محاكم مصر في عهد السيسي تحكم حتى على الأموات بالإعدام

الإشكالية الكبرى في حكم الإعدام الصادر بحق محمد مرسي - أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا - قد تكون هي الرسالة الخطيرة التي يوجهها هذا الحكم إلى الإسلاميين، ومضمونها أن المشاركة في العملية الديمقراطية غير مجدية، مثلما يرى الخبير السياسي والصحفي كريم الجوهري في تعليقه التالي لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: كريم الجوهري

لقد قام قضاء الانتقام المصري مجددا بعمل غير مألوف من خلال حكم الإعدام الذي أصدره بحقِّ الرئيس المصري الأسبق المنتخب في انتخابات ديمقراطية، محمد مرسي. وهذا الحكم يندرج ضمن مجموعة كبيرة من أحكام الإعدام الجماعية في مصر.

ومع إدانة الرئيس محمد مرسي تم الحكم أيضًا بالإعدام شنقًا على مائة وستة أشخاص قياديين آخرين من جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك على أعضاء من حركة حماس الفلسطينية ومن حزب الله اللبناني. وبما أنَّ منظمة العفو الدولية وصفت هذه المحاكمة التي تم إجراؤها إثر حادث هروب من السجن على أنَّها "عار" لا علاقة له بالإجراءات التي تستند إلى سيادة القانون، فإنَّ هذا مجرَّد نقد تم التعبير عنه بأسلوب بريء تقريبًا.

من الجدير بالملاحظة أنَّ بعض أعضاء حركة حماس ممن تم الحكم عليهم غيابيًا، كانوا في عداد الأموات، وبعضهم الآخر لم يكونوا أصلاً على قيد الحياة وقت ارتكاب الجريمة. وبالتالي فإنَّ المحاكم المصرية تحكم الآن على أموات بالموت. لا يحتاج المرء في الواقع إلى معرفة المزيد حول أسلوب عمل النيابة العامة وهذه المحكمة، من أجل تقييم الكفاءة المهنية في هذه القضية.

ومن أجل جعل الصورة الموجودة لدينا حول القضاء المصري كاملة، ربما لا يزال من الجدير بالذكر أنَّ وزير الداخلية وكذلك رئيس الأمن المركزي في عهد حسني مبارك أصبحا الآن طليقي السبيل، تمامًا مثلما هي الحال مع أصدقاء مبارك الفاسدين داخل عالم الأعمال والتجارة المصري. وعلى هذا النحو تتم تبرئة النظام القديم وفي المقابل يتم إصدار أحكام إعدام في حقِّ جماعة الإخوان المسلمين. من الواضح أنَّ ذلك يسير بحسب نظام ممنهج.

حكم الإعدام غير نهائي

والآن تمت إحالة ملفات الإخوان المسلمين المحكوم عليهم بالإعدام إلى مفتي البلاد من أجل الإداء برأيه فيها. وهنا تكمن سخرية القدر في أنَّ المفتي الذي قام الرئيس محمد مرسي ذات مرة بتعيينه في هذا المنصب، سوف يُوقِّع الآن هو بالذات - ومن بين جميع المفتين الموجودين في مصر - على حكم إعدام الرئيس محمد مرسي. وهذا يحمل تعابيرَ مسرحيةً شكسبيرية، تمت ترجمتها إلى واقع مأساوي.

وبعد ذلك في الثاني من شهر حزيران/يونيو القادم 2015 سوف تـُصدر المحكمة حكمها النهائي. ولكن بهذا لن تكون ملحمة محاكمة الرئيس محمد مرسي قد انتهت منذ فترة طويلة في محكمة جنايات القاهرة، بل سيبقى حينها بوسع مرسي والأشخاص الآخرين المدانين الاعتراض على هذا الحكم في محكمة النقض.

