مأوى وملاذ آمن في دمشق

يمتد تاريخ الديانة المسيحية في العراق حتى القرن الأوَّل الميلادي. ولكن بعد الغزو الأمريكي للعراق في ربيع عام 2003، اضطر الكثير من المسيحيين إلى ترك وطنهم واللجوء إلى سوريا. شتيفن شتار يلقي الضوء من دمشق على وضع اللاجئين العراقيين المسيحيين هناك.

أصبحت الديانة المسيحية في العراق مهدَّدة بخطر الانقراض. وقبل اندلاع الحرب الأمريكية على العراق، كان يعيش في بلاد الرافدين نحو ثمانمائة وثمانين ألف مسيحي كلداني وأكثر من نصف مليون مسيحي ينتمون إلى طوائف مسيحية أخرى في ظل ظروف مستقرة نسبيًا. ولأنَّهم كانوا يعملون أطباء أو مهندسين، فقد كانوا يحظون بمكانة اجتماعية مرموقة، طالما أنَّهم لم يكونوا يوجِّهون أي انتقادات إلى نظام الرئيس الراحل صدام حسين. والآن من المفترض أنَّ عددهم قد انخفض إلى النصف.

ومع ذلك، هناك رجل يشجِّع المسيحيين الآن على البقاء، رغم أنَّه قدَّم وما يزال يقدِّم يد العون والمساعدة لآلاف من اللاجئين العراقيين في سوريا؛ وهذا الرجل هو الأب فريد بطرس، كاهن الكنيسة الكلدانية في دمشق. ويقول الأب فريد بطرس في منزله الكائن في منطقة باب توما في مدينة دمشق، إنَّ اللاجئين المسيحيين العراقيين يجدون في سوريا ما يحتاجونه من مساعدة.

تشجيع المسيحيين على البقاء

ويضيف أنَّ هناك "أكثر من ألفي أسرة في دمشق تتلقَّى منا المساعدة. ومعظم هذه الأسر من مناطق تقع في ضواحي مدينة دمشق، مثل منطقة جرمانا والسيدة زينب وماسكن برزة". والأب فريد الذي يعدّ أصله من مدينة المالكية التي تقع في شمال شرق سوريا وتتبع محافظة الحسكة، يعمل منذ ثمانية عشر شهرًا في خدمة الكنيسة في دمشق، بعد أن كان يعمل قبل ذلك في مدينة حلب في شمال سوريا.

ويقول الأب فريد: "في كلِّ يوم سبت نشتري من الصيدليات أدوية ومستلزمات طبية أخرى. ولدينا كذلك مركز للحاسوب يستطيع فيه اللاجئون التواصل مع ذويهم، لأنَّ أفراد أسر اللاجئين كثيرًا ما ابتعدوا بطبيعة الحال في أثناء هربهم عن بعضهم بعضًا ولأنَّ ذويهم يعيشون الآن مشتتَّين في جميع أنحاء أوروبا وأمريكيا الشمالية. وبالنسبة لهم يعتبر توفر الحاسوب واستخدام الإنترنت أمرًَا مهمًا جدًا".

أخبرنا الأب فريد بذلك بعد عودته من قدَّاس أقامه منذ قليل في قرية صيدنايا المسيحية المشهورة، التي تقع على بعد ثلاثين كيلومترًا عن مدينة دمشق، وثم أضاف: "قمنا بتنظيم مجموعة من برامج المساعدة لصالح اللاجئين العراقيين في سوريا. وفي عام 2009 عمل لدينا عشرون طبيبًا. وهنا في باب توما يوجد لدينا مركز اجتماعي وكذلك مركز طبِّي يقدِّمان المساعدات الإنسانية والطبية للأشخاص القادمين من العراق. ونحن نساعد أيضًا الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة".

وبالإضافة إلى ذلك يجب علينا أن لا ننسى أيضًا أنَّ الأب فريد يقوم وبالتعاون مع الكنيسة الكلدانية برعاية مشروع لمساعدة أرامل الحرب العراقية في دمشق. ويقول الأب فريد: "لا توجد أي إحصاءات عن عدد الأشخاص الذين يغادرون العراق من أجل السفر إلى الغرب. وببساطة نحن لا نعرف ذلك بالضبط".

