مصالح مشتركة

في حين تعتبر الكنيسة الكاثوليكية زيارة البابا إلى تركيا فرصةً من أجل تحسين علاقتها مع المسلمين، تقوم الحكومة التركية باستخدام هذه المناسبة لتقديم البابا كشاهد مهمّ يثبت أن تركيا جزء من أوربا. تعليق بقلم عمر إرزيرين

البابا بينيدكت مع رئيس الوزراء التركي إردوغان، الصورة: أ ب
البابا بينيدكت مع رئيس الوزراء التركي إردوغان

​​في حين تعتبر الكنيسة الكاثوليكية زيارة البابا إلى تركيا فرصةً من أجل تحسين علاقتها المتضرّرة مع المسلمين، تقوم الحكومة التركية باستخدام هذه المناسبة لتقديم البابا كشاهد مهمّ يثبت أن تركيا جزء من أوربا. تعليق بقلم عمر إرزيرين

تكهّن الكثير من الإعلاميين أنّ زيارة البابا إلى تركيا لن تخفِّف من حدّة الأزمة ما بين حبر الكنيسة الكاثوليكية الأعظم وبين المسلمين؛ هذه الأزمة التي أُثيرت قبل حوالي ثلاثة أشهر بعيد المحاضرة التي ألقاها البابا في ريغنسبورغ.

توقّع البعض أن تشكل هذه الزيارة "خطرا كبيرا". إذ اقتبس البابا حينها في محاضرة عن إمبراطور بيزنطي قوله إنّ الإسلام عنيف ولا يعرف التسامح. لاقت المظاهرة المعادية للبابا والتي خرجت في إسطنبول قبيل هذه الزيارة وسار فيها حوالي عشرة آلاف تركي اهتمامًا كبيرًا لدى الصحافة العالمية.

كذلك كان الأتراك يماطلون في مسألة لقاء رئيس الوزراء التركي طيّب رجب أردوغان بالبابا؛ مما أثّر في زيادة شدّة الانطباع بأنّ تركيا تنتظر ضيفًا لم يُدع لزيارتها. أضف إلى ذلك أنّ الكاردينال راتسينغر كان قد أدلى بعدّة تصريحات - قبل انتخابه لمنصب البابوية - ضدّ دخول تركيا عضوة في الاتحاد الأوروبي. حيث كان يشار مرارًا وتكرارًا في تركيا أثناء انتخاب البابا إلى هذه التفاصيل في سيرة حياته.

مخاوف من دون داعٍ

ومع ذلك ظهر في أوّل يومين من زيارة البابا لتركيا أنّه لا داعٍ للمخاوف من أنّ البابا سوف يُستقبل في تركيا استقبالًا باردًا للغاية. فرئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان الذي سافر إلى ريغا لحضور قمة لحلف الناتو كان قد التقى في المطار بالضيف القادم من الفاتيكان؛ حيث تبادل الاثنان كلمات الترضية والتصالح.

لكن كذلك تحسّنت الأجواء بصورة نهائية وذلك عندما تحدّث أردوغان عن أنّ البابا يدعم تركيا في طريقها إلى الاتحاد الأوروبي. فبعد الضجة التي أُثيرت في ريغنسبورغ قام الفاتيكان على ما يبدو بتحضيرات شاملة حتّى تلقى هذه الزيارة صدًى إيجابيًا لدى المسلمين. تتابعت الإشارات التي تشير لذلك.

سجّل بنيديكتوس السادس عشر في سجل الزوّار أثناء زيارته لصرح كمال أتاتورك مؤسّس الجمهورية التركية هذا الاقتباس الذي أخذه عن أتاتورك: "سلام في الوطن - سلام في العالم". حتّى أنّ البابا تحدّث في مدينة إفسوس القديمة التي تقدّس فيها السيدة مريم العذراء بعتبارها أمّ السيد المسيح ببعض الكلمات التركية ولوّح بعلم تركي.

وقد اقتبس عن البابا يوحنا الثالث عشر، الذي كان يعمل في الفترة ما بين عامي 1935 و1944 سفيرًا باباويًا للفاتيكان في أنقرة، هذه الكلمات: "أنا أحبّ تركيا". وتصدّرت الأمور المشتركة ما بين الإسلام والمسيحية العظة التي ألقاها هناك. لا سيما وأنّ بيت مريم العذراء يعتبر أيضًا بالنسبة للمسلمين الذين يقدّسون العذراء بمثابة مزار يتوجّهون إليه.

