"في عيون كارهي الأجانب كل اللاجئين مسلمون بلا ملامح إنسانية"
"الألمان أجانب في بلدهم"، كما يرى رفيق شامي. فـ "لا حاجة للأجانب واللاجئين لتتجلى بوضوح العلاقة المضطربة لكثير من الألمان ببلدهم".
"الخوف من الأجنبي ليس بحد ذاته ذنباً أو عنصرية. وهنا ليس من الضروري إلا الحديث بصراحة عن هذا الخوف. لكن مَنْ يُلصِقْ بالأجانب وصمات مشينة ويرفضهم اجتماعياً فهو عنصري بالتأكيد".
قبعة الإخفاء
يحتاج محترفو صناعة الخوف إلى الإسلاموفوبيا كقبعة إخفاء لمواقفهم العنصرية. الغاية من استخدام هذه الكلمة المركبة (قبعة الإخفاء) هي النفخ في نار التحريض على كره الأجانب - اللاجئين والمسلمين، مؤخراً. لا فرق بين الأجنبي من أبناء الجيل الأول أو الثاني أو الثالث من المهاجرين، أو الأجنبي الذي يعيش في ألمانيا منذ 50 سنة ويساهم –بسلام– في بناء حضارة هذا البلد. لا فرق بين الأجنبي العامل في المنجم، أو على خط إنتاج في المصنع، أو في تنظيف الأبنية، أو الذي يصمم المباني ويبنيها، أو الذي يقف وراء الكاميرا أو أمامها، أو الذي يغني ويرسم ويؤلف الموسيقى ويقدم عروضاً مسرحية، أو الذي يسهر على العناية بالمرضى في المشفى. الكل عند كارهي الأجنبي سِيّان.
كل أولئك، بالنسبة لكارهي الأجانب، مسلمون بلا ملامح إنسانية. دعونا نغوص، لمدة خمس دقائق فقط، في روح إنسان مسالم من هذا البلد، ينتمي مصادفة إلى الأقلية المسلمة. بعد كل هذا السنوات في ألمانيا، يتلقى هذا المسلم صفعة التشهير به وتشويه سمعته، سواء عبر رسومات كاريكاتورية بلهاء تصور رسوله يرتدي عمامة على شكل قنبلة، أو من خلال خطب تيلو سارازين الرنانة، وخطب المدافعين عنه: أودو أولْفْكوتي وبيتر سلوتردايك.
من خلال التشهير الدائم بالمسلمين، فإن كارهي الأجانب يزيدون من نسبة المسلمين الذين يشعرون بأنهم غير مقبولين في هذا البلد. يا له من شعور مرّ، أن يتم التشهير بك، دون أن يقوم أي قاضٍ برفع دعوى ضد مُطْلِقي خطب الكراهية الرنانة. ماذا يبقى –عندئذ– لمسلم معزول، لم يكن في أي يوم إسلاموياً؟ التقوقع والانكماش على الذات (كما يفعل القنفذ ليحمي نفسه)، واللامبالاة بالمجتمع الألماني والاستعداد لتقبل أفكار أصولية. تقرّب هذه الأفكار الأصولية إلى فهم المسلم -وبشكل جميل وعقلاني زائف- أسباب كره الألمان له. إن ارتداء الحجاب يعود بشكل أقل إلى نجاح الأصوليين، وبشكل أكثر إلى إخفاق مجتمعنا بحماية ودمج هذه الأقلية المسلمة. قبل عشرين سنةً، كانت النساء التركيات والعربيات لا يرتدين الحجاب، أو ربما أعداد نادرة منهن كُنّ متحجبات. المذنب في مسألة معاداة الأجانب ليسوا الأجانب، بل أولئك الذين يراهنون – لتأكيد صحةحقدهم – على تجاوزات للقانون وأخطاء مستقبلية لم يرتكبها الأجانب بعد.
بالطبع يمكن لمواطنينا المسلمين مساعدتنا بإدماج اللاجئين الجدد. لكن مهلاً، فهذا الأمر من الصعوبة بمكان على دماغ المحرضين على كراهية المسلمين. الأسهل لعقلهم البدائي صراخهم: فَلْيَخْرُجْ الأجانب من بلادنا! هذه هي قناعتهم البسيطة. وهنا نقطة لقاء أعداء الإنسانية: يسعى كل من كارهي المسلمين ومعادي السامية إلى الهدف التالي: إقصاء مجموعة غير متجانسة عن مجتمع طيب السريرة مهدد، كما لو أن المجموعة المستبعدة هي كتلة شريرة. يستشهد معادو السامية بالتلمود وكارهو المسلمين بالقرآن، كدليلين على الشر.
