رفيق شامي – مَنفيٌ في الوطن
واحدة من أحدث، وفي الوقت نفسه أقدم، قصص رفيق شامي تتمحور حول حلاق زاره الكاتب في سن الخامسة عشر. تدور أحداث القصة في العاصمة السورية، دمشق، والتي ولد فيها الكاتب عام ۱۹٤٦. قيل أن الحلاق كان خبيرًا في أمور الحياة. وقد كان كذلك بالفعل. إلا أنه وبكل أسف أتلف قَصَّة شعر عميله الشاب. ولكن شعر الكاتب نما مرة أخرى، ولم يبق لديه سوى تلك القصة التي ظهرت مرة أخرى في كتابه "Die Frau, die ihren Mann auf dem Flohmarkt verkaufte" (السيدة التي باعت زوجها في سوق البراغيث) الصادر عام ۲۰۱۱ عن دار نشر Carl Hanser. ففي هذا الكتاب يروي لنا رفيق شامي كيف أصبح كاتبًا.
اسمه الحقيقي سهيل فاضل، وهو مسيحي وأباه يعمل خبازًا. وحين بلغ من العمر ۱٦ عامًا أسس رفيق شامي صحيفة حائط وانتقل بحقيبة مليئة بالمخطوطات إلى هايدلبيرج في سن الخامسة والعشرين من عمره، حيث أسس لنفسه حياة جديدة. ولكن قبل أن يصبح رفيق شامي كاتبًا مستقلًا، حصل في البداية على الدكتوراه في الكيمياء. تعلَّم اللغة الأدبية بنفسه وذلك من خلال نسخه لكلاسيكيات توماس مانّ ويوهان فولفجانج فون جوته يدويًا.
وبدأ الكاتب المولود في سوريا في الكتابة باللغة الألمانية منذ عام ۱۹۸۲. وفي بداية مسيرته المهنية لم يكن يحضر قراءاته الأدبية سوى عدد قليل من المستمعين. أما اليوم، فتترجم أعمال رفيق شامي إلى ۲٤ لغة مختلفة ويملأ حضور قراءاته الأدبية قاعات كبرى. جدير بالذكر أن الكاتب قد حصل في الوقت الراهن على الجنسية الألمانية، وعلى الرغم من ذلك يصف نفسه عن قصد بـ "أنجح كاتب سوري في العالم". فطالما ظل "رفيقًا شاميًا" كما ينم اسمه.
تكريم للوطن الأصلي
يقول رفيق شامي أنه يفكر في دمشق حين يستيقظ صباحًا. فينتابه شعور بالحزن وآخر بالفرحة حين يتذكر مدينة طفولته. ولا تخلو مشاعره من القلق أيضًا، فشقيقته لازالت تعيش في سوريا في خضم الحرب تكاد تقتصر أحداث قصصه على المدن السورية. فمجموعة أعماله ما هي إلا تكريما لوطنه الأصلي المنكوب. لقد احتفظ رفيق شامي بدمشق في أعماله النثرية، تلك المدينة التي لم يكن مرحبًا به فيها والتي لم تتسنى له زيارتها منذ ٤۰ عامًا. وبفضل موقع جوجل إيرث (Google Earth) والدم الذي يسري في قلب الكاتب النازح لازال يتمتَّع حتى الآن بمعرفة دقيقة عن الأماكن المحلية في موطنه. ويشارك مرارًا وتكرارً في حوارات حول الوضع السياسي. كما تدعم جمعيته التي تحمل اسم "شمس" الأطفال والشباب السوريين من الناحية المالية.
جدير بالذكر أن رفيق شامي حصل على العديد من الجوائز عن أعماله الأدبية ،ففي عام ۱۹۹٤ حصل على جائزة هيرمان هيسِّه عن روايته "Der ehrliche Lügner" (الكاذب الصادق) وعلى جائزة هانز إريش نوسَّاك عن مجمل أعماله في عام ۱۹۹۷، علاوة على جائزة جيورج جلازِر الأدبية عام ۲۰۱۱. إن روايات الكاتب الكيمائي ما هي إلا حس سوري مواكب، لاسيما رواية "Die dunkle Seite der Liebe" (الوجه المظلم للحب) التي صدرت عام ۲۰۰٤ وهي عبارة عن بساط تاريخي مستعرض ذو نسج محكم. بنبرة أسطورية نقلت السحر الكامن في الخطابات الشفهية إلى النصوص المكتوبة يروي لنا الكاتب رفيق الشامي، الخطيب الموهوب، قصصًا كثيرة مصحوبة بمحتويات شرقية إضافية.
إن من يرغب في التعرُّف على طبيعة نظرة رفيق شامي على أعماله الذاتية ينبغي عليه أن يحصل على مجلد "Die Frau, die ihren Mann auf dem Flohmarkt verkaufte" (السيدة التي باعت زوجها في سوق البراغيث) الصادر عام ۲۰۱۱. ففي إطاره يقدم لنا رفيق شامي ما هو أشبه بسياق تبريري لأعماله الأدبية.
إن هذا الإعلان الذاتي المثير للانتباه يضم اثني عشر فصلًا، يحتوي أحدها على نص محاضرة معدَّلة قليلًا كان رفيق شامي قد ألقاها بمناسبة منحه أستاذية الأخوان جريم في جامعة كاسِّل عام ۲۰۱۰. ويتطرق فيه النص بين الحين والآخر إلى موضوعات أخرى، كالأساطير باعتبارها "علاجًا شعبيًا" أو الأقوال المأثورة باعتبارها "خلاصة للخبرات". كما يتفلسف أيضًا حول تأثير الصحراء على الثقافة العربية التي تتسم بالبلاغة وإن كانت تفتقر إلى الصور - ففي الصحراء تستريح الأعين بينما تُحلُّ عقد اللسان.
السرد بدلًا من الإسهاب
إن الكتاب باعتباره مجموعة من القصص القصيرة والحلقات والخطب ما هو إلا فن شعرية من السيرة الذاتية وسرد إثنوجرافي. إلا أن رفيق شامي لن يصيغ الأمر على هذا النحو أبدًا. إذا أن أسلوبه يكمن في الوضوح الثاقب، فهو يقدِّم السرد على الإسهاب، ويفضِّل إضافة قصة أخرى عن شرح وتفسير كل شيء.
يعيش رفيق شامي منذ عقود في قرية كائنة في ولاية راينلاند بالاتينات. ولكنه غالبًا ما يتجه بفكره إلى سوريا. وعلى الرغم من شعوره بالاستقرار في ألمانيا إلا أنه يأمل في العودة ذات يوم إلى سوريا باعتباره منتصرًا على النظام. وحتى يحين ذلك الوقت سيستمر في الكتابة عن كونه ألمانيًا وبقاءه شاميًا. لقد سُئِلَ ذات مرة في إطار إحدى الفعاليات التي عقدت بمناسبة حصوله على درجة الأستاذية في الشعر من جامعة كوبلينتس لانداو عن حقيقة تواجده في وضع متناقض، وعن كونه في حقيقة الأمر منفيًا في وطنه. وجاءت إجابته على النحو التالي: "نعم، هذا صحيح".
الكاتب: ماركوس كلاور
ماركوس كلاور يكتب جهات عديدة من بينها صحيفة "Die Zeit" الأسبوعية.
حقوق النشر: معهد جوته جمعية مسجلة، إدارة التحرير على الإنترنت
مايو ۲۰۱٥
الترجمة: هبة شلبي