أنموذج للشفافية ومنارة للتسامح
تثير مشاريع بناء المساجد في ألمانيا غالبًا جدالات حادة تنطلق مع مراحلها التحضيرية. وينطبق هذا الأمر على المدن الكبيرة مثل ميونيخ وكولونيا. والسبب في هذه النقاشات يعود لإحساس كثير من المواطنين غير المسلمين بتقييد حياتهم اليومية من خلال بناء بيوت العبادة الضخمة على مقربة منهم. بيد أن الكثيرين يرتابون أيضًا من المساجد الموجودة في الساحات الخلفية والمتوارية غالبًا عن أعين جمهور عريض من المواطنين، إذ يخشون من أن تدفع وتساعد أماكن العبادة هذه على إنشاء "مجتمعات موازية" للمجتمع الأساس في ألمانيا.
غير أن الناس في مدينة بينتسبرغ في جنوب مقاطعة بافاريا لا يعرفون مشاكل كهذه، إذ أفلحت الجالية المسلمة في الاندماج بالمجتمع، كما ساهم بناء المسجد الجديد في تحقيق ذلك بحسب رأي المسؤولين هناك.
شفافية وعصرية
انطباعات من المكان: تنعكس صور السيارات المارّة على الشارع السريع على زجاج الواجهات الواسعة للمسجد الجديد. وإذا اقترب المرء كثيرًا من ألواح الزجاج، سيرى عشرات الرجال ممن يسجدون أثناء الصلاة متوجهين في ذلك صوب مدينة مكة باتجاه جنوب شرق. هنا على أطراف مدينة بينتسبرغ البافارية، حيث تلوح جبال الألب في الأفق، يلتقي المسلمون القاطنون في مدينة بينتسبرغ وفي المناطق المحيطة. ويبلغ عدد أعضاء الجالية هناك قرابة 600 شخص.
بالكاد يمكن التعرّف للوهلة الأولى على أن المبنى مركز للجالية المسلمة، كما لا يعلو نداء المؤذن عند أوقات الأذان أيضًا. ولا يدل على المنارة إلا برج عالٍ يقع على أحد أطراف المبنى ذي اللون الرملي والشكل المكعب، ويتم دعوة المؤمنين للصلاة من خلال كتابات عربية تظهر على البرج. ويفيض الضوء داخل المبنى حيث تجتمع مجموعة من الزائرين أمام قاعة الصلاة.
مسجد مميز
"غونول يرلي" نائبة مدير المنتدى الإسلامي تقود مجموعة من الزوار من حزب الإتحاد الاجتماعي المسيحي من مدينة ميونيخ عاصمة ولاية بافاريا على السجاد الأزرق لقاعة الصلاة، حيث يمكن مشاهدة السيارات المارّة في الخارج عبر الواجهات الزجاجية والعمدان المتوجة بالأقواس المشيّدة على شكل رقائق، وفي منتصف القاعة يرتفع سقف يتوسط فضاءها تعلوه شرفة قاعة خاصة بالنساء. هنا لا يمكن لأفراد الجنسين أن يروا بعضهم بعضا.
على الرغم من ذلك تقود "غونول يرلي" مجموعات من الزائرين في منتدى الإسلام كل يوم تقريبًا، فالتفاهم بين الأديان يعتبر من أهم القضايا في جاليتها. "يهمنا بشكل خاص أن لا يبدو المبنى بوصفه مسجدًا بشكل عام، بل بوصفه مسجدًا عصريًا. وتعد الشفافية جزءًا من هذه العصرية، ما يعني أيضًا إزالة بعض الأحكام المسبقة والكثير من المخاوف القائمة لدى الناس من خلال الطابع المعماري للمبنى. لذلك كنا معنيين للغاية بأن يكون ستون بالمائة من واجهات المسجد مبنية من الزجاج".
مقهى صغير مكانًا للقاءات
إلا أن الجالية بادرت بمشاريع أخرى في سبيل دعم الحوار بين المسلمين وغير المسلمين. فقبالة قاعة الصلاة يوجد دار للكتب والوسائط المتعددة الأخرى تحتوي على نحو ستة آلاف عنوان، حيث يمكن لأي راغب أن يستعير أدبيات تتناول مواضيع الدين أو الثقافة أو الفلسفة الإسلامية، كما يمكن طلب الكثير من الكتب عن طريق الإنترنت. وعما قريب سيتم بناء مقهى صغير أيضًا ليصبح مكانًا للقاءات.