خوف المفكرين المتقاعدين الكاذب
هل يَتَمَلَّك الخوفُ صانعي الخوف من المسلمين؟ جوابي الذي لا لبس فيه: لا. ليس هم فقط، بل معظم الناس تسافر إلى بلدان غالبية سكانها مسلمون، كمصر، ألبانيا، البحرين، الأردن، دبي، قطر، إندونيسيا، اليمن، سوريا (قبل الحرب)، ماليزيا، جزر المالديف، المغرب، عُمان، باكستان، تونس، تركيا. في هذه البلدان فإن المسلمين هم أصحاب البيت والمضيفون. في أوروبا هم ليسوا كذلك! أعرف الكثير من الفوضويين (اللاسلطويين) القدماء، والماويين القدماء، الذين ليس لديهم أي مشكلة بأن يحلوا ضيوفاً على شيوخ الدول العربية وعلى الدكتاتوريين العرب، وحتى الآن لايشعرون بأي حرج في ذلك. فهم يسافرون على متن الدرجة الأولى، ويقيمون في فنادق ذات خمس نجوم، ويأكلون ما لذ وطاب من الطعام. في اليوم السابع من إقامته هناك، صاح أحد هؤلاء المثقفين، وهو نصف سكران وقد زاد وزنه ثلاثة كيلوغرامات: "كل شيء جميل هنا، ولكني لا أعرف لماذا أنا هنا". تفضح مثل هذه التساؤلات أكثر مما يخشى منه قائلها: ضمور الشخصية وتضاءلها. ابتسم بشماتة شيخ النفط المكَّار، دون أن يعطي الإجابة على السؤال: لماذا أنا هنا؟ الجواب هو: للدعاية لإمارة دبي. اليوم، يقول نفس المثقف لكل مَن يعيره إذنه وينصت إليه، أنه يخاف من الإسلام.
الإسلام دين، وككل الأديان الأخرى، للإسلام وجوه عديدة. مَنْ لم يعرف هذا الأمر، فعليه بقراءة التوراة و الإنجيل بعمق. وبالمناسبة أيضاً، عليه أن يستعلم من التاريخ عن مطاردة نقاد الكنيسة ومحاكمات الساحرات في أوروبا المسيحية، وعن الحملات الصليبية؛ وَمَنْ كانت لديه أعصاب قوية فعليه بالاستعلام عن الآثام التي اقترفها المستوطنون والمستعمرون المسيحيون باسم الدين في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. بالتأكيد، يجب على المثقف ألاّ يخاف من دِينٍ، وإلا فإنه لا يستحق وصفه بالمثقف. بالعكس، يشعر هؤلاء السادة -الجالسون في المقاهي وفي الحانات- تجاه المسلمين بالازدراء الناتج عن الغطرسة؛ الغطرسة الموجهة – على العموم – ضد الأجانب المنحدرين من البلدان الفقيرة، التي كانت فيما مضى مستعمرات للغرب.
إهانة اللاجئين
بوسع المؤمنين بنظرية المؤامرة إضحاك المرء، عندما يكون قد شرب زجاجتين من النبيذ. ولكن في حالة اللاسُكْر والتمتع بكامل القوى العقلية، فإن هؤلاء المؤمنين يبدون كأنهم مغفلون، يبحثون -بشكل هستيري- عن كل الطرق لتحميل اليهود مسؤولية كل مصيبة. وحتى عندما تتبنى القاعدة بشكل رسمي هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 الإرهابية، فإنهم يستمرون بتحميل اليهود مسؤولية الهجمات. ينتهي المطاف بتسعة أعشار نظريات المؤامرة، ومنذ صدور تزوير "بروتوكولات حكماء صهيون" المعادية للسامية، إلى تأويلات معادية للسامية. مثلاً الآن يكتشف الكاتب الألماني، راينهارد يرغل، أن هؤلاء اللاجئين المساكين جزء من المؤامرة العالمية، التي يقودها ليس بوتين ولا الأسد، بل الولايات المتحدة الأمريكية. بحسب زعمه، تهدف الولايات المتحدة الأمريكية من وراء هذه المؤامرة إلى لَبْرَلَة (تخفيف وإلغاء القيود والضوابط الحكومية والرقابة) أوروبا أكثرَ وتهديمها سياسياً واقتصادياً. وبحسب راينهارد يرغل، فإن الألمان، " الأبرياء في الداخل"، هم في قبضة الولايات المتحدة الأمريكية. ( والذي قلد فيه عنوان سلسلة من مقالات الكاتب الأمريكي مارك توين نشرها عام 1869 بعنوان الأبرياء في الخارج ساخراً من وصف رحالة امريكيين الى عدة بلدان بما فيها الشرق الأوسط. وهنا يقصد الكاتب الألماني بتعبير الأبرياء في الداخل ان الألمان اغبياء يستغلهم كل من يريد) وردت هذه الفكرة المبهمة في مقال راينهارد في مقالة له بعنوان، الأبرياء في الداخل"، في عدد الشتاء من عام 2016 من المجلة ربع السنوية "تومولت".