الكنيسة الكلدانية في العراق

دخلت الديانة المسيحية إلى العراق في القرن الأوَّل الميلادي على يد القدِّيس توما. وكامتداد للكنيسة الكاثوليكية نشأت الطائفة الكلدانية في البدء في منطقة ما بين النهرين، أي بين نهري دجلة والفرات، فيما يعرف في يومنا هذا باسم العراق. وقد استقلَّت الطائفة الكلدانية بعد أن وقع خلاف بينها وبين الكنيسة الكاثوليكية في عام 1551 نتيجة نزاع دار على خلافة منصب البطريركية.

ويقول الأب فريد إنَّ "الطائفة الكلدانية تعتبر من أهم وأقدم الطوائف المسيحية على الإطلاق. كما أنَّها مشهورة جدًا في العراق، ففي هذا البلد كانت بدايتنا". ويضيف أنَّ سبعين في المائة من المسيحيين الموجودين في العراق يعتبرون من الكلدانيين. وفي بداية عام 2006 اختلَّ التوازن الاجتماعي الهش في العراق وكذلك البنية الطائفية بشكل دائم، وبعد ذلك تدهورت الأوضاع في البلاد في عامي 2006 و2007 نتيجة لسلسلة من الانفجارات والهجمات التي أوصلت العراق إلى شفا حرب أهلية.

وعلى الرغم من أنَّ الحكومة العراقية وعدت بحماية الأقلية المسيحية في البلاد، لكن مع ذلك تواصل خطف العديد من زعماء الكنيسة الكلدانية في العراق وقتلهم. ومدينة الموصل التي كانت في السابق تزدهر بالسكَّان المسيحيين، أصبحت تغرق الآن في العنف والفوضى. وفي التاسع والعشرين من شهر شباط/فبراير 2008 تم اختطاف المطران بولص فرج رحو بعد انتهائه من إقامة الصلاة في مدينة الموصل. وبعد اختطافه بأسبوعين، أي في الثالث عشر من شهر آذار/مارس، تم العثور على جثَّته في مقبرة قريبة من الموصل. وفي شهر حزيران/يونيو من عام 2007 تم اغتيال سكرتيرته، الأب رغيد كنّي وثلاثة شمامسة. وهذه الهجمات كانت تستهدف بوضوح الطائفة المسيحية.

وربَّما تكون عملية تدمير التنوّع العرقي في بلاد الرافدين من أسوأ النتائج التي نجمت عن الحرب على العراق. وفي آخر مسح سكَّاني رسمي تم إجراؤه في عام 1987، بلغ عدد المسيحيين الذين كانوا يعيشون في العراق مليون وربع المليون مسيحي. ولكن الآن لم يعد يوجد في العراق مثل هذا العدد من المسيحيين، إذ انخفض عددهم إلى نحو خمسمائة وخمسين ألف أو ثمانمائة ألف مسيحي، حسب وكالة أسوشيتد برس للأنباء، التي اعتمدت على معلومات أخذتها من تقرير صدر في عام 2008 عن وزارة الخارجية الأمريكية حول الحرية الدينية في جميع أنحاء العالم. ومن المحتمل أن يكون هذا العدد قد انخفض أكثر منذ ذلك الحين. ويقول الأب فريد في دمشق، بعد هذه الهجمات التي تعرَّض لها المسيحيون، عبَّر الكثير من القادة المسلمين في العراق عن تضامنهم مع الطوائف المسيحية ووعدوا بتقديم المساعدة.

المساواة في التعامل مع المسيحيين والمسلمين

ويقول الأب فريد: "نحن نساعد المسلمين أيضًا. وفي هذا الصدد لا نميِّز بين أحد. وبطبيعة الحال أكثر الذين يطلبون المساعدة في مركزنا هم من المسيحيين، ولكن كان لدينا هنا أيضًا الكثير من المسلمين. وأنا أنظر إلى ذلك على أنَّه واجبي الشخصي. ولا أميِّز بين المحتاجين؛ فجميعهم بحاجة إلى المساعدة، وواجبنا أن نساعد الجميع من دون تمييز. وهذا هو إيماني".

وتقدِّم الكنيسة الكلدانية في دمشق إلى نحو خمسمائة طفل وشاب في أيام الأحد دروس دينية، تعتبر مرغوبة جدًا لدى المسيحيين في سوريا. ويقول الأب فريد: "نحن نريد الحفاظ على المذهب الكلداني وعلى أسلوب الوعظ الخاص بنا. ولذلك أقوم بتنظيم الدروس الدينية لهؤلاء الأطفال. ولدينا ثلاثون معلمًا يقومون بذلك".

