الملكة نور: دعوة إسلامية لتحول العالم كلياً إلى الطاقات المتجددة
الإعلان الإسلامي بشأن تغير المناخ، والذي وَقَّع عليه علماء مسلمون من مختلف أنحاء العالم في أغسطس/آب 2015 يدعو الدول إلى التخلص التدريجي من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري العالمي وإلى التحول إلى الطاقة المتجددة بنسبة 100%. ونظرا لأن 1.6 مليار نسمة من سكان العالم يدينون بالإسلام، فإن هذا البيان الجماعي يرسل إشارة قوية قبل مؤتمر قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المنعقد في وقت لاحق، ومؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في باريس في ديسمبر/كانون الأول 2015.
مسؤولية المسلمين كغيرهم على كوكب الأرض
الواقع أن هذا الإعلان الذي صدر خلال ندوة استمرت يومين وتناولت الإسلام وتغير المناخ في اسطنبول، يفسر لماذا ينبغي للمسلمين أن يكونوا نشطاء مسؤولين على رفاهية كوكب الأرض، وأن يعرضوا سلسلة من المطالب على زعماء العالم ومجتمع الأعمال العالمي.
فأولا، يدعو الإعلان صناع السياسات المسؤولين عن صياغة الاتفاق الشامل بشأن المناخ والذي من المقرر أن يعتمده المجتمعون في باريس إلى التوصل إلى "نتيجة عادلة وملزمة". وينبغي للاتفاق أن يحدد أهدافاً واضحة وأن ينشئ السبل اللازمة لمتابعة تحقيق هذه الأهداف. وبالإضافة إلى هذا، ينبغي للبلدان المزدهرة والبلدان المنتجة للنفط أن تتخلص تدريجياً من الانبعاثات التي تطلقها من ثاني أكسيد الكربون في موعد أقصاه منتصف هذا القرن؛ فتتحول بعيداً عن "التربح غير الأخلاقي من البيئة"؛ وتستثمر في الاقتصاد الأخضر.
وثانيا، يطالب الإعلان الناس والقادة من مختلف دول العالم بالالتزام بالطاقة المتجددة بنسبة 100% والاستعانة باستراتيجية لخفض الانبعاثات إلى الصِفر في أقرب وقت ممكن، والاعتراف بأن النمو الاقتصادي غير المحدود ليس بالخيار القابل للتطبيق. وعلاوة على ذلك، لابد أن تكون تدابير التكيف بين أولى الأولويات، وخاصة لصالح الفئات الأكثر ضعفاً وعُرضة للخطر. وقطاع الأعمال مُطالَب بشكل خاص بالاضطلاع بدور أكثر نشاطاً في الحد من بصمته الكربونية، والالتزام بالطاقة المتجددة بنسبة 100% والحد من الانبعاثات إلى الصِفر، وتحويل الاستثمارات إلى الطاقة المتجددة، وتبني نماذج عمل أكثر استدامة، والمساعدة في سحب الاستثمارات من الوقود الأحفوري.
الحفاظ على المخلوقات جزء أساسي من الإسلام وبقية الأديان
وأخيرا، يصدر الإعلان نداءً إلى "كل المسلمين أينما كانوا" يستند إلى اقتباسات من القرآن الكريم. فالحفاظ على المخلوقات يشكل جزءاً أساسياً من الرسالة الإسلامية، كما يشير الإعلان، والبشر هم المسؤولون حالياً عن إهدار وتبديد النعم التي منحها الله إياهم.
تخبرنا الآية الخامسة والأربعين من سورة النور في القرآن كيف خلق الله كل مخلوق حي من الماء، (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ)، ويعلمنا الحديث الشريف أننا "مستخلفون في الأرض":
"إنّ الدنيا حلوةٌ خضِرة، وإنّ الله مستخلفُكم فيها... وَجُعِلَتْ لي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورا... ما مِن مُسلم يَغرِسُ غَرْسًا أو يَزرَعُ زَرْعًا فيأكُلُ مِنه طَيرٌ أو إنسَانٌ أو بهيْمَةٌ إلا كان لهُ بهِ صَدقَة".
تؤكد هذه الرسالة على أمثلة أخرى موجودة في العديد من العقائد والأديان، والتي تدعونا إلى التحلي بقدر أكبر من الرحمة والحكمة في استخدامنا لموارد هذا الكوكب، وحماية كل المخلوقات. وكما تقول تعاليم البوذي زا تشوجي رينبوتشي، التجسد السادس لزاتشوجي رينبوتشي:
"عندما تجرح أي جزء من نظام العالم، فإنك بهذا تجرح نفسك. وينبغي لك أن تفكر في الحياة على هذا الكوكب من منظور الأنظمة المتكاملة وليس العناصر المنفصلة. ولتدرك أن البيئة لا تنتمي إلى أي بلد بعينه حتى يصبح بوسعه أن يستغله ثم يتجاهله".
