"ذر مودي للرماد في عيون" الحجاج المسلمين الهنود
يعتبر الحجُّ إلى مكة واحدًا من أركان الإسلام الخمسة. إذ إنَّ كلَّ مسلم قادر على تحمُّل أعباء الحجّ يعدُّ مطالبًا - مثلما يأمر القرآن - بالحجّ إلى مكة مرة واحدة في حياته. وتقليديًا يأتي القسم الأكبر من الحجَّاج إلى مكة من منطقة جنوب آسيا ذات الأعداد الكبيرة من السكَّان المسلمين، حيث احتلت كلٌّ من باكستان والهند وبنغلادش في السنوات الأخيرة المراتب الأعلى في قائمة جنسيات الحجَّاج. في الهند -حيث يشكِّل المسلمون البالغ عددهم نحو مائة وثمانين مليون نسمة أكبر أقلية دينية في البلاد- أعلنت الحكومة التي يقودها القوميون الهندوس عن تغييرات واسعة النطاق في سياسة الحجّ مع بداية عام 2018. "منذ الآن لن تكون هناك أية إعانات (حكومية) من أجل الحجِّ"، مثلما أعلن مختار عباس نقفي، الوزير الهندي لشؤون الأقليَّات في نيودلهي. تهدف هذه الخطوة - مثلما قال الوزير - إلى "تمكين الأقليَّات من دون سياسة الاسترضاء". إنَّ استخدام مصطلح "الاسترضاء" جاء بمثابة تهجُّم على حزب المؤتمر المعارض، الذي يتَّهمه مرارًا وتكرارًا حزبُ بهاراتيا جاناتا (BJP) بزعامة رئيس الوزراء نارندرا مودي بالتودُّد للأقلية المسلمة الكبيرة، وحتى بالسعي خلفها، لأسباب انتخابية تكتيكية. رسالة وزير حزب بهاراتيا جاناتا واضحة، ومفادها أنَّ "التودُّد" للمسلمين قد انتهى الآن. زيادة حصة الحجَّاج الهنود
قبل فترة قصيرة من الإعلان عن وقف الإعانات للحجّ، قام وزير شؤون الأقليات الدينية الهندي مختار عباس نقفي بالتوقيع مع وزير الحجِّ السعودي محمد صالح بن طاهر بنتن على الاتِّفاقية السنوية لتحديد حصة الهند من الحجَّاج إلى مكة. وحول ذلك قال الوزير من نيودلهي بسرور: "في العام الماضي رفعت السعودية حصة الهند من الحجَّاج بخمسة وثلاثين ألفًا، وفي هذا العام بخمسة آلاف أخرى - لتصل الآن إلى مائة وخمسة وسبعين ألفًا". يبيِّن تفسير الوزير الهندي مختار عباس نقفي لهذه الزيادة أنَّ تحديد عدد الحجَّاج لا يتعلق فقط بالدين والتمثيل النسبي - بقوله: "لقد ساعدتنا شعبية رئيس الوزراء ناريندرا مودي لدى السلطات السعودية على تحقيق هذه الزيادة". تعتبر الحكومة المركزية الهندية هي المسؤولة عن التفاوض مع المملكة العربية السعودية على جميع القضايا المتعلقة بالحجّ. ومن أجل هذا الغرض توجد لديها سفارة مجهَّزة تجهيزاً جيدًا بطاقم من الموظفين في جدة. أمَّا إدارة الحجّ فتقع على عاتق لجنة الحجّ الهندية (HCI). وهذه المنظمة، التي تأسَّست في عام 2002، تخضع لوزير الأقليَّات وتوجد لها فروع في جميع ولايات الهند ذات المساحة الشاسعة. وتماشيًا مع النموذج السعودي، الذي يُقسِّم أعداد الحجَّاج دوليًا بحسب نظام المحاصصة، فإنَّ لجنة الحجّ الهندية تعمل على المستوى الوطني: يعتمد توزيع الحصة الوطنية الهندية على الولايات بحسب نسبة السكَّان المسلمين فيها. يعتمد تحديد الحصص الإقليمية لكلِّ ولاية هندية على التعداد السكَّاني الأخير. وبحسب إحصاء عام 2011، يوجد في الهند مائة واثنان وسبعون مليون مسلم: الولايات الهندية