ولكن كيف أصبح الأب فريد يهتم باللاجئين العراقيين الذين يأتون عبر الحدود بمئات الآلاف؟ لا يوجد جواب أوضوح مما قاله الأب فريد: "أنا طبعًا كاهن الكنيسة. ومن واجبي الاهتمام بهم. كما أنَّ ذلك يعتبر بالنسبة لي واجبًا روحيًا. وبصراحة، لدي شعور بأنَّ الناس لا يهتمون كثيرًا باللاجئين، وخاصة باللاجئين المسيحيين ".

هجرة المسيحيين الجماعية

ثم يبدأ الأب فريد الحديث حول شيء يقلقه كثيرًا؛ أي حول تراجع أعداد المسيحيين في العراق وسوريا وفي جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط بشكل مستمر. ويقول: "أعتقد أنَّه يجب علينا أن نبقى هنا في هذه الأقطار - في سوريا والعراق ولبنان وفي الأراضي المقدَّسة. فهذه البلاد هي مهد الديانة المسيحية، ويجب علينا أن نكون شهودًا على ذلك، وعلينا أن نمكِّن ديننا من البقاء".

بيد أنَّ الكثيرين يريدون الرحيل. ومعظم اللاجئين الهاربين من العراق - وليسوا فقط من المسيحيين، يرغبون في الهجرة من الشرق الأوسط والاستقرار في واحدة من الدول الغربية. وفي العام الماضي ذكرت المفوضية السامية للأمم المتَّحدة لشؤون اللاجئين في دمشق، أنَّ ألفًا ومائة وتسعة وسبعين شخصًا فقط سجَّلوا أنفسهم في برنامج العودة الطوعية الذي بدأ في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2008. ومن الواضح أنَّ الناس لا يشعرون أنَّ العراق بلد آمن يريدون العودة إليه. وطبقًا لمعلومات مكتب الأمم المتَّحدة في دمشق، تعتبر نسبة المسيحيين مرتفعة جدًا بين اللاجئين العراقيين في سوريا.

فعلى الأرجح أنَّ النزاعات السياسية سوف تبقى تشكِّل تحديًا كبيرًا بالنسبة لأمن العراق واستقراره. وحتى إذا عاد البعض إلى العراق، فلن يعود إلاَّ القليل ممن تركوا البلاد بسبب استمرار أعمال العنف، مثلما يعتقد الأب فريد: "لا يوجد هنا كهنة عراقيون. وفي العام الماضي وصل إلينا بعض الكهنة وثم استمروا في طريقهم. فهم ينتظرون الحصول على تأشيرات سفرهم ويسافرون فورما يستطيعون ذلك. وفي الحقيقة هذا أمر محزن".

شتيفن شتار
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010

قنطرة

الاتحاد الأوروبي واللاجئون العراقيون:
أسطورة "العودة الاختيارية"
قرر وزراء داخلية دول الاتحاد الأوربي مؤخراً استقبال عشرة آلاف لاجئ عراقي يعيشون في سوريا والأردن ويتعرضون إلى المخاطر، غير أن منظمات حقوق الإنسان تنتقد تفضيل اللاجئين العراقيين المسيحيين على غيرهم. أنيا زعرب تستعرض هذه الاقتراحات والوضع الإنساني للاجئين العراقيين في دول المهجر.

اللاجئون العراقيون يثقلون كاهل سورية:
أعباء على الإقتصاد والبنية التحتية
يُثقل تدفق اللاجئين العراقيين على سورية قطاعي التربية والصحة ويدفع بأسعار البيوت إلى الأعلى ويخشى البعض أن تؤدي الحرب الأهلية الدائرة في العراق إلى توترات بين اللاجئين العراقيين في سورية. بقلم فيكتور كوخر

اللاجئون العراقيون في السويد:
اللجوء هربًا من التهجير والعنف
تعليم السويدية للاجئين العراقيين في زودرتيليه تعدّ مدينة سودرتيليه الصغيرة الواقعة جنوب غرب العاصمة ستوكهولم مركزًا للاجئين العراقيين، وقد صار يطلق عليها اسم "بغداد الصغيرة". بيترا تابيلينغ أعدَّت هذا التقرير من هناك.