مناسك الحج على الهواتف الذكية
تـَنبَّه الكثيرون من حجاج مكة المكرمة إلى سرعة انتشار الأخبار في وسائل الإعلام الجديدة مثل تويتر وفيسبوك، وميزتها الآنية في نقل انطباعاتهم ومشاهداتهم في الأراضي المقدسة، وأهميتها في تسهيل تعريفهم بمناسك الحج وفي ربط بعضهم مع بعض ومع أهلهم في بلدانهم الأصلية. وبدأت السلطات المحلية تستخدم تقنيات الإعلام الجديد في توجيه الحجاج وإرشادهم. وباتت شركات تأجير الشقق القريبة من المسجد الحرام تتزاحم في نشر إعلاناتها على صفحات تويتر وفيسبوك. وأضحى الإعلام الجديد فيما يبدو هو التوجه الجديد في تواصل ملايين الحجاج في أكبر تجمع ديني في العالم فيما بينهم البين ومع منظمي الحج ومع الناس في كل أصقاع الأرض
.
تويتر وطلب المسامحة من الآخرين
يستفيد أحد الحجاج المسلمين من سرعة انتشار رسائل تويتر على الإنترنت إلى أكبر عدد من المستخدمين، ويكتب من حسابه على تويتر رسالة قصيرة لا يتجاوز عدد حروفها مائة وأربعين حرفاً إلى أصدقائه ومعارفه المسجلين في تويتر طالباً منهم المسامحة إنْ كان قد أخطأ في حق أحدهم ويكتب: "إن شاء الله غداً أنا مغادر إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج وسامحونا إذا غلطنا بحق أحد أو زعل منا أحد". فهو يعلم أن المسلم لا يذهب إلى الحج فقط لأن الحج من أركان الإسلام الخمسة ولكن كي يطلب من الله مسامحته عن أية أفعال خاطئة صدرت منه بحق نفسه أو بحق الآخرين. وهو يعلم أنه لا يستطيع تحقيق ذلك قبل أن يسامحه الآخرون الذين أخطأ في حقهم. وهو يجد تويتر بالتأكيد وسيلة فعالة وسريعة وعملية للوصول إلى أشخاص لم يتمكن من الوصول إليهم شخصياً أو هاتفياً لطلب المسامحة منهم، أثناء زحمة تحضيره لحقائب السفر قبل انطلاقه إلى مكة.
لكن شبكات التواصل الاجتماعي لا ترافق الحجاج فقط أثناء استعدادهم للسفر إلى الحج ولكن أيضاً أثناء أدائهم لمناسك هذه الفريضة. فيستخدم بعض الحجاج فيسبوك للكتابة عن مشاعرهم أثناء الحج حيث كتب أحدهم في تويتر :"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسعد الله مساءكم بكل خير. أنا حاليا في مكة المكرمة، شرّفها الله، وقد اعتمرت في صباح اليوم. شيء لا يوصف". في حين يستخدم بعض الحجاج يوتيوب مثلاً لرفع فيديوهات تشتمل على أحداث طريفة عايشوها أثناء الحج: كأحد الفيديوهات تحت عنوان "أقصر رجل في العالم يذهب إلى الحج"، حيث تم تصوير الحاج القصير القامة في مكة المكرمة، وطوله لا يتجاوز متراً واحدأً. ويستخدم البعض الآخر الإعلام الجديد للتعبير عن آرائهم السياسية والاقتصادية فيما يتعلق بالحج، حيث كتب أحدهم على تويتر: "أعتقد أن مكة من اللازم أن تكون لكل المسلمين. وأن تكون عائدات الحج لكل الشعوب المسلمة وليس لبلد معين. برأيي يجب أن تذهب نقود الحج كلها إلى مشروعات لمساعدة الصومال".
الإعلام الجديد في خدمة علماء الدِّين ايضا
ومن جانبهم يستخدم علماء الدين وسائل الإعلام الجديدة كي يوجّهوا نصائح للحجاج، حيث كتب الشيخ عائض القرني عبر تويتر: "مَن سبق له الحج كثيراً فالأحسن أن يدفع أجر الحج لمن لم يستطع أن يحج". وقام أحد الحجاج من مسلمي أوروبا مثلاً بإنشاء صفحة باللغة الإنكليزية على فيسبوك يصف فيها لكل العالم أماكن تواجده مع بقية الحجاج عبر الصور والنصوص التي يرفعها من هاتفه الجوال إلى فيسبوك. ويذكر فيها كل محطة مقبلة من محطات الحج العديدة التي تفصلها بضعة كيلومترات عن بعضها البعض، وأين مكان المبيت ومتى على الحجاج تحضير أنفسهم للذهاب إلى المحطة المقبلة، وأماكن وجود المواصلات المخصصة لذلك. وهي معلومات مجانية يرغب في مشاركتها مع غيره من الحجاج كي يستفيد منها الجميع أثناء رحلتهم بين المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة. وهي في رأيه معلومات مجانية قد يستغني الحاج من خلالها عن دفع مبالغ مالية إضافية لمرشدي الحج.
