توجهات انتخابية من دون برامج سياسية
يريد هني كريفت، رئيس الحزب الإسلامي الهولندي (NMP)، أن يوضِّح أمرًا مهما بقوله: "نحن لا نسعى إلى تحويل هولندا إلى جمهورية إسلامية". وكان الحزب قد أعلن في بداية شهر آب/أغسطس الماضي أنَّه يريد خوض الانتخابات الهولندية البلدية والبرلمانية القادمة. ومنذ ذلك الحين يقضي كريفت الكثير من الوقت في توضيح مواقف حزبه وإزالة المخاوف المتعلقة بهذا الحزب الإسلامي أوساط الناخبين الهولنديين. والحزب الإسلامي الهولندي الذي تأسَّس في عام 2007 لديه فرصة بالفوز في الانتخابات؛ وبما أنَّ النسبة المحدَّدة في هولندا لدخول البرلمان لا تبلغ إلاَّ 0,66 في المائة من أصوات الناخبين، فمن الممكن أن تكون هذه النسبة كافية لدخوله البرلمان مع وجود مليون مسلم في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكَّانه ستة عشر مليون نسمة.
وفي ألمانيا كان يوجد أيضا حزب إسلامي، تم تسجيله في العام 1998. ولكن مَنْ يتَّصل برقم هاتف هذا الحزب المسجَّل في مدينة ميونخ يأتيه هذا الرد: "رقم الهاتف المطلوب غير مستعمل". وفي العام 2002 قام مدير الانتخابات الاتِّحادية بإلغاء هذا الحزب من القائمة، وذلك لأنَّه لم يشارك في أي دورة انتخابية ولم يؤدِّي واجبه الإعلامي.
غياب قاعدة بيانات شاملة
ويعد المسلمون في ألمانيا ناخبين محتملين لا يجوز إهمالهم، وخاصة عندما تكون المشاركة في الانتخابات قليلة للغاية، مثلما حدث في انتخابات عام 2005. غير أنه من الصعب تحديد أعداد الناخبين المسلمين في ألمانيا. ومع ذلك خلص "مؤتمر الإسلام" الذي يقام برعاية وزير الداخلية الألماني، فولفغانغ شويبله (من الحزب المسيحي الديمقراطي CDU) في نهاية شهر حزيران/يونيو في دراسة تم إجراؤها بعد الكثير من البحث والتدقيق، إلى أنَّ عدد المسلمين الإجمالي في ألمانيا يتراوح بين ثلاثة ملايين وثمانمائة ألف وبين أربعة ملايين وثلاثمائة ألف مسلم؛ ومن بينهم مليون وثمانمائة وأربعون ألف مسلم يحملون الجنسية الألمانية. في حين يقدِّر مكتب الإحصاءات الاتِّحادي عدد المسلمين الذين يحقّ لهم الإدلاء بأصواتهم بنحو سبعمائة وخمسين ألف مسلم.
وربما يكون الشخص الذي يعرف عددهم بشكل أكثر دقة هو سالم عبد الله، مدير معهد الأرشيف الإسلامي المركزي في مدينة زوست الألمانية. ويعد هذا المعهد أقدم معهد إسلامي في ألمانيا، كما أنَّه يصدر بشكل دوري دراسة بعنوان "معلومات وحقائق جديدة عن الحياة الإسلامية في ألمانيا". ويقول سالم عبد الله إنَّ عدد الذين يتم استطلاع آرائهم يبلغ ألفًا وخمسمائة شخص. وبدورهم يعتمد الخبراء في مكتب الإحصاءات الاتِّحادي في مدينة فيسبادن فيما يتعلَّق بتوجهات الناخبين المسلمين على معلومات معهد الأرشيف الإسلامي، وكذلك لا توجد لدى وزارة الداخلية الألمانية معلومات موثوق بها أكثر من المعلومات التي يصدرها هذا المعهد.
والدراسة التي صدرت عن المعهد في عام 2009 ولم يتم نشرها حتى الآن والتي تتوفَّر أجزاء منها في صحيفة فرانكفورتر روندشاو، تقدِّر عدد المسلمين الذين يحق لهم الاقتراع بمليون ومائة ألف ناخب مسلم - أي نحو 1.7 في المائة من مجموع الناخبين، كما تعطي هذه الدراسة الجديدة صورة عن توجهات الناخبين المسلمين.