ذات الأعداد الأكبر من السكَّان المسلمين هي أوتار براديش، تليها ولاية البنغال الغربية وولايتي بيهار وماهاراشترا. وتبعًا لذلك فإنَّ معظم الحجَّاج المسلمين يأتون من هذه الولايات. بلغت حصة ولاية أوتار براديش وحدها لعام 2018 سبعةً وعشرين ألفًا وستمائة واثنين وثمانين شخصًا. كذلك نشرت لجنة الحجّ الهندية في قاعدة بياناتها معلومات حول تقديم طلبات الحجّ: وبحسب هذه المعلومات فقد تقدَّم أكثر من ثلاثمائة وخمسة وخمسين ألف هندي بطلبات إلى لجنة الحجّ لعام 2018. ونظرًا إلى تحديد حصة الهند بمائة وخمسة وسبعين ألف حاجّ، فإنَّ نصف المتقدِّمين بطلبات الحجّ فقط سيتمكَّنون من أداء فريضة الحجّ لهذا العام. تلعب لجان الحجّ دورًا مهمًا في الحياة الدينية لدى أقلية المسلمين في الهند. ومع ذلك من الممكن وصف هذه الهيئة كنوع من وكالة للسفر بمهمة دينية. وبالإضافة إلى تنظيم حجوزات الطيران وتقديم الخدمات اللوجستية ميدانيًا (بالتعاون مع الجهات السعودية)، تقوم هذه اللجنة بتنظيم دورات توجيهية وتضمن تلقي جميع الحجَّاج اللقاحات الضرورية قبل صعودهم على متن الطائرة. الرجوع إلى القرآن
في إلغاء إعانة الحجّ المعلن عنه تستند الحكومة الهندية إلى حكم أصدرته المحكمة العليا في عام 2012 وينصُّ على إلغاء هذه الإعانات خلال عشرة أعوام. وفي حكمهم هذا استند القضاة إلى القرآن، الذي يفرض الحجّ فقط على مَنْ استطاع إليه سبيلًا. ويشير قرار المحكمة العليا إلى أنَّ الأموال التي يتم توفيرها من خلال إلغاء إعانات الحجّ، يجب استخدامها من أجل برامج تعليمية لصالح الأقلية المسلمة المحرومة اجتماعيًا. ومن المثير للاهتمام أنَّ ردود الفعل على إعلان إلغاء إعانات الحجّ الحكومية كانت متحفِّظة إلى حدّ ما. فبينما طالبت لجنة الحجّ الهندية في بيان لها بتأجيل تنفيذ هذا القرار سنة واحدة، وبالتالي الانتظار حتى استئناف سفر الحجَّاج بالطرق البحرية، الذي تمت الموافقة عليه في هذه الأثناء من قِبَل السلطات السعودية، دعا ممثلو الأقلية المسلمة الحكومةَ الهندية إلى ضرورة التعامل بجدّية مع توجيه الأموال الموفَّرة في برامج تعليمية لصالح الجاليات المسلمة المُهَمَّشة. غش واحتيال باسم إعانة الحجّ؟ الانتقادات ليست موجهة إلى إلغاء الإعانات، بل إلى الوضع الخاص الذي خصصته الحكومة الهندية لشركة الطيران الهندية الحكومية "الخطوط الجوية الهندية" في برنامج الحجّ، والذي يرفع أسعار السفر مثلما تعتقد الأقلية المسلمة. وفي هذا الصدد نقلت صحيفة "تايمز أوف إنديا" اليومية عن مولانا خالد فَرَنجي مَحَل قوله: "يجب أن يتم إجراء عرض مفتوح لتذاكر الطيران. أنا واثق من أنَّ معظم شركات الطيران ستقوم بتخفيض أسعارها". وفي هذا السياق يقول الصحفي عالِم فيزي في موقع ummid.com، حيث يتحدَّث حول أسطورة إعانات الحج: "إعانات الحجّ لم يتم استخدامها قَطّ لصالح الحجَّاج. شركات الطيران طالبت بزيادة أسعار التذاكر، أمَّا الأموال المخصصة لإعانات الحجّ فيتم استخدامها من أجل مساعدة شركة الخطوط الهندية المتعثِّرة ماليًا". وفي الحقيقة إنَّ عملية حجز الرحلات الجوية