اللغة، التي يستخدمها، ومحتوى كلامه يذكرانني بخطابات سبيعينيات القرن العشرين، التي كان يلقيها المؤدلَجون بالفكر المتطرف اليميني من الألمان، الذين طُردوا من بولندا وتشيكوسلوفاكيا بعد الحرب العالمية الثانية. هل يريد راينهارد يرغل بذلك حل مشاكل عام 2016! هنا يتعدى الأمر الإسلاموفوبيا. إنها غطرسة خطيرة تجاه الألمان، الذين يَبْدون مغفلين في مقاله، وهي غطرسة تجاه معاناة الملايين من الفارين من زخ القنابل ويحتاجون للمساعدة. إذا كانت هذه مؤامرة أمريكية ضد ألمانيا وأوروبا، فإن هذا الأمر بالنسبة لي وبوضوح معادٍ للسامية. وأعتقد أن راينهارد يرغل وأودو أولفكوتي، أحد أنصار حركة "وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب"(بيغيدا)، يستبطنون معاداة السامية. يقدم لنا أولفكوتي في كتابه، الـمُعَنْوَن "الحرب المقدسة في أوروبا"، صورة لخياله الجامح ولأحلام يقظته المريضة عن "خطة سرية لتسلل المسلمين إلى الدول غير المسلمة". لا شيء غير قوى ظلامية تآمرت على تدمير ألمانيا. وهذه هي النسخة الحديثة من "بروتوكولات حكماء صهيون" المُختَلَقة. واليوم يجري تحوير البروتوكلات على المسلمين. هل يحتاج المرء إلى المزيد ليفهم مرامي هؤلاء السادة؟
بيتر سلوتردايك يريد إصلاح الإسلام
هذا العنوان الفرعي، بالطبع، للسخرية؛ فالسيد سلوتردايك لا يستطيع إصلاح نفسه. سلوتردايك، يساري متقاعد، ونصير متقاعد لـ هاجوان شرَي راجنيش(أوشو) [1931-1991: أستاذ للفلسفة ومتصوف هندي وأبو الحركة الراجنيشية]، وداعٍ متقاعد للاصطفاء البشري (قواعد تنظيم الحديقة البشرية)، واقتصادي نيوليبرالي متقاعد، والآن ولفترة محدودة خبير بالشؤون الإسلامية، لأنها موضة هذه الأيام لكل مفكر متقاعد ليصبح بين ليلة وضحاها خبير إسلام. يقول سلوتردايك إن "الإسلام لا يتوافق مع الدولة الحديثة ولا مع المجتمع الحديث". من يتفوَّه بمثل هذا الكلام، فإنه لا يعرف أي شيء عن التاريخ ولا يأبه به. إنه الجهل بعينه. فالإسلام هو نفسه من أبدع واحدة من أجمل الحضارات. أسباب أزمة الإسلام متشعبة، وأوروبا أحد هذه الأسباب. وبدلاً من أن يقوم السيد سلوتردايك بالتحليل، يوزع بكرم كلماته الجوفاء الطنانة من جديد. ألم يُثِر التاريخ والبحث العلمي اهتمام (هذا الرجل) المحرض على كراهية الأجانب؟ الجواب: لا، لأن الاستعارات المجازية الجوفاء في متناول اليد وأسهل من البحث العلمي. يقول هيرفريد مونكلر، البرفيسور بتاريخ النظرية السياسية وتاريخ الفكر: "رقص الاستعارات، التي يستخدمها هذا النوع من المثقفين، تعمل، قبل أي شيء، كـمانع لعملية التعلم. لجأ سلوتردايك إلى كل أنواع الصور البلاغية، ليوفر على نفسه عناء البحث العلمي المناسب. وبهذا الطريقة، يستطيع سلوتردايك الحديث عن أي شيء، دون أدنى معرفة بتفاصيل الأمور".
