صوت الأدب يشجو بالحب والسلام بين حضارات المتوسط

في دورته الثامنة شهد مهرجان "صوت المتوسط" تطورا ملحوظا ليتحول إلى تظاهرة أدبية كبرى تظهر إمكانية التوافق والتعايش بين شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط. كتبه صالح دياب

بين 23 و31 من شهر يوليو/تموز، جرت في بلدة لوديف الواقعة في جنوب فرنسا فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان "صوت المتوسط" الشعري الذي شارك فيه شعراء ومغنون وحكاؤون ينتمون إلى كافة بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط.

وقد تحول هذا المهرجان من ناحية عدد الشعراء المدعوين(90 شاعرا) والمساهمين إلى إحدى أكبر التظاهرات الأدبية ليس في فرنسا فحسب بل في كافة بلدان حوض المتوسط.

ميلاد الفكرة

فكرة إقامة مهرجان لشعراء المتوسط جاءت بها السيدة ماييته فاليس بليد أثناء توليها إدارة متحف لوديف، مختارة النشاط الثقافي كعامل تفعيل للنشاط الاقتصادي والاجتماعي للبلدة، والمناطق المجاورة.

وإن لم يكن للمهرجان أي هدف سياسي معلن إلا أنه يمثل في الإطار العريض إحدى التجليات الثقافية للحوار الأوروبي مع البلدان المتوسطية غير الأوروبية، كما يعد هذا المهرجان من جهة أخرى كحلقة من حلقات السعي إلى تكتل ثقافي شعري يتجاوز المتوسط، من هنا يمكن فهم توسعه بدعوة شعراء من دول الخليج العربي وإيران.

وإذا كانت منطقة البحر الأبيض المتوسط تغص بالنزاعات والحروب والصراعات السياسية ويقبع أغلبها تحت نير الأنظمة الدكتاتورية والمستبدة فإن الحضور الأدبي لشعراء متوسطيين ينتمون إلى هذه البلدان هو محاولة ناجحة وخطوة إلى ما هو ممكن بالنسبة للحوار مابين هذه البلدان من جهة والبلدان الأوروبية المتوسطية من جهة أخرى.

هذه البلدان التي ظلت لفترة طويلة تعمل على الماضي الأدبي لهذه الدول، بسبب ضعف الحضور الثقافي المعاصر للدول المتوسطية غير الأوروبية.

قيم ثقافثة مشتركة بين ثقافات المتوسط المختلفة

صوت المتوسط يسمح بالإطلالة ولفت الأنظار إلى ما هو مشترك عند المتوسطيين من الأوروبيين والمشارقة. فالفكرة المتوسطية لا ينظر إليها هنا من الجانب الاقتصادي فحسب بل تتعداه إلى ضرورة الحوار عبر الثقافة وهو ما يجب أن يطرح للتقارب بين شعوب المتوسط التي تنتمي إلى ثقافات مختلفة.

لا أحد يفرض ثقافته على أحد، بل الجميع مقتنع باجتراح أفق ثقافي متوسطي يطل على الثقافة الإنسانية، فليست هناك ثقافة واحدة في المتوسط بل ثقافات مختلفة لشعوب متعددة. كما أنه لا توجد هوية واحدة بل هويات متعددة لحضارات مختلفة.

اهتمامات ثقافية ومصالح اقتصادية

نجاح الفكرة المتوسطية يعتمد بالأساس على عدم التوقف عند العامل الاقتصادي بل تعديه الى الشأن الاجتماعي والثقافي وشؤون العمل إلخ.

فلا تعود دول المتوسط سوقا تجاريا كبيرا تطمح الدول الصناعية الكبرى بأن تصرف بضاعتها فيه، أو ينظر إليه سياحيا بوصفه سماء زرقاء وشمسا وأشجار الزيتون بل ينفتح على أبعد من ذلك، على رموز ثقافية أخرى أعمق.

إذا كان الشعر موضوعا لا يدفع للحماس من قبل الذين يستمعون إليه أو يقرؤونه فإن ما يدور حول الشعر من لقاءات وحوارات وتجمعات وتعقيبات وردود فعل يمكن أن تكون أمورا مشجعة.

فكل عام يحضر شعراء من بلدان قد تكون فيما بينها نزاعات وصراعات وحروب و يقرؤون قصائدهم تحت سقف واحد هو "صوت المتوسط"كما هو الحال بين الدول العربية وإسرائيل، إذ مرت المشاركة العربية في مراحل متعددة .

تطور ملحوظ في مشاركة الأدباء العرب

فلو راجعنا أرشيف المهرجان نجد أنه في دورته الأولى لم يكن أحد من الشعراء العرب يجرؤ على المشاركة من الدول العربية، نتيجة لمشاركة شعراء من إسرائيل، ما أدى إلى الاعتماد في تمثيل بعض الدول العربية المتوسطية على شعراء عرب يقيمون في أوروبا، لا يعودون إلى بلدانهم الأصلية.