تجري حاليًا دورة اندماج للنساء في الطابق السفلي تقدمه "كلية فايلهايم للتعليم" Bildungskolleg Weilheim بالاشتراك مع منتدى الإسلام. كما تتم رعاية أطفال النساء الشابات على وجه الخصوص في أوقات الدورة في قاعة مجاورة. وتعتبر الأخصائية التربوية نرمينا إدريس هذا العرض لأطفال النساء المشاركات أمرًا مفصليًا حيث تقول بهذا الصدد:
"تعتبر خدماتنا اللتي نوفرها لهم تحضيرًا لروضة الأطفال بالدرجة الأولى، إذ يطلع الأطفال على الكثير قبل ذهابهم إلى الروضات، ويتعلمون التعاطي مع قواعد السلوك واستعمال أهم العبارات وما إلى ذلك. قلنا لدى بداية المشروع أن رعاية الأطفال مهمة وإلا لن تُقبل الأمهات على الدورة. وعند حضور الأطفال إلى هنا لا بد من أن نغتنم الفرصة ونقويهم لغويًا".
كما يتم تقديم دروس إضافية منتظمة لتلاميذ المدارس في أوقات بعد الظهر، وتعطي "غونول يرلي" دروسًا في الديانة الإسلامية باللغات الألمانية والتركية والبوسنية في نهايات الأسبوع.
الانفتاح على غير المسلمين
يولي المنتدى الإسلامي الذي ينتمي إليه مسلمون من بلدان مختلفة مثل تركيا والبوسنة وألبانيا أهمية كبرى لإسلام ذي طابع أوروبي. ويعني الإمام "بنيامين إدريس" بهذا: التحرر من الإسلام القائم في الموطن القديم والانفتاح على غير المسلمين هنا. إلا أن الإمام الشاب يعرف تمام المعرفة أن هذه النظرة لا تلقى الترحاب لدى جميع أعضاء الجالية إذ يقول:
"إن ما نقوم به في مدينة بينتسبرغ هو شيء جديد على الأقل في مقاطعة بافاريا، الأمر الذي يقابل بالريبة من قبل العديد من الجاليات ومن بعض المسلمين. لكننا نعلم أن هذا هو الطريق الوحيد بالنسبة لأوروبا. ومع مرور الوقت أسمع ردود فعل إيجابية من المسلمين. إن ما نفعله هنا مهم وصحيح وهو البديل الوحيد. وسيخطو معظم المسلمين في المستقبل في هذا الاتجاه."
تؤكد مدينة بينتسبرغ أيضًا على أن جهود الجالية الإسلامية الساعية للاندماج تؤتي أكلها. ويقول المستشار الثقافي توماس زيندل بهذا الخصوص:
"تثمن المدينة العروض التي تقدمها الجالية الإسلامية تثمينًا إيجابيًا للغاية. وقد أدى الحوار مع الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية في نهاية المطاف إلى تقبل الجالية الإسلامية وتقبل عروضها بشكل ممتاز، كما غدت الجالية الإسلامية راسخة بثبات في النسيج الاجتماعي".
ويفترض أن ثلث سكان مدينة بينتسبرغ البالغ عددهم ست عشرة ألف نسمة قد زاروا المنتدى الإسلامي حتى الآن لمرة واحدة على الأقل. وعلى سؤال: ما هو سبب نجاح التفاهم بين الأديان؟ تجيب السيدة نرمينا إدريس الأخصائية التربوية في المنتدى إن ذلك يعود لاعتبار أعضاء الجالية ألمانيا وطنهم. علاوة على ذلك ونظرًا لتعدد القوميات داخل الجالية تم الاتفاق على اعتبار اللغة الألمانية لغة مشتركة، الأمر الذي سهّل الانفتاح بشكل كبير.
فرانسيسكا تسيخر
ترجمة: يوسف حجازي
دويتشه فيله 2008
قنطرة
فيلم "إستيراد وتصدير" للمخرجة التركية إنوسوز:
قرون من التبادل الثقافي بين تركيا وألمانيا
تُلقِي صانعة الأفلام "إرِن إونِوسِوز" عبر فيلمها "استيراد وتصدير" نظرةً الى أكثر من خمسة قرون من العلاقات الألمانية التركية، داعية المشاهدين إلى رحلةٍ استكشافيةٍ مليئةٍ بالمعرفةِ وبالتسليةِ على حدٍ سواء. تقرير أريانا ميرزا
الإسلام في ألمانيا:
تهويل في الرؤية القائمة تجاه هذا الدين
فيما يتواصل الجدل في ألمانيا حول "المسلمين" و"الإسلام" فإن ذلك يتزامن مع تهميش تام للنظرة القائمة إلى عدد كبير من المشاكل الراهنة كوضع المهاجرين سواء من الزاوية القانونية أو الاقتصادية. مقال بقلم مارك تيركيسيديس
ضجة حول مقترح للكاتب الألماني غونتر فالراف:
قراءة "آيات شيطانية" لرشدي داخل مسجد في كولونيا
طرح الكاتب الألماني غونتر فالراف المعروف بمواقفه المناصرة للعمال الأتراك في ألمانيا فكرة مثيرة وهي أن تقرأ مقاطع من رواية سلمان رشدي "آيات شيطانية" في مسجد كولونيا وأن تعقب القراءة مناقشة مع الجالية الإسلامية. تقرير كتبه بيتر فيليب