إِلامَ تعود أسباب هذا الانحدار العميق لقادة الرأي السابقين؟ يجيب هيرفريد مونكلر على هذا التساؤل بنفس المقال في جريدة "دي تسايت" بعددها الصادر في 12 آذار/ مارس 2016: "في الفترة التي كانت ألمانيا الاتحادية فيها لاعباً ثانوياً وبلا قدرة على الفعل السياسي في أوروبا والعالم، صعد مثل هذا النوع من المثقفين الى الواجهة الإعلامية ليتفلسف كما يشاء دون مسؤولية...غير أن الأمر تغير عندما أصبحت ألمانيا أحد اللاعبين المركزيّين في السياسة الأوروبية".
يُشْغِل أولئك المثقفون المتقدمون بالسن أنفسهم – وبشكل كثيف ايضاً كعلماء اللاهوت – بالبحث عن نقاط ضعف الإسلام. فهم يعرضون باجتهاد صفات الإسلام التي تَحُول دون نجاحه في الدخول إلى أوروبا. لماذا يتوجب على الإسلام أن يكيّف نفسه مع أوروبا؟ هذه الهجمات على الإسلام من خارجه تقطر غطرسةً، ولا يمكن أن تؤدي إلا إلى مقاومتها من المسلمين. هذه الغطرسة مصحوبة بالإهانة – والتي يُسمح بها ضد الإسلام في كل أنحاء أوروبا- لا تؤدي بالتأكيد إلى إصلاح الإسلام. المجتمعات والجماعات الدينية لا يمكن إصلاحها بالهجوم عليها من الخارج، بل يؤدي ذلك إلى تقوقعها وانكماشها على نفسها. لا بد إذَنْ أن يأتي الإصلاح من الداخل، وكان الإصلاح ولا يزال وسيبقى يتطلب في أي مجتمع تضحيات كبيرة، كما هو الحال في كل المجتمعات. ما بوسعنا عمله هو دعم القوى الليبرالية والتحلي بالصبر.
الصينيون قادمون!
لا أرغب بإثارة خوف أي أنسان، ولكني أرى أن النقطة التالية ذات صلة بموضوعنا، وهي تنبيه القراء إلى أن كوكبنا – الأرض – وبسبب تصرفات الإنسان العبثية، يقترب من نهايته. أعرف، أعرف، أني لا أقول شيئاً جديداً. هذا يعرفه الكثير من العلماء ويدركه الكثير من الناس، الذين يفكرون بمنطق.
إحدى السلوكيات العبثية للإنسان هي أنه لا شيء يشبع نهمه في هذا العالم أكثر من السلطة والمال. فليس هناك خنزير يفكر - ولو لثانية واحدة فقط - في تدمير بيئته والمقومات الأساسية لحياته، من أجل أن يمتلك 70 خنزيراً نصف الكرة الأرضية. ولكن سبعين رجلاً يمتلكون نصف الكرة الأرضية. إن البشر من الغباء، بحيث أنهم لا يسألون أنفسهم ماذا سيرث أحفادهم وأحفاد أحفادهم: خردة، ونفايات وغابات مدمرة، وحقول يباب، وأمراضاً وحروباً، لا يمكن لأي أحد النجاة منها.
ما أقوله ليس من باب الدعاية، ولكنه مقدمة لرؤيتي لسيناريو الرعب القادم بسبب الكوارث البيئية والطبيعية، مع العلم أن السيناريو قد بدأ بالفعل وأخذ طريقه إلى حيز الوجود. وأظن أن الانفجار الأول الكبير سيحدث في الصين. لقد كتبت عن هذا الأمر منذ أكثر من عقد من الزمن. في الصين، يحرص القائمون السلطة السياسية والاقتصادية على أن تكلف عملية الإنتاج القليل جداً، وهذا لا يحدث إلا عندما لا يتم مراعاة الطبيعة ولا بأي شكل طفيف.