إن الإعلان الإسلامي بشأن تغير المناخ، مثله كمثل المنشور البابوي الأخير، يُعَد دعوة موجهة إلى البشرية، بصرف النظر عن العقائد الدينية، لحث الناس جميعاً على العمل معاً من أجل حماية الكوكب الذي تعتمد عليه حياتنا. وكلي أمل في أن يوفر هذان الإعلانان الحافز للتحولات في السياسات، على النحو الذي يسمح بالحد من الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون بشكل أكثر عمقاً وأوسع نطاقا.
بيانات إيمانية تاريخية
إن مثل هذه البيانات إيمانية تاريخية وتأتي في الوقت المناسب تماما، حيث تسعى بلدان العالم إلى تنفيذ الاتفاقيات العالمية في مجالات تتراوح من تغير المناخ إلى أهداف التنمية المستدامة وإنشاء المحميات البحرية في أعالي البحار. ومن الأهمية بمكان أن نتذكر أن سطح الأرض تَغلُب عليه في المقام الأول المحيطات، التي تلعب دوراً بالغ الأهمية باعتبارها بالوعة للكربون وأداة لتنظيم المناخ. فالمحيطات تمتص سنوياً ما يقرب من 25% من كل الانبعاثات التي يطلقها البشر من ثاني أكسيد الكربون، ونحن الآن نفرط في إنهاك هذه القدرة.
لقد تسبب الكربون المذاب في المحيط في تغيير تركيبته الكيميائية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع حمضيته بنسبة 30% منذ بداية الثورة الصناعية. والآن تعتمد صحة المحيط إلى حد كبير على خفض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون في غضون العقود القليلة المقبلة، قبل أن تفلت مستويات التحمض في المحيط من تحت السيطرة وتتغير مستويات سطح البحر جذريا.
وبحكم انتمائي إلى مجموعة حكماء المحيط، فقد اشتدت عزيمتي بفضل تأكيد البابا فرانسيس في منشوره على الحاجة إلى إيجاد آليات صارمة لتنظيم البحار المفتوحة ومراقبتها ــ وهي خطوة حقيقية إلى الأمام في هذا الصدد. ذلك أن أعالي البحار تُعَد المشاع العالمي الأعظم الأخير المتبقي على الأرض، والتي تمثل ما يقرب من 50% من سطح كوكب الأرض، ومن الواضح أن التهديدات المتعددة التي تواجهها أعالي البحار تتطلب التضامن العالمي والعمل العالمي المشترك.
ضرر هائل تلحقه البشرية بالأنظمة البيئية الطبيعية
في شهر يونيو/حزيران 2015، أيدت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالإجماع القرار الصادر عن الجمعية العامة والذي يقضي بالتفاوض على اتفاق دولي جديد لحماية الحياة البحرية في أعالي البحار. والواقع أن إحياء وتجديد وفرة التنوع البيولوجي من الأنواع في واحد من أكثر أنظمة دعم الحياة أهمية على كوكبنا يشكل ضرورة أساس لبناء قدرة الأرض بالكامل على الصمود في وجه تغير المناخ والتكيف معه.
أشار كثيرون إلى أننا الجيل الأول الذي يتوصل إلى أدلة دامغة تؤكد على الضرر الهائل الذي تلحقه البشرية بالأنظمة البيئية الطبيعية، ولعله الجيل الأخير القادر حقاً على القيام بأي شيء حيال ذلك. فالآن هو الوقت الحرج للتعددية، والحوارات المتعددة الأديان والعقائد، ولعل الأمر الأكثر أهمية هو المشاركة النشطة.
نحن جميعاً بشر نعيش على الأرض وتعتمد عليها حياتنا. ونحن جميعاً مؤتمنون على رعاية هذا الكوكب. وبوسعنا، بل يتعين علينا، أن نفعل هذا من خلال صياغة اتفاقات جريئة بشأن المناخ وحماية المحيط ودمجها معا ــ بصرف النظر عن أي معتقدات أو ظروف أو أي اعتبارات أخرى. فالعلم ينبئنا بأننا لابد من أن نتحرك؛ وتلزمنا عقائدنا وإنسانيتنا بالقيام بذلك الآن.
نور الحسين
ترجمة: مايسة كامل
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2015
نور الحسين هي ملكة الأردن وعضوة هيئة حكماء المحيطات الذين يعملون مع شركائهم من أجل حماية المحيطات المائية وحياتها البرية.