لم يشارك أحد من الداخل خوفا من ردود الفعل العنيفة التي قد تؤدي إلى عزلهم اجتماعيا وثقافيا وماديا ومحاسبتهم قانونيا من قبل الحكومات والقونيين والإسلاميين العرب الذين ينادون بعدم التطبيع مع إسرائيل، ويعتبرون مجرد المشاركة في مهرجانات تحضرها إسرائيل هو تنازل وخطوة لإقامة علاقات ثقافية معها.

ففي دورة عام 2000 مثلا تجمع الشعراء العرب خارج مبنى البلدية ورفضوا مجرد الاستماع إلى كلمة الترحيب بالشعراء الضيوف،التي ألقاها رئيس البلدية ظنا منهم أن الشاعر الإسرائيلي ناتان زاخ موجود داخل القاعة، بينما لم يكن زاخ قد وصل الى لوديف بعد.

في الدورات اللاحقة بدأ الشعراء العرب يشاركون رويدا رويدا، إلا أنهم ظلوا محافظين على حذرهم بالابتعاد عن الشعراء الإسرائيليين، خصوصا شعراء بلدان المشرق العربي، وعدم الكلام معهم،لا بل تجنبهم في الطرقات أحيانا "خوفا على وظائفهم وعلاقاتهم في بلدانهم" كما كانوا يصرحون وليس" ضد السلام".

أما في دورة عام 2003 فقد قام بعضهم بجمع تواقيع للتضامن مع الشعب الفلسطيني.إلا أنه يمكن تسجيل جرأة ورغبة بالسلام بمشاركة شعراء وشاعرات ينتمون إلى مختلف الأجيال والتيارات الشعرية من دول عربية لم تقم معاهدت سلام مع إسرائيل، مثل سوريا ولبنان ودول الخليج، ولم يكن لهذا الأمر ليكون سابقا.

ثمار ثماني دورات للمهرجان

يمكن القول،الآن، بعد ثماني دورات من عمرالمهرجان إن كبار الشعراء العرب قد مروا فيه، و يتوج الحضور الشعري العربي في دورة هذا العام بمشاركة الشاعر أدونيس الذي يعتبر أكبر شاعر عربي حي، بوصفه أدونيس الشاعر الذي ينتمي إلى الثقافة العربية وليس إلى هذا البلد أو ذاك، بناء على رغبته.

قرأ الشعراء قصائدهم بلغاتهم الأصلية ورافقتهم الترجمات التي قرأها شاعر أو ممثل أو فنان.إذ تتجاور وتتداخل وتتوحد في شوارع لوديف وحدائقها وزواياها لغات دول بعضها هو في حالة نزاع وصراع كاليونان وتركياوإسرائيل وفلسطين فضلا عن دول البلقان: كوسوفو ومقدونيا والبوسنة وكرواتيا.

المهرجان الذي يعتمد في تنظيمه على شبكة كبيرة من المتطوعين نساء وشبابا يعملون مجانا في سبيل إنجاح المهرجان واستضافة الشعراء في بيوتهم وتقديم صورة جديدة للمتوسطيين من البلدان الأخرى، هي صورة التضامن والمحبة.

"صوت المتوسط"مهرجان يحاول أن يلم شمل المتوسطيين عبر الشعر الذي يمزج دواخل الشعوب المتوسطية. إنه درب صغير يحاول أن يتوسع بدقة وخطة واضحتين ليضم شعراء من دول مشرقية غير متوسطية ويجمع الهويات الثقافية المتعددة لشعوب حوض البحر الأبيض المتوسط ثم يسكبها جميعا في بوتقة الشعر.

فيه نكتشف أن هذه الهويات متداخلة وغير منفصلة. إنها هويات يوحدها الشعر عبر المحبة والسلgالسلام.

بقلم صالح دياب
حقوق الطبع قنطرة

قنطرة

مهرجان لوديف المتوسطي
مهرجان صوت المتوسط الذي يقام كل عام في بلدة لوديف في جنوب فرنسا ويشارك فيه شعراء ينتمون إلى حوض البحر الأبيض المتوسط استضاف هذا العام شعراء من مختلف الدول العربية ومن إسرائيل. تقرير صالح دياب عن الحوار الشعري العربي الإسرائيلي المتوسطي

إلتباس خلاّق
يبدو أن هذا اللقاء وعلى ما يبدو الأكثر نخبوية مما سبقه قد أثبت بأنه أكثرهم عطاء. التحرر من القوالب الكلاسيكية، والاستفادة من الشعر العربي كمنبع لاستلهام قوة مضادة لشعر ما بعد الحداثة: هكذا يمكن تلخيص توقعات الطرفين الألماني والعربي. تقرير شتيفان فايدنر أحد النقاد الألمان الذين شاركوا في اللقاء

الفن الإسلامي في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط
غلاف إحدى الإصدارات الحديثة لمشروع متحف بلا حدود تسعى مبادرة "متحف بلا حدود" من خلال مشاريعها غير الإعتيادية للوصول إلى شكل جديد من تذوق الفن. على سبيل المثال من خلال مجلدات فنية تتناول الفن الإسلامي في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. تقرير بيترا تابيلينغ.