لا علاقة لها بالمنافسة. ففي الوقت الحاضر تعتمد الغالبية العظمى من الحجَّاج القادمين من الهند على السفر إلى المملكة العربية السعودية بأسعار مبالغ فيها على متن طائرات الخطوط الهندية والخطوط الجوية السعودية. ومن أجل تبديد الانتقادات المتزايدة من الأقلية المسلمة فقد أعلنت الحكومة الهندية في نهاية شهر شباط/فبراير 2018 عن أنَّها ستقوم بخفض أسعار تذاكر الرحلات الجوية. وهذا القرار سيضع حدًّا -بحسب وزير شؤون الأقليَّات الهندي مختار عباس نقفي- "للاستغلال السياسي والاقتصادي" للحجَّاج. صحيح أنَّ الأسعار الجديدة للرحلات الجوية، التي قدَّمها الوزير لمختلف المدن التي ينطلق منها الحجَّاج، تعتبر أقلّ من أسعار العام السابق، ولكن مع ذلك لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى بدأ الناطقون باسم الأقلية المسلمة بالحديث مدَّعين أنَّ الأسعار المعروضة أعلى بكثير مما كانت عليه في الأعوام السابقة. على سبيل المثال يشتكي مولانا ولي رحماني، السكرتير العام لـ"مجلس القانون الشخصي لكلّ مسلمي الهند" (AIMPLB) من أنَّ المسلمين قد خُدعوا باسم إعانة (الحجّ). وقد وصف ممثِّل الأقلية المسلمة خطاب الحكومة على أنَّه "ذر رماد في العيون".
وقف الإعانات عن المسلمين فقط في الوقت الراهن ليس من الواضح إن كانت القيادة في نيودلهي مستعدة للتجاوب مع الحجَّاج المسلمين في هذا الشأن والسماح بوجود منافسة في رحلات الطيران. ولكن من المحتمل أنَّ هذه المسألة سيتم حلـُّها قريبًا من تلقاء نفسها: إذ إنَّ الخطوط الجوية الهندية المثقلة بالديون من المفترض أن تتم خصخصتها جزئيًا في هذا العام 2018، بحسب خطة حكومة ناريندرا مودي. ولكن من غير المعروف إن كان هذا الإصلاح سيُفيد المسافرين من الهند إلى مكة أم لا. النقاشات الدائرة حول سياسة الحجّ في الهند تلقي الضوء على العلاقة المتوتِّرة بين حكومة حزب بهاراتيا جاناتا والأقلية المسلمة. من الواضح أنَّ التعديلات المعلن عنها لم تقرَّرها الحكومة بتنسيق مسبق مع أهم منظمات الأقلية المسلمة وصُنّاع قرارها، ناهيك عن مشاركة المسلمين في عملية اتِّخاذ القرارات. يتميَّز موقف الحكومة الهندوسية القومية في كون إلغاء إعانات الحجَّاج يقتصر فقط على الإعانات المخصصة للحجَّاج المسلمين. فبينما تمضي حكومة ناريندرا مودي بإلغاء إعانات الحجّ للمسلمين، تبقى الإعانات الحكومية المقدَّمة للأغلبية الهندوسية من أجل الحجّ قائمة من دون تغيير. كتب سواميناثان أيار في تعليق له أنَّ هذه الإعانات "كثيرة لا تحصى". وقد استنتج هذا الكاتب الليبرالي أنَّ "الدولة العلمانية التي تلغي إعانات حجّ المسلمين يجب أن تمنع أيضًا وبطبيعة الحال إعانات حجّ جميع الديانات الأخرى". وهذا الموقف - مثلما ذكرتُ آنفًا - هو موقفٌ ليبرالي، يجد آذانًا صماء لدى أنصار رئيس الوزراء الهندي. رونالد ميناردوسترجمة: رائد الباشحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de الدكتور رونالد ميناردوس، مدير المكتب الإقليمي في جنوب آسيا لمؤسَّسة فريدريش ناومان من أجل الحرية في العاصمة الهندية نيودلهي.