إسطنبول... فسيفساء ثقافية وحاضنة حضارية

ثلاث مدن فازت هذا العام بلقب "عاصمة أوروبا الثقافية"، فإلى جانب مدينة إسن الألمانية هناك مدينة بيش المجرية وإسطنبول التركية، التي أطلقت برنامجا مليئا بالفعاليات الثقافية التي تشكل شاهدا على هذه المدينة وتاريخها. غير أن هذه النشاطات لم تخل من تهم الفساد وغياب الشفافية. غونتر زويفرت يسلط الضوء على هذه المناسبة الثقافية.

إنها فرصة كبيرة أن تصبح مدينة لعام كامل العاصمة الثقافية لأوروبا – غير أنها في الوقت ذاته عبء ثقيل. تكمن الفرصة في أن أوروبا كلها، بل العالم بأسره، يرنو إلى مدينة بعينها؛ أما العبء فيتجلى في التحديات الكبيرة التي تواجه المدينة خلال سعيها إلى تقديم صورة مشرفة لها. كيف تستطيع إسطنبول – العاصمة الاقتصادية والفنية والثقافية لتركيا – أن توازن بين الفرصة والتحدي، وأن تبرز نفسها في صورة براقة إلى جانب منطقة الرور الألمانية التي تمثلها مدينة إسن ومدينة بيش المجرية؟

"ليس هناك مدينة تثير الإلهام كإسطنبول"

ومن بين الأنشطة المميزة لفعاليات هذا العام ينوي المشرفون على برنامج "إسطنبول عاصمةً للثقافة الأوروبية 2010" أن ينتهوا من ترميم عديد من المعالم البيزنطية والعثمانية في المدينة، مثل "آية صوفيا" وقصر "توبكابي". وسيتم إنشاء حديقة أثرية وتجديد المعبد اليهودي القديم، كما ستُحول كنيسة أرمنية إلى مركز ثقافي. وسيشهد هذا العام افتتاح متحفين، الأول هو "متحف البراءة" المأخوذ عن عنوان رواية للكاتب التركي الحاصل على جائزة نوبل في الأدب أورهان باموك، ويلقي المتحف نظرةً على التاريخ الحديث لإسطنبول من خلال عيون المؤلف، أما المتحف الثاني فمخصص للفيلم التركي.

ولأول مرة تستعيد إسطنبول التركية المسلمة - على الأقل عبر المعارض – تاريخها البيزنطي واليوناني. وعندما ترقص راقصات الباليه على خلفية المساجد، وعندما يختار نجوم الغناء الأوبرالي قوارب الصيادين كخشبة مسرح، فإن الفن في إسطنبول يكون قد سار على طرق جديدة تماماً. قوس قزح فني متعدد الألوان: هكذا تريد إسطنبول أن تقدم نفسها كعاصمة للثقافة الأوروبية. أما الشعار فهو: ليس هناك مدينة في العالم تثير الإلهام مثل إسطنبول.

وينتقد سِرحان إدا، أستاذ التخطيط الثقافي بإحدى جامعات إسطنبول، البرنامج الثقافي الذي أعدته إسطنبول لهذه المناسبة. وكان سرحان أحد الذين شاركوا في مبادرة لترشيح إسطنبول كعاصمة للثقافة الأوروبية، ومن أجل هذا الغرض سافر ضمن وفد إلى بروكسل ليقوم بالدعاية من أجل مدينته التي يقطنها 12 مليون نسمة. غير أن مجرى الأمور بعد الفوز باللقب لم يعجبه، فاستقال من المبادرة. الأمر نفسه تراه أسو أكسوي من جامعة بيلغي التي تعتقد أن البرنامج الثقافي لم يجد حتى الآن صدى يُذكر بين سكان المدينة، "لأنه يفتقد ربط تلك الفعاليات بإسطنبول نفسها وبحياتها الثقافية. فما يقدم لا يعدو كونه قائمةً تضم مشروعات مختلفة، لا غير".

التعلم من الأخطاء

هي الفضائح التي خرجت إلى الملأ في الفترة الأخيرة في إسطنبول، ما جعل الكثيرين أن يتنصلوا من تلك المبادرة، وآخرهم القائمون على منظمتين من المنظمات غير الحكومية. وقد أثارت لغطاً كبيراً تهم الفساد وغياب الشفافية التي أثيرت حول المنظمين. وترى المديرة الثقافية ديريا كوسكون أن المشكلة أعمق من ذلك، فالفساد متغلغل في كل مكان في تركيا. "إنه مستنقع حقيقي، ليس له أي علاقة بالعاصمة الثقافية. الفساد في الإدارات الحكومية وفي الشركات الخاصة، وفي محطات التلفزيون. إذا أردت أن تكون ناجحاً فلا بد أن تعرف شخصاً هناك أو صديقاً لذلك الشخص".

ولكن، وبالرغم من كل الانتقادات فإن اختيار إسطنبول عاصمةً ثقافية لأوروبا عام 2010 أمر عظيم؛ فللمرة الأولى يتم اختيار مدينة ينفي كثيرون عنها كونها أوروبية. من ناحية أخرى فإن برنامج العام يسلط الضوء لأول مرة على ثقافة الأقليات الدينية في تركيا، مثل ثقافة اليونانيين واليهود والأرمن. ولأول مرة تبدو إسطنبول على هذا التنوع الثقافي الخلاب.

غونتر زويفرت
ترجمة: سمير جريس
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2010

قنطرة

اسطنبول عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2010:
الثقافة الأوروبية ضيف على مدينة المآذن وأبراج الكنائس
تفوَّقت مدينة إسطنبول بسهولة على المدينتين اللتين تجمعهما صداقة بها، مدينة بيكس الهنغارية ومدينة إسِّن الألمانية، وتم اختيارها لتكون عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2010 بفضل مساحتها الكبيرة وتاريخها العريق وحيويَّتها. غونتر زويفرت يلقي الضوء على فعاليات إسطنبول عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2010.

تركيا في طريقها إلى النادي الثقافي الأوروبي:
الهوس باسطنبول- مدينة الأصالة والمعاصرة
أضحت صورة تركيا المعاصرة تتسم بكثير من الجاذبية الاقتصادية، ما جعل الكثير من أصحاب المال والأعمال يأملون انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. هذا التحول الاقتصادي رافقه أيضا تحول في الحضور الثقافي لتركيا في أوروبا، حيث غدت قبلة للزائرين ومكانا للافتتان بحضارتها وثقافتها. كريستيانا شلوتسر تلقي مزيدا من الضوء على هذا الجانب.

فيلم "عبور الجسر – أصوات اسطنبول" لفاتح أكين:
"تركيا بحاجة إلى الهيب هوب"
في فيلمه الجديد "عبور الجسر – أصوات اسطنبول" يقوم المخرج الألماني-التركي فاتح أكين برحلة بحث عن معالم موسيقية في اسطنبول. فينشأ عن هذه الرحلة تكريماً مفعماً بالرقة للموسيقيين وللموسيقى النابضة والمتنوعة والمثيرة في هذه المدينة. تقرير بيترا تابلينغ.