تحالف مع الشيطان!

باكستان مطالبة بأن تتبوأ دور الحصن المنيع للولايات المتحدة في الحرب المشتعلة ضد الإرهاب. لكن تحقيق ذلك المطلب يبدو أمرا صعبا في ظل السياسة التي ينتهجها مشرف تجاه التيارات الإسلامية. تحليل بيرنارد إيمهاسلي.

يردد الكثيرون في العاصمة الباكستانية إسلام أباد بعد الغزو الأمريكي للعراق مقولة حافلة بالسخرية فحواها أن الولايات المتحدة وقعت هناك ضحية لسوء المعلومات الجغرافية لدى رئيسها بوش. ألم يقرر جورج بوش إقصاء الديكتاتور صدام حسين من الحكم لأنه كان يملك أسلحة الدمار الشامل ويدمر بنيان الديموقراطية ويهدد جيرانه ويسمح لخلايا "القاعدة" بالعمل داخل أراضيه ويقدم الدعم للأصوليين الإسلامويين؟ لكن في حقيقة الأمر هناك دولة وحيدة تنطبق عليها كل هذه المعايير، وهي لا العراق نفسه بل دولة تقع أبعد منه في اتجاه الشرق تسمى باكستان.

لسوء الحظ كانت هذه الدولة ربما الحليف الأكبر أهمية لواشنطن في حربها ضد الإرهاب المشبع بصبغة إسلاموية. كانت الولايات المتحدة قد عمدت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول إلى المخاطرة من خلال سلوك خط كان في حينه الخيار الممكن الوحيد في هذا السياق على ضوء معطيات الواقع السياسي حينذاك.

فقد جعلت دولة منقسمة على نفسها إلى حد درامي أي باكستان محورا لاستراتيجيتها المتعلقة بالحرب ضد الإرهاب. لكنه اتضح بعد مرور خمسة أعوام على مرحلة الانعطاف التاريخي الذي كرسته أحداث عام 2001 خطأ هذا التوجه المتخذ حيال باكستان.

تزوير الانتخابات الرئاسية

يومها تبجح رئيس باكستان بيرفيس مشرف بالحديث عن وجود "ديموقراطية حقيقية" في بلاده. لكنه سرعان ما عمد بعد ذلك بعام واحد فقط إلى تنصيب نفسه رئيسا لمدة خمس سنوات أخرى في انتخابات دلت المؤشرات على أنها كانت مزورة.

ظل مشرف يعد بتكريس أعمدة "إسلام معتدل" وتدمير التيار الإسلاموي المتطرف. لكنه عقد بعد ذلك ببرهة قصيرة اتفاقا حافلا بالمكر والدهاء مع أعمدة هذا التيار ولخدمة كلا الطرفين. فقد عدّل بنود الدستور معتمدا على دعم ناله من حزب م. م. أ. الإسلاموي ليصبح بإمكانه البقاء رئيسا للدولة وقائدا أعلى للجيش في آن واحد.

مارس مشرف هذا النمط من "الديموقراطية المسيّرة" على مرأى من الولايات المتحدة التي عمدت بعد ذلك بعام واحد فقط إلى شن الحرب على العراق تحت شعار نشر ديموقراطية "حقيقية" فيه.

هنا يطرح السؤال نفسه عما إذا كان مشرف قد أوفى على الأقل بجزء من الوعود المعطاة منه وعلى وجه التحديد فيما يتعلق بالقضاء على هياكل "القاعدة" وطالبان وبنيتهما التحتية داخل باكستان نفسها. لكن الملاحظ بعد انقضاء خمسة أعوام على أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول أن السياسيين الباكستانيين الثلاثة المتمتعين بأكبر مقدار من الشعبية ما زالوا يقيمون في المنفى فيما يتبوأ حزب م. م. أ. الإسلاموي سلطة الحكم في إقليمين حدوديين واقعين بجوار أفغانستان ولهما أهمية استراتيجية.

مشكلة مدارس القرآن

أما وعود مشرف المتعلقة بإحداث إصلاحات على مدارس القرآن وطرق تسجيلها رسميا فتكاد أن تكون محض حبر على ورق. سبب ذلك أن الإقليم الواقع في شمال غرب البلاد حيث تتواجد معظم مدارس القرآن المعهودة إليها مهمة تدريب المقاتلين باسم الله سواء انضووا في صفوف الجهاديين أو طالبان، يخضع لحكم حزب م. م. أ. الإسلاموي.

