وسط موسيقى الجاز الالكترونية Electro-Jazz-Frickler النرويجيين.
لا يعبّر تنوع الدوافع والهويات عن برنامج، إنما يعتبر كخاصية مفهومة في ذاتها، تطابق طبيعة ظافر يوسف:
"أعيش في باريس، وأحيانًا في فينّا أيضًا. لكن وطني على وجه التحديد يقع في كل أوروبا. ويغلب عليّ الشعور بالمنفى عندما أفكر في تونس، على ما هي عليها حاليًا. أو عندما أفكر في بوش. وشيء كهذا يرتبط بمنفًى فكري أو حقيقي، يتحتم على المرء دخوله".
صدى التراث
المواطن العالمي كهدف ووظيفة يومية، وظافر يوسف يعرف تدرجات الأحكام ويعي، أنه لا يستطيع مع كل الحريات سحب نفسه من العلاقته بالوطن الأصلي. فمثلما ترتبط العولمة والأقليمية بنفس عملية التطور، كذلك يرتبط النظر إلى البعيد والتجذر في التاريخ الخاص ارتباطًا وطيدًا:
"إنه لشعور غريب؛ قبل الـ١١ من أيلول/سبتمبر لم أكن أنظر لنفسي على أني عربي قط، إنما كموسيقي عالمي، يستطيع التحدث إلى الناس من خلال الموسيقى. هذا لم يتغير جذريا. رغم ذلك صرت أصغي أكثر من ذي قبل لصدى التراث، الذي يشكل ماضيَّ".
بقلم رالف دومبروفسكي
حقوق الطبع قنطرة 2005 ©
ترجمة رائد الباش
قنطرة
عوالم الموسيقى
الموسيقى بوتقة يمتزج فيها الشرق والغرب والشمال والجنوب والحاضر والماضي. في الملف التالي نتناول تأثير السياسة والعولمة على الإبداع الموسيقي كما نقدم تجارب موسيقية من بلاد عربية وإفريقية وأوربية.
www
ظافر يوسف