وبناء على ما سبق سيكون اللاجئون القادمون لاجئين بيئيين، وربما تكون غالبيتهم صينيين. عندئذ ماذا سيكتب السيد سلوتردايك على كمبيوتره المحمول المصنوع في الصين، والذي لولا الصفر العربي لما كان من الممكن اختراع هذا الحاسوب؟ هل سيكتب ويقول أن البوذية والطاوية ليستا مناسبتين ولا تصلحان للمجتمع الحديث، وأن الصينيين سيشكلون مع عصابات الجريمة المنظمة المافيوزية مجتمعاً موازياً للمجتمع الألماني، وهذه المجتمع سيجبر السادة المثقفين على دفع الإتاوات؟ ماذا سيقول، عندها، الكاتب الألماني، روديغر سافرانسكي؟ هل سيقول أن الصينيين لا يعرفون كيف يجب عليهم العيش مع المسيحيين، وأنهم يلاحقون الشقراوات، وأنهم يطاردون الكلاب، لأنهم يحبون الكلاب...في طنجرة الطبخ؟
إثارة الرعب كفن هابط
خلال جولتي في المئات من المدن، قرأت ودونت ملاحظات حول ما يُسمى "أزمة اللاجئين". رأيت ملصقات ترويجية لحزب "ألفا" اليميني المتطرف (الاتحاد من أجل التقدم والتجديد) [تأسس الحزب عام 2015 بانشقاق عن حزب "البديل من أجل ألمانيا"، وهو معادٍ للسياسات الألمانية بما يخص الوحدة الأوروبية]. يظهر في الملصقات رجل ملتحٍ ذو شعر أسود يغتصب امرأة بيضاء البشرة. هذا الملصق هو ترجمة لمقولة سافرانسكي: "الرجال الشباب يجلبون سلوكهم الفحولي معهم، والعنف، وهذا سيء للجميع ولكنه أكثر سوءاً للنساء". يا له من رعب مصطنع، من فن هابط!
لا يمكن تنوير السادة الكبار في السن. فإذا أثبت لهم المرء خطأ إحدى مقولاتهم، استلُّوا الحُكْمَ المسبق التالي من جيب معطفهم كساحر سوقي رخيص، وإذا لم يبقَ في جعبتهم شيء، يجرّوا الحديث إلى سعي الأجانب وراء الجنس. إنها الأحكام المسبقة، التي يقوم من خلالها السادة الكبار في السن بإسقاط خيالهم الجامح ورغباتهم المكبوتة على الأجانب.
اِندماج بلا أوهام
السير، معاً، في طريق الاندماج ليس بالأمر اليسير ويتطلب نوايا طيبة وإرادة قوية من الألمان ومن اللاجئين، فطريق الاندماج ليست مفروشاً بالورود ويتخلله انتكاسات. للمضي في الطريق، لابد من أن تكون أعصاب الطرفين قوية، وأن يتمتع الطرفان بصبر أكبر من صبر الجِمال. في نهاية الأمر وعندما ننجح في تحقيق الاندماج ستكون الكلمة لأحفادنا، ربما يأتي منهم يومها مديح رائع: مجتمعنا أصبح مجتمعاً تعددياً مسالماً. عندها ستفرح عظامي في القبر وستصير سماداً للكثير من النباتات والورود،التي ربما يتغذى عليها بعض طيور "الحسُّون". أَحَبُّ الطيورِ المغردةِ على قلبي. وهذه الطيور، مثل اللاجئين، مُعَرضة للتهديد.
الهوة الكبيرة بين المعرفة والحكمة
لا يملك مدعو الثقافة والمعرفة إعطاء أي نصيحة للساسة، وللمتطوعين لمساعدة اللاجئين، وللاجئين أنفسهم. لو فعلوا ذلك، وحتى لو ارتكبوا أخطاء، فإنهم كانوا يستحقون لقب المثقف الحكيم. ولكن لا، فهم لم ينبسوا ببنت شفة ليقدموا نصيحة حكيمة، لا بدافع عقلي ولا بدافع الشفقة، ناهيك عن دافع الحب. ولم يتوقف الأمر على ذلك فحسب، بل كانت ردة فعلهم تهكمية ضد كل من يساعد، وهم جالسين من بعيد إلى طاولاتهم في المقاهي والحانات.
