منصة للتعايش ومحطة لثقافة اللاعنف
على خطى والدته الإسرائيلية آرنا مرخميس التي حازت على جائزة نوبل البديلة لجهودها من أجل التعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يدير الفنان الإسرائيلي جوليانو "مسرح الحرية" في مخيم جنين بمشاركة فنانين فلسطينيين وإسرائيليين وسويديين وبريطانيين. مهند حامد يعرفنا بقصة هذا المسرح وأهدافه الذي يشكل تجربة رائدة في المنطقة.
رأى "مسرح الحرية" النور في مخيم جنين في صيف عام 2006، حيث استطاع أن يرسم الابتسامة والسعادة على وجوه أطفال المخيم الذين يعانون يوميا من ممارسات الاحتلال وضيق الحال، وليعبروا عن آمالهم وأحلامهم وليزرع في نفوسهم الأمل والمستقبل المشرق من خلال الموسيقى والفن. وإضافة إلى العروض المسرحية تنظم في المسرح ورش للدراما للأطفال وللشبيبة ودروس في الموسيقى. كما يقوم المسرح بتأهيل مرشدين صغار للعمل مع مجموعات أطفال.
ويعتبر مدير المسرح الفنان الإسرائيلي جوليانو مرخميس شخصية إشكالية، حيث أثار جدلا واسعا داخل المجتمع الإسرائيلي ويحظى بشعبية واسعة بين الفلسطينيين من خلال تبينه نهجاً تصالحيا يقوم على التعايش وكذلك من خلال إخراجه فيلم "أولاد أرنا"، الذي يحكي قصة والدته مع أطفال مخيم جنين.
قصة مثيره للتأسيس المسرح
شكل المسرح في بدايته مركزا بديلا للتعليم ، منذ تأسيسه في عام 1988م أثناء الانتفاضة الأولى على يد امرأة إسرائيلية تدعى أرنا مرخميس، التي آمنت بالسلام وحق أطفال مخيم جنين باللهو والتعليم أثناء الإغلاق ومنع التجوال في الانتفاضة الأولى، حيث انتقلت للعيش في مخيم جنين لتشكل قصة تعايش فريدة من نوعها بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وقامت بعد ذلك بتأسيس جمعية "العناية والتعليم". ونظرا لجهودها في دعم التصالح والتعايش نالت جائزة نوبل البديلة في السويد.
وقامت مرخميس بتوظيف أموال الجائزة لتبني "مسرح الحجر" الذي يحمل اسم الانتفاضة الأولى لتدريب الأطفال على القراءة والموسيقى. وعندما توفيت السيدة أرنا في عام 1995م بعد صراع طويل مرض السرطان، سار ابنها جوليانو على خطاها الذي آمن بالقضية التي كانت والدته قد تبنتها.
وتوقف عمل هذا المسرح في عام 1997 نتيجة خلافات مع السلطة الفلسطينية عند استلامها السيطرة الأمنية على محافظة جنين. وتبدأ أحداث إعادة تأهيل المسرح بالإثارة عندما أعاد الممثل جوليانو افتتاح "مسرح الحجر" الذي أطلق عليه "مسرح الحرية" بعد اندلاع الانتفاضة الثانية. فقد رأى أحد تلاميذ المسرح مقتولا في مدينة الخضيره الإسرائيلية بعد تنفيذه هجوما مسلحا ضد جنود إسرائيليين. ويضيف: "أحسست عندها أن أمرا غير منطقي يحصل لهؤلاء الشباب بسلوكهم هذا الطريق، وأدركت حينها سبب ذلك، عندما انتقلت للعيش في مخيم جنين. وأثناء الاجتياح الإسرائيلي للمخيم عام 2002 تبين لي كيف أن الاحتلال يدفع إلى مثل هذه السلوكيات". هذه التجربة دفعت بمرخميس الابن إلى أن يقوم بإعادة تأهيل المسرح مع مجموعة من الناشطين الفلسطينيين من المخيم وأجانب وإسرائيليين، حيث "نعيش ونعمل معا في جو من الألفة والمحبة وليكون المسرح المكان المفجر للطاقات هؤلاء الشباب وإبداعاتهم"، كما يقول جوليانو .