كذلك من المتوقَّع أن تشهد مصر تصعيدًا في وتيرة التفجيرات وربما أيضًا في الاحتجاجات التي ستخرج إلى الشوارع، على الرغم من أنَّ الرئيس عبد الفتاح السيسي وجهازه الأمني قد أثبتا في الأشهر الأخيرة أنَّ جهازهما القمعي يعمل ويستطيع الحفاظ على الهدوء النسبي.

ما من شكّ في أنَّ الجانب الأكثر إشكالية في هذا الحكم يتمثَّل في الرسالة الخطيرة التي يوجهونها إلى الإسلاميين، طبقًا لشعار: انظروا ما الذي يحدث عندما تشاركون في العملية الديمقراطية. ولكن ما هي النتائج السياسية التي من الجائز أن يستنتجها من ذلك الإخوان المسلمون الشباب؟ هل سيشعرون بأنَّهم لا يزالون ممثَّلين على أفضل نحو لدى جماعة الإخوان المسلمين؟ على الأرجح أنَّ جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية سيفرحون وينتظرون بأذرع مفتوحة هؤلاء الشباب الذين خابت آمالهم.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، هنا في الصورة مع وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، يلاحق الإخوان المسلمين بوحشية منذ قيامه بالانقلاب العسكري.  Foto: picture-alliance/EPA/ K. Elfiqi
Wenn Ursache und Wirkung vertauscht werden, dann ist ein Treffen zwischen Bundesaußenminister Frank Walter-Steinmeier und Präsident Abdel Fattah al-Sisi das Ergebnis. Autokratische Regierungsformen sind der Grund für den Erfolg radikaler und militanter Islamisten, und nicht umgekehrt. Dass die Regierungen Europas die Autokratie al-Sisis in Kauf nehmen, damit Ägypten "stabil" bleibt, ist alles andere als "salonfähig". Vielmehr noch ist das Justizsystem eine retrospektive Todesmaschine, die weder demokratisch Urteile verhängt, noch Vertrauen in die Demokratie als alternatives politisches System schafft. Kein Wunder, wenn junge Muslimbrüder sich der "angemessenen" Politikmacherei des IS zuwenden.

الحكام المستبدون العرب كضامنين للاستقرار؟

وماذا عن الغرب؟ قادة الغرب يقترفون الخطأ نفسه مثلما كانت الحال في العقود الأخيرة قبل الثورات العربية، ويعتمدون من جديد على الأنظمة القمعية لضمان الاستقرار. هذه الأنظمة التي استولت على الثورات العربية، وقامت في كثير من الأحيان بتحويلها إلى حروب أهلية وفوضى، لكي تجعل الثورة بعد ذلك مسؤولة عن الحروب الأهلية والفوضى وتقدِّم نفسها كمنقذ. وقد حقَّق ذلك نجاحًا مدهشًا.

لا يزال الساسة في الغرب يغازلون مثل ذي قبل الحكام المستبدين في دول الخليج. كما أنَّ رئيسًا مثل عبد الفتاح السيسي يعتبر شخصًا مقبولاً ومرحبًا به في العواصم الأوروبية. والآن صار يُنظر في الخفاء حتى إلى سفَّاح سوريا، بشار الأسد، على أنَّه أفضل بديل.

وهنا يقع الغرب مرارًا وتكرارًا في الفخ نفسه الذي نصبه الحكام العرب المستبدون، الذين يقولون للغرب: "إذا كنتم لا تريدون تنظيم الدولة الإسلامية، فيجب عليكم أن تقتنعوا بنا". غير أنَّ الأنظمة العربية القمعية والإسلامويين المتشدِّدين يعتبرون في الواقع وجهان لعملة واحدة. فهم يعتمدون بعضهم على بعض اعتمادًا متبادلاً، كما أنَّ كلَّ طرف منهما يبرِّر وجوده بوجود الطرف الآخر. إنَّ الحكام العرب المستبدين ليسوا حصنًا يواجه الإسلاميين المتطرِّفين والمتشدِّدين، بل هم سبب ظهورهم وتحقيقهم مثل هذا القدر من النجاح.

 

كريم الجوهري

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de