صدى إعلامي إيجابي

لم يصدر عن زيارة البابا حتى الآن إلا عناوين إيجابية بخط عريض في الصحافة التركية. كتبت صحيفة حرّيت التركية الجماهيرية: "على عكس ما كان ينتظر في العالم الغربي بدأت زيارة البابا بأجواء ودية". كما اشتكت صحيفة حرّيت في موقعها على الانترنت من الافتراضات المنتشرة في العالم المسيحي والتي تفيد بأنّ البابا يعتبر في تركيا - حسبما يزعم - ضيفًا غير مرغوب.

فهكذا نشرت الصحيفة الكثر من رسائل القرّاء الإيجابية، التي ترحِّب بزيارة البابا. "يا لهذه البداية الجميلة: يعلن البابا للعالم من أنقرة أنّ الإسلام دين سلام"، حسبما ذكر في صحيفة حرّيت.

ورد في صحيفة ملّيت اليومية الليبرالية هذا العنوان: "البابا يدعو للحوار"؛ وتابعت الصحيفة: "كانت كلّ الهموم من دون أساس. بدأت زيارة البابا بداية جيدة. يشكّل الحوار ما بين الحضارات والأديان ضرورة ملحة من أجل الحياة، يتوقّف عليها مستقبلنا".

كانت زيارة البابا كالمخرز في العين فقط بالنسبة للصحف الصغيرة، مثل صحيفة وقت Vakit الإسلاموية اليمينية المتطرّفة. كذلك وجّهت وسائل الاعلام التركية انتقادات إلى حكومة بلادها. حيث لامت وسائل الاعلام التركية حكومتها على اتّخاذها موقفًا متحفّظًا منذ البداية. إنّ البقاء لفترة طويلة من دون أن تحدّد الحكومة إذا ما كان سيتم عقد لقاء ما بين البابا ورئيس الوزراء التركي لهو بمثابة خطإ سياسي كبير - حسب تعبير وسائل الإعلام.

تحسين صورة الأتراك

لكن أخيرًا ومنذ تصريحات رجب طيّب أردوغان التي تفيد بأنّ المظاهرات المعارضة للبابا كانت تتعلّق بـ"مجموعات هامشية" اتّضح أنّ الحكومة التركية سجّلت زيارة البابا كنصر حقّقته في سياستها الخارجية.

وكذلك بعد البلبلة والاحتجاجات الجماهيرية العارمة في البلدان الإسلامية التي انطلقت إثر محاضرة البابا في ريغنسبورغ اتّخذ الفاتيكان قرارًا حازمًا لإرسال إشارات إيجابية إلى العالم الإسلامي من خلال زيارة البابا إلى تركيا.

تطوّرت بعد فترة وجيزة هذه الزيارة التي تحمل شعار "المسيح هو سلامنا" إلى حدث، يجني منه الطرفان مكاسب سياسية. استغلّت الكنيسة الكاثوليكية الفرصة بغية تحسين علاقتها المتضرّرة مع المسلمين. في حين قامت الحكومة التركية باستخدام هذه الفرصة السياسية في تقديم البابا كشاهد مهمّ جدًا يثبت تبعية تركيا لأوروبا.

بقلم عمر إرزيرين
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

بطريركية إستانبول تكافح من أجل حقوقها
حقوق الأقليات المسيحية في تركيا لا تزال تنتهك والوضع صعب بالنسبة للبطريرك المسكوني الذي يعتبر الزعيم الروحي لجميع الأرثوذكس. القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان في أنقره بشأن المدارس الخاصة يعد تهديدا لكيان البطريركية. تقرير من إستانبول حول هذا الموضوع

نداء إلى الحوار بين العلم والإيمان
كلمة البابا التي ألقاها في مدينة ريغنسبورغ كانت تعتمد على رأي يجمع بين المسيحيين والمسلمين، ألا وهو أن العلوم الحديثة يجب أن تفسح شيئا من المجال أمام العقيدة. مقال بقلم إحسان مسعود

أخطاء البابا وأخطاء المسلمين
خطأ البابا خطأ متعدد الجوانب: خطأ في المضمون، في السياق، وفي الزمان، وفي المكان. وخطأ المسلمين في الرد على خطأ البابا خطأ مركب أيضا: خطأ في مضمون الرد، وفي الأسلوب، وفي رفع مستوى الرد، وثم عدم قبول الأسف البابوي، حسب رأي خالد حروب