تطبيقات آي فون خاصة بالحُجاج
وحتى شركة آبل ومن خلال موقعها على الإنترنت آي-فون إسلام تحاول تزويد الحجاج والمعتمرين تحت شعار "هناك برامج لكل شيء" بتطبيقات الهاتف الذكي آي فون وآي باد وهي خاصة بالحج. وهي برامج مجانية ومتاحة على الإنترنت. وأحد هذه التطبيقات يحتوي علي أدعية وأذكار تقال في الحج، كما أن هناك تطبيقات وبلغات متعددة تحتوي على موسوعات ضخمة من الدروس الدينية المتمثلة بملفات صوتية وكتب إلكترونية مجانية تشرح مناسك الحج، وتحتوي على فتاوى تهم الحجاج وتطبيقات تعرض رحلة الحج على شكل صور. ويستطيع الحاج عبر هاتفه الذكي إرسال أجزاء من هذه المعلومات جزء منه بالإيميل أو على فيسبوك.
وشكرَ أحدُ الحجاج القائمين على هذه التطبيقات معلقاً على هذا الموقع الإلكتروني: "تطبيقات الحج اشتملت على معلومات قد يغفل عنها البعض. كل الشكر للقائمين على تطوير هذا الموقع. ولكم نصيب من الدعاء في حجتي لهذا العام إن شاء الله". ومن هذه التطبيقات ما لا يحتاج لأن يكون هاتف الحاج موصولاً دائماً بالإنترنت. غير أن من هذه التطبيقات ما لا يعمل إلا إذا كان هاتف الحاج موصولاً بالإنترنت. لذا تتنافس شركات الاتصالات المحلية في موسم الحج في تقديم خدمة الاتصالات والإنترنت للحجاج على هواتفهم الذكية وتعلن بأنها جميع الاتصالات هي وفق التسعيرة المحلية وتنوّه في إعلاناتها إلى إمكانية حصول زبائنها من الحجاج على أعلى درجات السرعة في مجال الإنترنت ونقل البيانات.
الإعلام الجديد وحقوق الإنسان
كتب أحد سكان مكة المحليين على تويتر:" أنا ابن مكة. وأرى في الحج فرصة ليتعرف شعوب الأرض فيما بينهم". فالحجاج هم مسلمون من كل الجنسيات ويتحدثون كل اللغات ومن مختلف المذاهب الإسلامية. ومنهم مجموعة من الحجاج البريطانيين والكنديين والأمريكان الذين كان معهم إمام كندي من أصل عراقي اسمه أسامة العطار، وهو بالمناسبة باحث في الكيمياء الحيوية. وقد انتشرت أخباره في كل وسائل الإعلام الجديد في اليوتيوب وتويتر وفيسبوك، ناهيك عن الإعلام التقليدي كالتلفزيون وخاصة في وسائل الإعلام الغربية: حيث تم اعتقاله مؤخراً بعد صلاة الفجر في المدينة المنورة، وهو من مذهب ديني مخالف للمذهب الديني المنتشر في السعودية. ووفق المنظمة الإسلامية لحقوق الإنسان فإن سبب اعتقاله قد يكون قراءته لبعض الأدعية في مقبرة البقيع حيث مقابر بعض أقرباء رسول الإسلام. وهو أمر لا يتفق مع المذهب المحلي في السعودية. لكن وبحكم جنسيته الكندية فقد أعلنت الحكومة الكندية حمايته وتم الإفراج عنه بعد أيام من اعتقاله. ولا شك من أن الإعلام بما فيه الإعلام الجديد لعب دوراً في سرعة انتقال أخباره وسرعة الإفراج عنه ليكمل مسيرة حجه.
ورغم ما قد تساهم فيه وسائل الإعلام الجديد من كشف فوري لما قد يكون انتهاكاً لحقوق الإنسان من قبل السلطات أثناء الحج، غير أن الجهات الحكومية السعودية أطلقت عبر وزارة الثقافة والإعلام خدمة جديدة لمساعدة الحجاج، وبدأت الخدمة منذ أول أيام الحج. وتهدف الخدمة إلى الاستفادة من التقنية الحديثة باستخدام الحجاج لشبكات التواصل الاجتماعي في المشاعر المقدسة. وهي توفر معلومات وإرشادات يحتاج إليها الحاج، وإجابات على الأسئلة والاستفسارات المتعلقة بالحج بشكل تفاعلي ومباشر، وذلك من خلال التواصل مع الحجاج عبرالصفحات الإلكترونية الخاصة بالخدمة بالبريد الإلكتروني وعلى صفحات فيسبوك وتويتر تحت اسم i.haj أو "مساعد الحاج الإلكتروني".
علي المخلافي
مراجعة: منصف السليمي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011