"مسرح الحرية" مدرسة للحرية الفكرية
يقول جوليانو إن الهدف من إحياء هذا المشروع هو تعزيز مفهوم الحريةعند هؤلاء الأطفال والشباب من خلال تشجيع حرية الفكر والتعبير وكذلك تعزيز حرية المرآة والفرد في المجتمع الفلسطيني وكذلك مقاومة سياسة الاضطهاد التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي على المخيم ، ليعيد روح الرغبة في التعايش من خلال عروض المسرح والفن والموسيقى.
وكذلك يهدف المسرح إلى عرض المشاكل الداخلية للمجتمع الفلسطيني والتناقضات التي يحملها في داخله،وضد كافة أشكال الدكتاتورية والعمل على رسم صورة أكثر حضارية وإنسانية للإنسان الفلسطيني بخلاف ما يروج في بعض التقارير الإعلامية. ويوضح الفنان الإسرائيلي أن هذه الصورة مبنية على القيم الحقيقية لمفهوم التحرر وليس التحرر من الاحتلال وحسب، بل العمل على تحرير الأطفال والفتيات من الكبت الذي يعيشون تحته نتيجة بعض الأفكار والعادات السيئة في المجتمع.
المسرح مصنع "لثقافة اللاعنف"
يقول المخرج جوليانو إن المسرح مصنع للأفكار والنقاشات والحوارات التي تخلق الحرية التي غابت عن المجتمع الفلسطيني، نتيجة الخوف الذي تولد لديهم ونتيجة الاضطهاد والظلم الواقع عليهم. ويضيف أن المسرح هنا هو مسرح ثوري للأفكار والتعليم وضد أفكار المجتمع التي لا يقتنع بها الفرد ليكون مكاناً للتمرد على أفكاره القديمة. وكذلك مكاناً لنقد المجتمع الداخلي الفلسطيني؛ فهو مرآة تعكس ما يدور من تناقضات داخل المجتمع الفلسطيني ليحاول أن يعرضها ويعالجها من خلال تشجيع الحوار بالفن والأعمال المسرحية لتغيير الواقع .
ويضيف أن المسرح يمنح الطلبة مركزاً بديلا "للتعليم الحر" المبني على المناقشات والحوار والثقافة ويحاول أن يفتح نافذة وآفاقا أكثر حرية على التعليم الحر، وهو يرسخ حب الاستطلاع والأفكار الحرة على عكس التعليم المنهجي في المدارس الفلسطينية المبنية على التعليم التلقيني الممارس على الطلبة من حيث الأفكار، أو طريقة التعليم التي تمارس من قبل المعلم، ومن هنا نخلق جو ا وإطارا بديلا لتعليم القائم على الحرية الكاملة للأفكار.
الزبيدي من كتائب الأقصى إلى "مسرح الحرية"
وتلعب هذه التجربة المسرحية دورا مهما في زرع ثقافة السلم واللاعنف والتصالح وتجاوز آلام الماضي من خلال زرع القيم الحقيقية للثقافة التحررية المبينة على المحبة والرغبة في العيش. لقد استطاع مسرح الحرية أن يرسم صورة أخرى لمفهوم المقاومة الفلسطينية في مخيم جنين من خلال تعزيز ثقافة اللاعنف وتعزيز القيم والمبادئ الإنسانية العالمية. وخير مثال على نتاج هذا المسرح انضمام عدد من المقاتلين في المخيم لصفوف المسرح، ومن بينهم قائد كتائب شهداء الأقصى السابق زكريا زبيدي ، الذي كان بالأصل أحد تلاميذ هذا المسرح. فقد بدأ ارتباط الزبيدي بمشروع المسرح عندما كان عمره 16 عاما. ويؤكد أنه بهذه العودة قد عاد إلى هوايته الأولى من خلال العمل في المسرح من أجل تشجيع الأطفال وتنمية مواهبهم المسرحية والمعرفية.
