العنصرية في ألمانيا...جزء من حياة المهاجرين المغاربة
"أكثر من 100 طلب عمل تقدمت بها شابة مغربية محجبة في ألمانيا ولم يأتِ الرد على واحد منها بالإيجاب لدرجة أنه قيل لها في مرات وبشكل مباشر أن حجابها هو السبب. وفي نهاية المطاف اضطرت لتغيير مجال عملها بالكامل إلى مجال آخر. محجبة مغربية أخرى عاشت تجربة عنصرية قاسية عندما كانت تجلس داخل حافلة وجاءت ألمانية بصقت على وجهها".
هاتان القصتان مجرد نموذجين من قصص كثيرة لمغربيات ومغاربة يعيشون أنواعا مختلفة من التمييز في ألمانيا كما تخبرنا بذلك كريمة بنبراهيم مديرة مركز التوثيق والمعلومات لمناهضة العنصرية في ولاية شمال الراين وستفاليا.
قصص تؤكدها على نطاق أكبر دراسة جديدة أجراها مجلس الجالية المغربية بالتعاون مع معهد إيبسوس للأبحاث. نتائج الدراسة خلصت إلى أن 64 في المائة من الشباب المغربي في دول أوروبية يواجهون صعوبة في إيجاد عمل، بينما 57 في المائة يواجهون صعوبات في إيجاد سكن، و42 في المائة تواجههم صعوبات في ممارسة شعائرهم الدينية.
[embed:render:embedded:node:40540]
العينة التي خضعت للبحث تشمل 1433 مهاجرا من جنسية مغربية تترواح أعمارهم بين 18 و35 عاما ويعيشون في دول الهجرة الرئيسية، وهي: فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا وألمانيا. فما هي أسباب التمييز الممارس على هذه الفئة في ألمانيا، وكيف يمكن مكافحته؟
عنصرية خفية
الدراسة التي تأتي في إطار الجدل الدائر عالميا حول موضوع العنصرية وعنف الشرطة، تقول إن المهاجرين المغاربة الذين يشكلون إحدى أهم الجاليات الأجنبية في أوروبا تعرضوا عدة مرات للتمييز في الدول التي يعيشون فيها، و"هذا التمييز لا يتعلق فقط بعنف الشرطة أو بالهجوم والمضايقات في إطار سياسي، بل أيضا بأشكال مختلفة من التمييز الاجتماعي والاقتصادي المرتبط بالحصول على وظيفة أو سكن أو حرية الممارسة الدينية".
وفيما يخص ألمانيا فإن أكبر صعوبة تواجه الشباب المغربي في هذا البلد بحسب الدراسة هو العثور على سكن، إذ عبرت نسبة 69 في المائة عن مصادفتهم صعوبات في هذا الأمر، بينما عبرت نسبة 60 في المائة عن صعوبة إيجاد عمل، وصرح 58 في المائة عن وجود عراقيل تواجههم في ممارسة شعائرهم الدينية.
وعن الصعوبات التي تواجه الشباب المغاربة في إيجاد عمل يقول محمد عسيلة الخبير والمستشار المغربي في شؤون الهجرة والاندماج في تصريحات لدويتشه فيله إن الشباب المغاربة الذين يحاولون الحصول على عمل أو حتى تدريب أو التسجيل في الجامعات يصطدمون بتراتبية هرمية غير معلنة تعطي الأولوية في هذه الأمور للألماني ثم الأوروبي وبعدها يأتي هؤلاء.
في هذا السياق يحكي لنا نافع وهو شاب مغربي مقيم في ألمانيا منذ 14 عاما تجربته الخاصة. يقول نافع، الذي يقطن في ضواحي فرانكفورت، إنه جاء إلى ألمانيا ومعه شهادة جامعية في مجال التسويق تمكن من معادلتها في ألمانيا بالإضافة إلى خبرة 7 سنوات من العمل في المغرب في المجال البنكي. وقد اشتغل في ألمانيا أيضا لمدة 4 سنوات موظفا في بنك مغربي.
بعد هذه التجربة، بدأت المشاكل مع الجوب سنتر وهي هيئة رسمية تابعة للوكالة الاتحادية للعمل: "أردت الحصول على تدريب يؤهلني للعمل في مجال التصدير والاستيراد لأن هذا بالأساس مجال تخصصي في دراستي بالمغرب، لكنني اصطدمت بعراقيل بدأت بالتعامل السيء، ثم قرار الموظف بإرسالي إلى تدريب آخر يتعلق بصياغة السيرة الذاتية مع أني لم أكن أحتاجه".
يقول الشاب المغربي إنه فعل كل شيء للحصول على التدريب المطلوب حتى أنه أحضر موافقة من شركة على أن يعمل لديها بعد إجرائه هذا التدريب أملا منه أن يعزز بذلك طلبه. مع كل ذلك جاءه الرفض وطُلب منه أن يتوجه بدلا من ذلك إلى درس لغة رغم أن لغته الألمانية جيدة بحكم السنوات الطويلة التي عاشها هنا كما يقول.
يضيف الشاب "بما أن المسألة لا تتعلق بمصاريف، لأن الدورات التي قرر الموظف إرسالي إليها ستكلف الجوب سنتر أيضا مبالغ مهمة بالإضافة إلى المبلغ الذي يدفعونه لي شهريا لأني عاطل عن العمل، وفي ظل الإصرار على رفض إرسالي للتدريب رغم موافقة الشركة لم أجد سببا آخر سوى أن هناك تمييزا ضدي".
