"تدخل حزب الله في سوريا وسع الفجوة بين السنة والشيعة"
السيِّد عبد المطلب الحسيني، يقاتل حزب الله بشكل علني إلى جانب النظام السوري. فما عواقب هذا القتال بالنسبة لهذا الحزب، الذي كان يؤكِّد طيلة أعوام عديدة على طبيعته اللبنانية الوطنية الأصيلة؟
عبد المطلب الحسيني: لم يعد حزب الله حتى بالنسبة لمؤيّديه العرب السابقين إلاَّ مجرَّد أداة في يدّ إيران، وكذلك لقد فقد الكثير من سمعته. زد على ذلك أنَّ حزب الله فقد تقريبًا قدسيَّته كحركة تحرير، منذ دعمه السافر للدكتاتورية الوحشية. وهذا يتناقض أيضًا مع مفهومه الذاتي الخاص. لقد كان حزب الله ينظر إلى نفسه دائمًا على أنَّه "حزب المحرومين". صحيح أنَّ استياء أعضائه من واجب مساعدتهم دمشق كان كبيرًا في البداية؛ ولكن الضغط الخارجي كان أكبر.
ومنذ اليوم الأوَّل بعد قيام الثورة السورية، كانت آلة الدعاية السعودية تؤدِّي إلى تصادم بين السُّنة والشيعة. وعلى الجانب الآخر، توجد إيران التي تريد الاحتفاظ بحليفها العربي الوحيد. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ سوريا تمثِّل دولة عبور للأسلحة التي يحصل عليها حزب الله من طهران. ومع سقوط الأسد ستسقط بالتالي هذه الإمدادات. ونظرًا إلى هذا الوضع، فإنَّ هذا الحزب لن يتمكَّن من البقاء في المقدّمة.
ساهم الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، مع مرور الزمن في تفاقم الطائفية، وذلك من خلال بدئه في التأكيد على "محاربة التكفيريين السُّنة"…
عبد المطلب الحسيني: بعد أن أصبح مدى مشاركته في سوريا يتَّضح على نحو متزايد، لم يعد في الواقع بوسع حزب الله أيضًا ترويج الشعارات الوحدوية العربية القديمة ببساطة. وهكذا بات يحاول الخروج من هذا المأزق، وراح يفعل مثلما يفعل السعوديون، وذلك من خلال إعلانه هو الآخر أنَّ تدخّله العسكري يأتي من أجل الدفاع عن الأماكن الشيعية المقدّسة في سوريا. وبطبيعة الحال لقد عمل من خلال ذلك على زيادة الفجوة بين السُّنة والشيعة ووضع نفسه في وضع حرج، سيشغله ويلازمه لفترة طويلة.
انتشرت على موقع يوتيوب تسجيلات مرئية من معركة يبرود، التي كسبها حزب الله في ربيع عام 2014 لصالح النظام السوري. وفي هذه الفيديوهات يظهر مقاتلو حزب الله وهم يحتفلون بعودة "صاحب الزمان" - إشارة إلى المهدي المنتظر، الذي يعتبر بحسب العقيدة الشيعية من أحفاد النبي محمد وسيظهر من جديد في "آخر الزمان"، ليقضي على جميع أشكال الظلم الموجود في العالم. فكيف ينبغي تقييم مثل هذا العمل؟ وهل يعتبر هذا دليلاً على انتشار التعصُّب الديني في هذا الحزب، الذي كان يتم تصنيف حتى الآن كطرف سياسي براغماتي للغاية؟
عبد المطلب الحسيني: أعتقد أنَّه من غير الممكن أن يتحوَّل حزب الله إلى نظير شيعي لتنظيم القاعدة. وعلى العكس من تنظيم القاعدة فإنَّ هيكل حزب الله لا يعتبر مشتتًا وغير متماسك، بل منظمًا تنظيمًا جيدًا، كما أنَّ حزب الله يمتلك نظرًا إلى خبراته السياسية -فعلى أية حال يوجد لديه وزراء ونوّاب في البرلمان اللبناني- ونظرًا إلى الانتصارات العسكرية التي حقَّقها، مفهومًا ذاتيًا مختلفًا تمام الاختلاف. وبالإضافة إلى ذلك، فهو لا يعتمد على الصدقات المالية المقدَّمة من بعض الأشخاص المتعصّبين، بل يعدّ جزءًا لا يتجزأ من قوة إقليمية - أي إيران. وهذه مقوّمات مختلفة تمامًا عن المقوّمات الموجودة لدى تنظيم القاعدة.
ماذا عن حرب التحرير التي يخوضها حزب الله ضدّ إسرائيل؟
عبد المطلب الحسيني: من الواضح أنَّ حزب الله لا يريد فتح جبهة ثانية، طالما بقي يقاتل في سوريا. والإسرائيليون سعداء بذلك، لأنَّهم لا يرغبون في إسقاط الأسد، الذي يعتبر منذ عدة أعوام بالنسبة لهم خصمًا يمكن التنبؤ بنواياه. ولكن مع ذلك فإنَّ تل أبيب تخشى من زيادة قوة حزب الله ولهذا السبب فهي تبقى في وضعية الحذر. أمَّا كيف يريد حزب الله كسب مصداقيَّته باعتباره أكبر مناضل عربي يقاوم إسرائيل، فهذه مسألة أخرى.