وقد بلغ توغل أفراد طالبان في أفغانستان درجة كبيرة للغاية مما استدعى إعطاء الأمر بنقل قوات محاربة الإرهاب المنضوية تحت القيادة الأمريكية من جنوب أفغانستان إلى حدودها المشتركة مع باكستان. الجدير بالذكر أن جيل مقاتلي طالبان الجديد هو من الأسباب الهامة لتواصل حالة زعزعة استقرار أفغانستان رغم انقضاء خمسة أعوام على تحريرها من قبضة طالبان.

تجنيد مقاتلي طالبان في مدارس القرآن

اتضح بأن مشرف يتصرف كما لو شاء "تربيع الدائرة" وذلك من خلال محاولته الرامية إلى تدمير قوات الجهاديين العاملين في الخفاء من جهة وتحالفه من جهة أخرى مع حزب م. م. أ. الإسلاموي. هذا وقد تبين بأن كل العمليات الإرهابية المروعة التي نفذت أو خطط لها منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في كل من مدريد ولندن وبالي ولندن مرة أخرى وبومباي ودلهي قد تم ترتيبها والإعداد لها في باكستان.

أهم أقطاب حزب م. م. أ. الإسلاموي يدعى فضل الرحمن وهو يسيطر على عدد كبير من مدارس القرآن في الإقليم الواقع في شمال غرب باكستان، وكان قد صرح لأجهزة الإعلام الأجنبية ومشاعر الفخر تحدوه في عام 2001 بأن المدارس المذكورة تهدف إلى تدريب قوات طالبان الأفغانية.

رغم أن فضل الرحمن يعمد إلى إدانة مشرف في البرلمان ويصمه بالرئيس "الديكتاتوري"، إلا أنه ساهم حتى الآن في تقوية دعائم مركزه وحكمه. لهذا فإن مشرف لم يجرؤ حرصا على مركزه ونفوذه على التصدي بحزم لهذه المنظمة المتهمة بممارسة الأعمال الإرهابية مع أنها أعلنت عن نيتها في محاربته وكادت أن تقضي على حياته في محاولتي اغتيال قامت بهما.

في الإقليم الواقع في شمال غرب باكستان الذي يحكمه حزب م. م. أ. الإسلاموي ما زالت معسكرات تدريب منظمات تحرير كشمير قائمة على قدم وساق علما بأن المنظمات المذكورة كانت على صلة بمن اتهموا بتمويل خطط الاغتيال التي وقعت في لندن.

هذا الالتزام بقضية كشمير هو سبب آخر لتواصل بقاء خلايا إرهابية في باكستان. ومع أن العداء التقليدي القائم بين باكستان والهند قد انفرج تحت ضغط وقائع الإرهاب العالمي ليتحول إلى مقدار كبير من الاستعداد لتكريس السلام من قبل طرفي النزاع، إلا أن ثمار التقدم التي قطفت حتى الآن جاءت أدنى من أن تكون قادرة على دفع مشرف إلى اتخاذ خطوات جريئة مثل حل شبكة المقاومة الكشميرية. من ناحية أخرى يستبعد أن يوافق الجيش على قرار حل تلك المنظمات.

الهياكل الراديكلية

طالما ظل الجيش متمسكا بنهج التبرير السياسي للمقاومة المسلحة ضد الهند فإنه سيكون بوسع "القاعدة" أيضا إيجاد ثغرات لعملياتها هناك وستتعذر إمكانية التفرقة على نحو واضح بين مقاتلي الجهاد ذوي النيات الحميدة وبين غيرهم من ذوي النيات السيئة.

وقد ورد مؤخرا في أجهزة الإعلام بأن معسكرات تدريب مقاتلي كشمير ما زالت قائمة في الإقليم الواقع في شمال غرب لبلاد. صحيح أن المساعدات المالية المسددة لهم قد توقفت، لكن الكادر الإسلاموي ما زال يرابط في قواعده هناك.

يبقى في هذا السياق سؤال يطرح نفسه هو: هل أدى ضم نظام مشرف العسكري إلى الائتلاف الموجه ضد الإرهاب خدمة لأهداف هذا الائتلاف أم ألحق به على عكس ذلك أضرارا؟ الجواب : محصلة الضم ليست إيجابية ولا سلبية.

صحيح أن التحالف المعقود مع مشرف نجح في احتواء تواصل انزلاق دولة باكستان الممتلكة للأسلحة النووية نحو المزيد من تصدع الاستقرار وخلق تحالف فيها يضم كلا جنرالات الجيش ورجال الدين. لكن السعر الذي أدي لقاء تحقيق هذا الهدف كان مرتفعا، حيث ما زالت الهياكل الإسلاموية الراديكالية قائمة سواء على شكل مقاتلي طالبان الأفغان أو كادر المقاومة المحلي نفسه.

بيرنارد إيمهاسلي
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2006

برنهارد إيمهاسلي صحفي ألماني مختص بشؤون جنوب آسيا.