معوقات اقتصادية وإشكاليات ثقافية

يلعب الأدب العربي دورا هامشيا في سوق الكتاب الألماني. فبالرغم من الاهتمام الكبير الذي حظي به الأدب العربي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 قل اهتمام القارئ الألماني به في السنوات التالية لذلك وهو ما يرجع لأسباب متعلقة بألمانيا وبالعالم العربي على حد سواء. كيرستن كنيب تكشف في هذا المقال الصعوبات التي يواجهها التبادل الثقافي بين ألمانيا والعالم العربي.

لا يكف سوق الكتاب الألماني عن الشكوى من سوء الأحوال ولكن دون وجه حق، حيث إن مبيعات الكتب لم تشهد في السنوات الماضية إلا ازديادا مستمرا. وفي المقابل تجد الأعمال العربية نفسها أمام منافسة شرسة فازت بها في عام 2007 الولايات المتحدة الأمريكية التي كان لها نصيب الأسد من الترجمات، حيث بلغ عدد الأعمال المترجمة من أمريكا الشمالية 1800 كتاب. واحتل الأدب الإنجليزي المرتبة الثانية في سباق الكتب المترجمة بعد أن سجل 1400 عمل مترجم، في مقابل 480 عملا مترجما من الأدب الفرنسي الذي جاء في المرتبة الثالثة و171 عملا مترجما من الأدب الإيطالي الذي جاء في المرتبة الرابعة. أما حركة الترجمة من الأدب العربي فلم تأت إحصاءات سوق الكتاب الألماني على ذكرها بالاسم، إذ تندرج تحت "أدب اللغات الأخرى" الذي تُرجم منها مجتمعة 540 كتابا.

وبشكل عام تأتي الترجمات من اللغة العربية في ذيل قائمة الأعمال التي يتم نقلها إلى الألمانية، حيث تحظى لغات أخرى بالنصيب الأكبر من الترجمات ومنها الصينية واليابانية والروسية والإسبانية والبرتغالية والبولندية والتشيكية والكتلانية والعبرية إلى جانب اللغات المذكورة أعلاه.

حركة الترجمة من الألمانية إلى العربية

وفي المقابل تشهد حركة الترجمة من الألمانية إلى العربية وضعا مشابها، إذ يظل عدد الكتب المترجمة من الألمانية إلى لغة الضاد ضئيلا، في حين تتصدر البولندية اللغات التي تُنقل إليها الأعمال الألمانية. وتندرج اللغة العربية في هذا القائمة أيضا تحت مصطلح "سائر اللغات" التي يبلغ معدل الترجمة منها إلى الألمانية ما يقرب من 37 في المائة.

ويكشف عدد الأعمال الألمانية الممنوحة حقوقها لجهات خارج ألمانيا حقيقة مؤلمة عما آل إليه وضع التبادل الثقافي العربي الألماني ، ففي عام 2003 بلغ عدد الترجمات من اللغة العربية إلى الألمانية 70 كتابا، ثم 44 كتابا في عام 2004 و28 كتابا في عام 2005 ثم 38 كتابا في عام 2006 و37 كتابا في عام 2007. وهنا يأتي السؤال عن مدلول هذه الأرقام والذي قد يُجيب عنه بعض الساخرين بالقول بأن أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 كانت عاملا مروجا لشراء الأعمال الأدبية العربية وأن هذا الرواج زال بزوال الحدث.

البحث عن نجوم الأدب العربي

ولكن هناك أسباب أخرى وراء ضعف حركة الترجمة من اللغة العربية من بينها عدم معرفة أغلبية الألمان بالأدب العربي وقلة الكُتاب العرب المعروفين في ألمانيا والذين ينحسرون بشكل عام في نجيب محفوظ و طاهر بن جلون وآسيا جبار وياسمينا خضرا وأمين معلوف ومحمود درويش ومؤخرا أيضا علاء الأسواني، ولا عجب في أن شهرة معظم هؤلاء في الأوساط الألمانية ترجع إلى كتابتهم باللغة الفرنسية وليس العربية.

ويضيف الناشر عبد الرحمن علاوي الذي يعمل في مدينة كولونيا الألمانية إلى أسباب ندرة الترجمات سببا آخر وهو "انتشار الأحكام المسبقة عن الثقافة العربية والإسلامية وعناوين الأخبار المثيرة التي تدور عن التطرف الإسلامي والإرهاب وغياب الديمقراطية وحرية الرأي ووضع المرأة في المجتمع وهو ما أدى إلى انحسار الترجمات على عدد من الأعمال التي تقوم على مثل هذه الصور النمطية والأحكام المسبقة إلى جانب بعض الترجمات القليلة التي رأت النور على أيدي مترجمين متحمسين أو وكالات نشطة."