دور الإعلام
ويقول الخبير المغربي محمد عسيلة إن المغاربة يعانون من أحكام قيمة مسبقة تلاحقهم وخاصة في ألمانيا: "الألماني مختلف عن الفرنسي والبلجيكي فهو لم يستوعب بعد تماما أن هذا المجتمع متنوع وهذا الأجنبي جزء منه وليس بالضرورة شخصا عاطلا لا يريد أن يعمل أو مشروع مجرم".
وحول إنْ كانت ممارسات التمييز ضد فئة الشباب المغاربة في ألمانيا ترقى إلى مستوى ظاهرة أم أنها تبقى في مستوى ممارسات معزولة، يقول عسيلة إنه يمكن القول إن هذه الممارسات هي فعلا ظاهرة في شرق ألمانيا بحسب الإحصاءات وأيضا بعض المؤشرات منها ظهور حركة بيغيدا المعادية للإسلام في هذه المنطقة.
د. ياسمين المنور الباحثة الألمانية في الشؤون الإسلامية والهجرة تشاطره أيضا القول إن شرق ألمانيا يشهد ارتفاعا أكبر في ظاهرة العنصرية ضد المسلمين مقارنة مع غرب البلاد رغم أن عدد المسلمين في الشرق أقل بكثير. وتضيف المنور في مقابلة مع دويتشه فيله أن ذلك "قد يرجع لأسباب منها أن هجرة العمالة المسلمة إلى غرب ألمانيا ظاهرة قديمة وحدث احتكاك وتواصل وتعود أكبر، بعكس الولايات الشرقية حيث ما تزال هذه الهجرة ظاهرة جديدة".
المنعطف...ليلة رأس السنة 2016
يشار إلى أن دراسة أجريت السنة الماضية 2019 أفادت بأن أكثر من نصف الألمان يعتبرون الإسلام تهديدا. وفي مطلع شهر يونيو / حزيران 2020 صرحت الهيئة الاتحادية الألمانية لمكافحة التمييز بأن وقائع الإهانات والتمييز ضد أفراد بسبب لون بشرتهم صارت منتشرة على نطاق واسع في ألمانيا.
وقال المدير المؤقت للهيئة، برنهارد فرانكه، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية إن "التمييز صار ظاهرة يومية. يمكنني أن اقول ذلك من واقع تجربتنا.. الهيئة موجودة منذ عام 2006، واستقبلنا منذ ذلك الحين نحو 28 ألف بلاغ"، مضيفاً أن هذا يدل على أن الأمر لا يتعلق بحالات فردية.
من جانبها تشير المنور إلى مسألة أن العنصرية باتت ملاحظة الآن أكثر من ذي قبل ليس فقط لأنها زادت بل أيضا لأن الجيل الأول من المهاجرين المسلمين كانوا يعانون من العنصرية بشكل كبير لكنهم لم يكونوا يتحدثون عن الأمر لأنه لم تكن لديهم انتظارات أن تتم معاملتهم كالسكان الأصليين، بينما الجيل الثاني والثالث مختلفون فهم يطالبون باعتراف ومعاملة بالمثل.
ويوجد نوع من الإجماع بين الخبراء على أن أحداث التحرش الجماعي بنساء في كولونيا ليلة رأس السنة 2015-2016 أثرت على موضوع التمييز ضد المغاربة والمهاجرين من شمال أفريقيا عموما.
يُذكر أن أحداث التحرش تحولت وقتها إلى قضية رأي عام خلفت ضجة كبيرة وشغلت الإعلام لشهور وأرخت بظلالها حتى على قرارات سياسية مهمة. وتقول كريمة بنبراهيم "إن صورة الشباب المغاربي والمغربي خصوصا تضررت كثيرا بسبب هذا الجدل رغم أن ما آلت إليه نتائج التحقيق أظهر أن ما تم تصويره في الإعلام في البداية لم يكن هو الواقع. مع ذلك بقيت هذه الصورة ويعاني منها الكثيرون الآن".
من جانبها تقول المنور "إن الشباب المسلمين عموما تلاحقهم دائما أحكام مسبقة. ما تغير بعد الأحداث هو أن الجنسية التي كان يتم التركيز عليها بشكل أكبر هم الأتراك بحكم عددهم الكبير في ألمانيا، أما العرب والمغاربيون فقد باتوا أيضا مستهدفين أكثر منذ أحداث ليلة رأس السنة".
وعما يمكن فعله للتخفيف من حدة هذه الظاهرة، يقول محمد عسيلة إن "جهود الكثير من الأطراف المختلفة يجب أن تتكاتف معا لتحقيق النتائج المرجوة". والمقصود هنا بالدرجة الأولى الأسر والمدراس والهيئات التطوعية ومكتب شؤون الأطفال واليافعين والمساجد بالإضافة طبعا إلى دور السياسة.
أما التعاون بين كل هؤلاء "فيمكن أن يكون على شكل دورات تدريبية للأسر وتنسيق مثلا بين المدارس والمساجد، وإن اختلفت الآراء والتوجهات مادام الهدف واحد"، كما يقول عسيلة.
سهام أشطو
حقوق النشر: دويتشه فيله 2020