تردد أصوات المسلمين الألمان
ومن جهته، سينظر مرشَّح الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني SPD، فرانك فالتر شتاينماير إلى هذا الاستطلاع بمشاعر مختلطة؛ فعلى الرغم من أنَّ هذا الحزب يحظى بنسبة 35.5 في المائة مجموع الناخبين المسلمين وذلك في المركز الأول - إلاَّ أنَّ نسبة المسلمين الذين كانوا يريدون التصويت له قبل عامين كانت تبلغ 52 في المائة. وكان الحزب قد خسر قبل كلِّ شيء أصوات الممتنعين عن الاقتراع - ففي عام 2007 كانت نسبة الذين ذكروا أنَّهم لن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع 3.7 في المائة، أما الآن فتبلغ نسبتهم 16 في المائة. وهناك 20 في المائة ممن لم يحسموا أمرهم حتى الآن.
وإذا كانت وزيرة العدل بريغيته تسيبريس Brigitte Zypries (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي) تطالب الآن بفرض قانون يُجيز الجنسية المزدوجة، فإنَّ الهدف من طلبها هذا هو دعم حزبها في حملته الانتخابية. ولكن في المقابل ستزداد نسبة فوز الخضر 3.6 في المائة بين المسلمين من أصحاب حق الاقتراع، حيث يقدر أنهم سيحصلون على 18 في المائة من مجموع هذه الأصوات. ولعل ذلك يعود بشكل واضح إلى جيم أوزدمير Cem-Özdemir، رئيس حزب الخضر وأول رئيس حزب في ألمانيا من أصول إسلامية، مثلما أظهرت دراسة المعهد المذكور. وأما اليساريون والحزب الديمقراطي الحرّ FDP فسيفشلون في الوصول إلى الناخبين المسلمين بسبب حاجز الخمسة في المائة - وهذا الشيء نفسه ينطبق أيضًا على الاتِّحاد المسيحي الذي سيخرج من الانتخابات بنتيجة أربعة في المائة، وفق دراسة معهد الأرشيف الإسلامي.
جاذبية الحزب المسيحي الديمقراطي للمسلمين المحافظين
ويناضل بولنت أرسلان Bülent Arslan من المنتدى الألماني التركي التابع للحزب الديمقراطي المسيحي من أجل تحسين هذه الأرقام. وهو يعتقد أنَّه يمتلك القدرة على مخاطبة المسلمين من خلال قوله: "إنَّ حزبه يرمز إلى التصوّر المسيحي للإنسان، والذي يقوم على القيم الدينية الموجودة أيضًا في الإسلام". ولكن المشكلة تكمن على حدِّ قوله في سلوك الاتِّحاد المسيحي في الماضي، ويضيف: "لا يمكن للمرء كسب المسلمين كأصدقاء عندما يجعل منهم وباستمرار موضوع مشكلة".
وتوافق أرسلان في هذا الصدد حسرت كاراجوبان Hasret Karacuban المتحدثة باسم "المسلمين الخضر". وتقول إنَّ "سياسة الهجرة التي يتَّبعها الاتِّحاد المسيحي غير كافية ولا تتوافق مع التطلعات". ولذلك من المستبعد - حسب قولها - أنَّ يتمكن الاتِّحاد المسيحي من كسب أصوات الناخبين المسلمين، على الرغم من وجود الكثير من الناخبين من المسلمين المحافظين. ومن أجل جذبهم، لا بدّ من وجود استراتيجية منظمة. ولكن الاتِّحاد المسيحي، لا يملك مثل هذه الاستراتيجية، مثلما يقول أرسلان، عضو الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل، مضيفا: "هذه احدى النقاط التي أنتقدها في حزبي".