الصعوبات التي يواجهها سوق الأدب العربي

وترجع جذور بعض معوقات حركة الترجمة إلى العالم العربي نفسه، إذ لا يتمتع سوى قليل من الناشرين العرب بعلاقات دولية، كما لا تخضع معظم الكتب العربية للتنقيح، ما يعني مزيدا من العمل للمترجم. ويشير علاوي أيضا إلى أن الكاتب غالبا ما يكون هو صاحب حقوق الطبع والنشر في العالم العربي وهو الوحيد الذي يحق له التصرف في عمله الأدبي "مما يفقد الناشر العربي الحافز المادي لطرح الأعمال الأدبية في السوق العالمي ويحول دون قيام تعاون بين الناشرين العرب والألمان."

وعن التساؤل حول نوعية الكتب التي يتم ترجمتها من العربية إلى الألمانية يجيب بيتر ريبكن الذي تولى في عام 2004 رعاية العالم العربي كضيف شرف لمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب قائلا إن ما يُُترجم عادة هو ما يُطابق فكرتنا عن العالم العربي، فما أسهل ترجمة الكتب التي تقوم على الأحكام المسبقة وهو ما يُفسر كثرة الأعمال المترجمة التي تتناول "مواضيع لها علاقة بالمرأة" أو "التطرف الإسلامي".

الكتب العربية موجودة ولكنها ليست الأكثر رواجا

وتعمل "شركة دعم أدب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية" على التصدي لهذا الوضع المزري، إذ تمتلك برنامجا لدعم الترجمة تم من خلاله ترجمة 137 كتابا عربيا منذ عام 1984، من بينها 90 ترجمة من اللغة العربية والباقي من اللغة الفرنسية التي يكتب بها العديد من كتاب المغرب العربي.

ومن المبادرات التي تسعى لنشر الأدب العربي في العالم مبادرة "الجائزة الدولية للرواية العربية" والتي يقول عنها المترجم هارتموت فيندريش عضو لجنة التحكيم بها: "ليس الهدف من هذه الجائزة (حسبما ترى لجنة التحكيم) هو تكريم أفضل عمل روائي عربي في كل عام وإنما منحه الدعاية التي لا يحظى بها الأدب العربي عادة في الغرب..."، فالهدف من الجائزة كما يقول رئيس المنظمة جوناثان تايلور هو باختصار "تحويل رواية جيدة إلى واحدة من أكثر الروايات رواجا ومبيعا إذ يستحيل تحقيق العكس. ولكننا مازلنا بعيدين كل البعد عن تحقيق هذا الهدف."إن العائق اللغوي وسوء أحوال سوق الكتاب العربي إلى جانب ضعف اهتمام القارئ الألماني بالأدب العربي مقارنة بغيره من الأدب من العوامل التي تزيد من صعوبة وضع الأدب العربي في سوق الكتاب الألماني.

كيرستن كنيب
ترجمة: سارة هاشم
مراجعة: هشام العدم
حققو النشر: قنطرة 2010

قنطرة

حالة صناعة النشر في العالم العربي:
أزمة نشر ومعضلة بشر
ينبغي على عديد من الناشرين في جميع أنحاء العالم العربي تقريباً أن يمارسوا عملهم دون وجود شبكة توزيع. فكيف تصل كتبهم إذن إلى القراء؟ للبحث عن حلول مشتركة اجتمع عدد من الناشرين العرب في ورشة عمل في أبو ظبي. غابرييلا روبنر قادت ورشة العمل هذه وتطلعنا على أهم ما دار فيها.

حوار مع ياسر حارب:
"التبادل الثقافي إكسير الحضارة الإنسانية"
يري ياسر حارب، نائب المدير التنفيذي لقطاع الثقافة في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، أن التواصل الثقافي يلعب دورا محوريا في التقريب بين الشعوب والثقافات بصورة عامة، وتوثيق العلاقات بين العالمين العربي والغربي بصورة خاصة. لؤي المدهون حاور ياسر حارب في فرانكفورت حول آفاق وأهداف مشاريع مؤسسة آل مكتوم الثقافية الطموحة.

دور الترجمة في حوار الحضارات:
الترجمة بوابة للتسامح وجسر للتعريف بالآخر
تعد الترجمة الخيط الناظم الذي يربط بين المجتمعات ويدعم نسيج الحضارة الإنسانية والجسر الذي يربط الشعوب المتباينة المتباعدة ويقربها. وانطلاقا من هذا الدور استضافت جامعة النجاح الفلسطينية وبمشاركة ألمانية مؤخرا مؤتمرا دوليا بعنوان "دور الترجمة في حوار الحضارات". مهند حامد يطلعنا على أهم جوانب هذا المؤتمر.