مجلة "أصوات"
ويقوم المسرح الذي أعيد افتتاحه في العام 2006 بإيجاد حياة ثقافية في المخيم من خلال تقديم عروض مسرحية وأفلام سينمائية هادفة، إضافة إلى عقد العديد من الدورات التعليمية في مجال التصوير والإضاءة والصوت إلى جانب فنون التمثيل. ويقدم مسرح الحرية فرصة لرواده للتعبير عن آرائهم وأحلامهم وليكنوا صناع قرار وكذلك التعبير عن كبتهم حيث يصدر المسرح مجلة " أصوات" لتكون صوت من لا صوت له من أبناء المخيم وكذلك إنشاء موقع الكتروني ليوصل آراءهم وتطلعاتهم للعالم.
ويقوم المسرح بإنتاج مسرحية ضخمه للكاتب البريطاني جورج اوريل "مزرعة الحيوانات" التي تتحدث عن مجموعة من الحيوانات تقرر الثورة على مالكها لتقيم مملكتها تحت سيطرة أفراد منها ، يحولون كل شعارات الحرية إلى الاستعباد والظلم- متشابهة كثيرا مع الواقع الفلسطيني. وسيتم عرض هذه المسرحية في شهر آذار/ مارس في مناطق مختلفة في فلسطين وخارجها.
تجربة تعايش يهودية فلسطينية
وتشكل قصة السيدة أرنا الإسرائيلية وابنها جوليانو تجربه تعايش رائعة وجميلة مع أهالي مخيم جنين كما وصفها جوليانو. لقد نجحوا في إقامة علاقات متميزة مع أهالي المخيم، ويقول "إنه ليس هناك أي مشكلات مع أهالي المخيم أو أي تناقضات فهم يرحبوا بنا دائم ومنحونا الثقة وهذا دليل انه ليست المشكلة في التعايش مع اليهودية كما يروج لها الكثيرون، وإنما هي المشكلة مع الاحتلال الإسرائيلي".
لقد أخرج الفنان الإسرائيلي جوليانو مرخميس عددا من الأفلام التي أثارت جدلا داخل المجتمع الإسرائيلي والغربي ونال عددا من الجوائز العالمية. وأحد هذه الأفلام تدور أحداثه حول اجتياح مخيم جنين عام 2002 يصور فيها المخرج الفلم حياة أطفال تعلموا المسرح في "مسرح الحرية" الذي تعود بدايات تأسيسه الأولى إلى والدته أرنا، ثم انضموا لصفوف المقاتلين الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية ويحاول المخرج دراسة الأسباب التي دفعت هؤلاء الشباب لسلوك هذا الطريق.
مهند حامد
حقوق الطبع: قنطرة 2009
قنطرة
حوار مع المخرج والممثل جوليانو مير-خميس:
التحرر من الاحتلال ومن سلطة العائلة
الممثل والمخرج الإسرائيلي جوليانو مير-خميس يدير مسرحا للأطفال والشباب في مخيم جنين. إيغال أفيدان تحدث مع الفنان عن أعماله الفنية وآرائه السياسية ومخططاته المستقبلية.
حوار مع الكاتب الإسرائيلي آساف غافرون:
لعبة كمبيوتر في خدمة السلام
وضع الكاتب الإسرائيلي آساف غافرون نصوص لعبة كمبيوتر تحمل اسم "صانع السلام" في محاولة منه لتعزيز رؤية السلام في الشرق الأوسط. غافرون عرض كذلك في روايته "اغتيال جميل" وجهات نظر غير معتادة بسبره غور العالم الداخلي الخاص بشخص إسرائيلي وقع ضحية الإرهاب وبشخص انتحاري فلسطيني. أريانا ميرزا تحدَّث مع هذا الكاتب الإسرائيلي.
الناشرة الإسرائيلية ياعيل لرر:
حنين إلى الأندلس
محمود درويش، محمد شكري أو هدى بركات، هؤلاء بعض كتاب دار الأندلس، التي تعنى بترجمة الأدب العربي إلى العبرية. يوسف حجازي تحدث مع الناشرة الشابة ياعيل يرر عن سبب اهتمامها بالأدب العربي وصعوبات النشر في إسرائيل