إنها لظاهرة عجيبة، أن أغلبية المُحتقِرين للاجئين – من الجالسين إلى الطاولات – كانوا متطرفين يساريين. والآن عندما أظهر الشعب نياته بالنشاط السياسي وقرر أن يكون فاعلا وبأن يكون إنسانياً، وقد تعلم من تاريخه ذلك، أصبح أولئك الستالينيون مغرورين وتفوح منهم رائحة النتانة. تتجلى مناطقيتهم وبدائيتهم في كلماتهم المتحجرة وفي عدائهم للثقافات الأجنبية.
تنتهي حدود العقل، عندما يضلل صاحبَه ويقوده إلى الانتهازية والتهكم. وهذا ليس نادر الحدوث في أوقات الأزمة. ما ينفع هو فقط المحبة الشُّجاعة، التي لا تُشِيح بوجهها عن الضحية، والمحبة التي تعطي بلا سبب وبلا حساب. المحبة وحدها هي التي تتيح للناس التغلب على الأزمة، وتبني جسراً بين المعرفة والحكمة.
لماذا لدي(ولدى أبناء الأقليات) حساسية خاصة من كارهي الأجانب
ولدت في أقليتين تاريخيتين، إثنية ودينية: فأنا عشت كآرامي بين العرب وكمسيحي بين المسلمين. وكتب علي المنفى العيش في أقلية ثالثة جديدة: أن أكون أجنبياً في ألمانيا.
من يُكْتَب عليه المنفى من المنتمين لأغلبية (على سبيل المثال إيطالي كاثوليكي أو سُنّي سوري)، سواء كان عاملاً، أو منفياً سياسياً أو لاجئاً، يَبْقَ لوقت طويل كالأعمى ومشوشاً في محيطة الجديد. فهو لم يَعْتَدْ على أن يكون أقلية. يتعاطف المنتمون لأقلية تاريخية مع الأقليات بشكل سريع. فعلى سبيل المثال، لن يرتبط المنتمي للأقلية بعلاقة مع كارهي الأجانب، إلا في حال تحوُّلِ دماغه إلى كومة من البراز. مراقبتي لهذا الظاهرة على مدار 45 عاماً تؤكد هذا. أعرف بعض الحالات المحزنة، التي لا يسعني وصفها لأنها تصيبني بالقرف.
ليست الكياسة المبالغ فيها، بل التاريخ هو الذي يجبرني على مديح تلك الأغلبيات، التي – وفي خضم كل المشاكل – استطاعت التعامل بشكل جيد مع أقلياتها. لا داعيَ لأنْ يختبئ الألمان. يعيش الألمان منذ أكثر من خمسين سنةً بسلام مع الأقليات في ألمانيا. أمّا الأغلبية المسلمة في بلدي الأصلي، سوريا، ورغم الحملات الصليبية على مدار 200 سنة، ورغم الإستعمار الأوروربي الحديث فقد أتاحت لنا علىى الأقل البقاء على قيد الحياة. أرغب هنا بأن يقدم السادة (سافرانسكي، وسلوتردايك، وأولفكوتي) لي مثالاً مسيحياً واحداً يشبه ذلك التعايش في بلد مسلم كسوريا. هل هناك مثلاً أقلية فرنسية في ألمانيا، نجت بروحها خلال الحرب العالمية الأولى؟ حيث اشتد العداء بين ألمانيا وفرنسا. وهل نجا حي ألماني أو قرية ألمانية بالقرب من موسكو أو لينينغراد (سانت بطرسبرغ) في الحرب العالمية الثانية؟ الجواب: لا. لا يتوجب علينا قراءة هيرتا مولَر(حاملة جائزة نوبل للآداب التي كتبت حول هذا الشأن)، لنعرف كم عانت الأقليات الأوروبية خلال الحرب وبعدها. وشاهدي هنا هو التاريخ.
ماذا يتعلم، المنتمي لإحدى الأقليات التاريخية، منذ نعومة أظافره؟ يتعلم أن مَن يكرهون الأجنبي هم كارهو البشر. ولن يزحزحه عن موقفه الصلب هذا ضدهم أي أحد، وحتى لو بقي وحيداً.
رفيق شامي
الترجمة من الألمانية لموقع قنطرة: خالد سلامة
حقوق النشر: رفيق شامي 2016