وأرسلان الذي يبلغ عمره أربعة وثلاثين عامًا حاول تمثيل الاتِّحاد المسيحي في دائرة انتخابية في عامي 2002 و2005، بيد أنَّه لم يتمكَّن من تمرير تصوراته داخل حزبه، حيث يقول: "هذا يظهر لي أنَّ الوقت لم يحن بعد. ويجب علينا في الحزب المسيحي الديمقراطي أن نحرس على ألاّ يفوتنا الوقت". وفي المقابل انفتح الحزب الاشتراكي الديمقراطي على المسلمين في فترة السبعينيات. وفي تلك الأيَّام كانت النقابات المهنية تشكِّل بالنسبة للكثيرين من العمال الأتراك جسرًا للحزب، ومن ذلك يستفيد أيضًا اليساريون. وأما الحزب الديمقراطي الحرّ فسيكسب أصوات رجال الأعمال المسلمين.
حزب خاص بالمسلمين في ألمانيا؟
إذن أَلا يحتاج المسلمون في ألمانيا حزبًا خاصًا بهم؟ في هذا السياق يقول بكير أطلس Bekir Altas الذي يعمل في الأمانة العامة لمنظمة ميلي غوروش: "المسلمون يشاركون في الحياة في ألمانيا وهم جزء من المجتمع، وبالتالي يجب عليهم أن يعملوا في الأحزاب الموجودة". وكذلك لا يجد المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا هذه الفكرة جيدة. وتقول نائبة رئيس المجلس، مريم بريغيته فايس: "من الممكن بطبيعة الحال أن نقلب الموازين السياسية، ولكن أعتقد أنَّ وجهة النظر هذه ضيقة للغاية" وتضيف أنَّ "تأسيس حزب إسلامي ليس أمرًا مرغوبًا فيه وليس معقولاً".
ومن ناحيته يؤمن هني كريفت أن الآمال بالاندماج هي مفتاح النجاح، ولكنَّه يقول إنَّ الوضع في هولندا مختلف: "كان تأسيس حزبنا كرد فعل على حزب غيرت فيلدرز المعادي للإسلام". وحزب فيلدرز اليميني ممثِّل بتسعة نوَّاب في البرلمان وهو يدعو إلى فرض حظر على هجرة المسلمين إلى هولندا. ولكن رئيس الحزب الإسلامي الهولندي ينصح المسلمين الألمان في حال عدم رضاهم عن مواقف الأحزاب الألمانية من قضاياهم بالقول: "إنَّ من حقِّكم الديمقراطي تشكيل حزب"، مؤكدا في الوقت ذاته "لكن عليكم البقاء في حدود الدستور".
موريتس باومشتيغر
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009
قنطرة
حوار مع أستاذ التربية الإسلامية بولنت أوجار:
"تخوف مسلمي ألمانيا من فرض إسلام رسمي"
يرى بولنت أوجار، أستاذ التربية الإسلامية في جامعة أوسنابروك، أنه ينبغي لدولة القانون الألمانية تجنب التدخل في عملية تطور "إسلام ألماني" وفرض رؤيتها عليه، بيد أنه يطالب في الوقت نفسه الجمعيات والمنظمات الإسلامية بأن تعيد النظر في بنيتها وهيكلتها الأساسية. إلباي جوفرجن حاور البروفيسور أوجار.
صورة الإسلام في ألمانيا:
"تطبيع التغطية الإعلامية ضرورة ملحة"
تثبت الكثير من الدراسات وعلى الرغم من تحقيق بعض التقدّم أنَّ صورة الإسلام التي تنقلها وسائل الإعلام الواسعة الانتشار مازالت تركز على الجوانب والمدلولات السلبية. الخلاف والاختلاف حول هذه الجوانب كان محور مؤتمر خاص عقد في برلين. لؤي المدهون يعرض أهم مجريات هذه النقاشات ومحاور هذا المؤتمر.
الجمعيات الإسلامية في ألمانيا:
المطالبة بمزيد من الديمقراطية والشفافية
يطالب أيمن أ. مزيك، رئيس تحرير موقع islam.de والمتحدث السابق باسم المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، بإعادة تشكيل بنية التنظيمات الإسلامية في ألمانيا حتى تتمكن من التعامل مع الحكومة والمجتمع الألمانيين.