أمل في ربيع سعودي-إيراني
تعاني السياسة اللبنانية من حالة اضطراب وغموض: فالحكومة غير قادرة على العمل بسبب النزاعات مع حزب الله، وفي عام 2013 تم تأجيل الانتخابات البرلمانية كما أنَّ الاستقطاب الشديد بين موالاة إيران وبين موالاة السعودية حال دون انتخاب رئيس جديد للبلاد…
عبد المطلب الحسيني: لدى المعنيين أمل في التوصّل إلى تقارب سعودي-إيراني، يمكنه إنهاء الحرب في سوريا. وكان هناك سبب لذلك قبل فترة غير بعيدة، عندما دعا وزير الخارجية السعودي نظيره الايراني لزيارة رسمية إلى الرياض. ويعود الفضل في ذلك إلى النزاعات الداخلية التي تدور على السلطة داخل الأسرة المالكة السعودية وكذلك إلى الضغط الأمريكي. وقد أدَّى كلا العاملين في شهر نيسان/ أبريل 2014 إلى عزل رئيس الاستخبارات السعودية، الأمير بندر بن سلطان على نحو مذهل.
لقد كان بندر متشدِّدًا في موضوع سوريا وكان يدعم دائمًا العمل العسكري ضدّ دمشق - أو على الأقل تسليح المتمرِّدين. ولكن مشهد المتمرِّدين في سوريا كبر وازداد حجمة بالنسبة للجميع أكثر بكثير مما ينبغي، ولذلك باتت الولايات المتَّحدة الأمريكية تُلح على الحدّ من حجمه. وبالتالي كان عزل الأمير بندر عن عمله أوّل دليل يشير إلى ضرورة عدم استمرار تصعيد المواجهة السعودية-الإيرانية في سوريا. ولكن السؤال هنا هو: هل سينجح ذلك؛ وإذا كان سيكتب له النجاح، فمتى؟. ولكن إذا بقي كلّ شيء غامضًا بهذا الشكل، فلن تنشأ تقريبًا أية حركة بنّاءة في المشهد السياسي اللبناني.
ماذا عن المشهد السلفي اللبناني؟ بعكس المخاوف الكثيرة من احتمال تنظيم السلفيين أنفسهم ضمن إطار الحرب في سوريا، فإنَّ المشهد السلفي اللبناني لا يزال حتى الآن هادئًا نسبيًا ومشتتًا…
عبد المطلب الحسيني: لا توجد تقريبًا لدى التطرّف السُّني جذور في لبنان. والطبقة الوسطى تتبع بصورة تقليدية بيت الحريري وبعض الأسر التقليدية الأخرى مثل بيت كرامي أو بيت السلام. ولا توجد بين السُّنة في لبنان أية "ظاهرة ضوئية"، مثلما هي الحال مثلاً مع حسن نصر الله لدى الشيعة. وهذا أمر جيد أيضًا من حيث المبدأ. زد على ذلك أنَّ جميع هذه الأسر المذكورة لها توجّهات دنيوية.
أمَّا المتشدّدون الدينيون فهم غير موجودين في الواقع إلاَّ في المناطق الفقيرة - وخاصة في مدينة طرابلس. ولكن حتى هناك لا توجد أية شخصية مقنِعة، يمكنها تعبئة الجميع. ويعود سبب ذلك قبل كلّ شيء إلى أنَّ الرياض لن تعمل أبدًا على إنشاء ورعاية شخصية مثل حسن نصر الله. ولكن حتى من دون وجود مشهد سلفي قوي يبقى الوضع في لبنان متفجرًا.
اللاجئون السوريين...تحدٍّ اقتصادي وديموغرافي
لماذا؟ هل بسبب وجود مليون لاجئ سوري في البلاد الآن؟
عبد المطلب الحسيني: أجل - لأنَّ أغلبيتهم من السُّنة. وهذا يزعزع التركيبة الطائفية الهشة في لبنان. وبالإضافة إلى ذلك، من الممكن افتراض أنَّ الكثيرين من هؤلاء السُّنة لديهم مشاعر استياء قوية نحو دمشق وحزب الله. يضاف إلى ذلك أنَّ جميع اللاجئين يشكّلون بطبيعة الحال تحديًا كبيرًا للاقتصاد اللبناني، الذي يعتبر على أية حال اقتصادًا ضعيفًا.
طبقًا لتقرير صدر عن البنك الدولي فقد خسر لبنان في عام 2013 بسبب الأزمة السورية مليارًا وثمانمائة مليون يورو؛ وكذلك من الممكن أن ينزلق 170 ألف مواطن لبناني حتى نهاية عام 2014 تحت خط الفقر…
عبد المطلب الحسيني: يعاني لبنان من مشكلات قاهرة. لنأخذ فقط ندرة المياه المعروفة في لبنان. علاوة على ذلك لقد كان المطر قليلاً في الأشهر الماضية - والآن بات يتعيّن توفير المياه لمليون شخص إضافي. وهذه تحديات ضخمة، كما يجدر بنا التذكير - ومن دون الوقوع في حالة تشاؤم - بأنَّ سبب اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975 يعود إلى اللاجئين الفلسطينيين، الذين لم يتمكَّنوا من إيجاد وطن آخر في لبنان.
وفي تلك الأيَّام ساهمت منظمة التحرير الفلسطينية في زعزعة استقرار البلاد - إلى درجة أنَّ بعض الأحزاب اللبنانية كانت تريد إنهاء وجودها بقوة السلاح. وحتى الآن لا أرى أية علامات تشير إلى انفجار مشابه. ولكن المستقبل مجهول تمامًا، وذلك لأنَّه لم يعد من الممكن تصوّر سيطرة الأسد مرة أخرى على سوريا مثلما كانت الحال قبل ثلاثة أعوام. ولهذا السبب فإنَّ الضغط الواقع على لبنان لن ينخفض تقريبًا.
حاورته: منى سركيس
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2014
عبد المطلب الحسيني، صحفي مستقل وكاتب ولد عام 1949 في لبنان؛ يعمل ويعيش في ألمانيا ويركّز على القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية في العالم العربي.