جرائم الشرف في الأردن
كانت القصة التي سمعتها الصحفية الأردنية رنا حسيني قبل عشر سنين في عمّان مأساوية جدًا: أخ يقتل أخته لأنها لطّخت سمعة الأسرة. لاقت هذه الفتاة مصرعها بعد معاناة طويلة: إذ أنها اغتُصبت عدة مرات من قبل أخيها وأخيرًا حبلت منه. أما أسرتها فقد حمّلتها الذنب على ذلك وأجبرتها على الإجهاض. ثم زوّجها والداها من رجل عمره ٥٠ عامًا، قام بطردها من جديد بعد ستة أشهر. وفي نفس اليوم الذي رجعت فيه الفتاة إلى أسرتها تم قتلها.
خلق وعي عام
القصة هذه كانت بمثابة الصدمة لرنا حسيني، وكان ذلك سنة ١٩٩٣ . كانت حسيني قد عادت لتوها من الولايات المتحدة الأمريكية، لكي تعمل لدى صحيفة الـ"جوردان تايميز" اليومية كمراسلة في المحاكم. ومنذ ذلك الحين أخذت الصحفية البالغ عمرها ٣٧ عامًا على عاتقها توثيق ونشر جرائم القتل هذه التي ترتكب من أجل الشرف، لأنها اكتشفت أنه لا أحد يتكلم عنها:
"حمّلت نفسي مسؤولية القول للجميع إن هؤلاء النساء يستحقون الحياة. وليس من حق أحد أن يقتلهن". عندما نشر في اليوم التالي في الـ"جوردان تايمز" التقرير عن قتل الفتاة البالغ عمرها ١٦ عامًا، تلقت هيئة تحرير الصحيفة مكالمات هاتفية غاضبة من قبل رجال ونساء أيضًا، لأنها تقدم صورة خاطئة عن المجتمع الأردني حسب رأيهم.
ليس تقليدا إسلاميًا
ومنذ ذلك الحين أصبح جهل الأردنيين بالنسبة للمراسلة الصحفية حافزًا قويًا، يحضّها على توثيق جرائم الشرف التي لا زالت ترتكب حتى يومنا هذا. فهي تقوم بذلك منذ عام ١٩٩٤، وتتلقى الدعم الدائم من قبل هيئة تحرير صحيفتها.
وتوثق رنا حسيني من ٢٠ إلى ٢٥ جريمة شرف ترتكب سنويًا في الأردن، وتقدر وقوع نحو خمس جرائم أخرى في السنة التي لا يتحدث عنها أحد. يحدث قتل النساء من أجل الشرف بعد اغتصاب أو حمل أو لأسباب تتعلق بالإرث:
"يعتقد الكثيرون أن جرائم القتل هذه تقع فقط ضمن بيئات إسلامية، بيد أن هذا لا يمت لدين الإسلام بشيء. نجد هذه الأفعال عند الشرائح الفقيرة وغير المتعلمة، التي تفسّر الدين تفسيرًا خاطئًا، وهو فعل له علاقة بالثقافة والتراث الشعبي".
اعتراض على القضاء الأعمى
واكتشفت حسيني أثناء تحرياتها أن القضاء الأردني كثيرًا ما يصنّف مثل هذه الجرائم الخطيرة كأفعال صغيرة:
"لا يحكم على القتلة إلاّ بعقوبات سجن قصيرة المدة. لقد شاهدت عدة مرات أن عقوبات السجن التي ينطق بها القضاة لا تتراوح إلا بين ستة أو حتى ثلاثة أشهر".
وينظر قانون العقوبات الأردني حتى الآن إلى القتل من أجل الشرف كجنحة طفيفة وكسلوك يبرره عمل الضحية "الباطل" و"الخطير". وحسب المادة ٣٤٠ من قانون العقوبات الأردني لا يُحكم على الجناة في مثل هذه الحال بأية عقوبة أو يحصلون على تخفيض كبير في مدة العقوبة.
نتيجة للنشاطات التوثيقية التي تقوم بها رنا حسيني، اتجهت أنظار المنظمات غير الحكومية إلى هذه المشكلة، وكذلك منظمة العفو الدوليةالتي منحتها في عام ١٩٩٧ جائزة، لم تكن الأخيرة التي أحرزتها:
"عندما انتبهت وسائل الإعلام العالمية إلي وإلى نشاطاتي المناهضة لجرائم الشرف، بدأت مشكلتي. لقد تلقيت رسائل تهديد ورسائل إلكترونية ومكالمات هاتفية، وقبل كل شيء من رجال يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية، كانوا يطلبون مني أن أكف عن الكتابة عن ذلك". وينتمي أغلب معارضوها إلى أوساط محافظة أو إسلامية.
مبادرة ضد الجرائم
رغم ذلك استطاعت رنا حسيني أن تجعل من جرائم الشرف موضوعًا عامًا في الأردن وتُعقد بشكل علني مناقشات حادة حول المشكلة. وأعلنت العائلة المالكة دعمها لمكافحة الظاهرة؛ كما تنوي الحكومة تغيير القانون وبناء ملاجئ للنساء لم تكن موجودة حتى الآن. إذ يكمن الملاذ الوحيد من مطاردة الأسرة في السجن الوقائي:
"لا يوجد لدى هؤلاء النساء أمل آخر. لهذا السبب يعيش أكثر من ٥٠ امرأة في السجون، مع مجرمات خطيرات" على حد وصف الصحفية التي تقوم باستمرار بزيارة هؤلاء النساء. وبعض النساء يعشن في ظل هذه الظروف منذ ما ينيف عن عشر سنين. لهذا السبب لا بد للدولة من أن تسرع في إقامة بيوت للنساء؛ فرنا حسيني تعرف أنه: "لا يمكن إلاّ للدولة أن تقوم بحمايتهن".
تنتقد رنا حسيني عدم تنفيذ أي شيء حتى الآن تقريبًا مما وعدت به الحكومة. لهذا السبب لا بد من أن يحظى هذا الأمر في المستقبل باهتمام عالمي وأن يمارس ضغط على السلطات الأردنية:
"يجب علينا أن نفعل شيئًا، لكي نوقظ ضمير المجتمع تجاه هذا الموضوع ولكي نضع نهاية للجرائم غير الإنسانية هذه. والشيء الحسن في الأردن أننا لدينا مجتمع منفتح نسبيًا، بحيث أننا نستطيع على الأقل التحدّث عن المشكلة".
بقلم بترا تابيلينغ، قنطرة 2004 ©
ترجمة رائد الباش