نجم سياسي رهن الاعتقال

نساء يتظاهرن حاملات الأعلام التركية. تحمل إحداهن صورة لها مع أكرم إمام أوغلو.
أدى اعتقال إمام أوغلو إلى اندلاع احتجاجات حاشدة في إسطنبول يوم الأربعاء. (Photo: picture alliance / ZUMAPRESS.com | T. Ildun)

قبل أيام من إعلان ترشحه رسميًا للرئاسة، جرى اعتقال أكرم إمام أوغلو بتهم الفساد والإرهاب ليفجر مظاهرات عارمة في تركيا. بدأ أوغلو مسيرته كسياسي مغمور نسبيًا حتى فاز برئاسة بلدية إسطنبول في عام 2019، فكيف أصبح أكبر منافس لأردوغان؟

الكاتبة ، الكاتب: عائشة كرابات

اعتُقل عمدة إسطنبول صاحب الشخصية الكاريزمية، أكرم إمام أوغلو - الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أقوى منافس للرئيس رجب طيب أردوغان - في مداهمة مثيرة فجر يوم 19 مارس/آذار لمنزله. وجاءت هذه المداهمة بعد يوم واحد فقط من إلغاء شهادته الجامعية، وقبل أيام من تعيينه مرشحًا رئاسيًا عن حزب الشعب الجمهوري.

أصدر مكتب المدعي العام في إسطنبول بيانًا وصف فيه أوغلو بأنه "زعيم منظمة إجرامية تهدف للربح"، وهي تهم عادة ما تُوجه للعصابات. وجرى اعتقاله مع 99 مشتبهًا آخرين بتهم تشمل الاختلاس، والرشوة، والاحتيال المشدد، والحصول على البيانات الشخصية بطريقة غير قانونية، وتزوير المناقصات العامة.

بالإضافة إلى ذلك، وُجهت لإمام أوغلو وستة آخرين تهم تتعلق بالإرهاب، ويزعم المدعون أنّ التعاون بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي (DEM) المؤيد للأكراد في انتخابات 2024 المحلية، جرى بتوجيه من حزب العمال الكردستاني (PKK)، المُصنف كمنظمة إرهابية في تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

إمام أوغلو في وسط مجموعة من الرجال الذين يرتدون البدلات ويجري مقابلة.
سبق أن دافع أكرم إمام أوغلو عن رؤساء البلديات الذين جرى اعتقالهم، كما حدث هنا في أكتوبر/تشرين الأول 2024. واليوم اعتقل هو نفسه. (Photo: picture alliance / ZUMAPRESS.com | T. Uluturk)

يحذر خبراء قانونيون من أن تحقيقات الإرهاب قد تمهد الطريق لتعيين وصي غير منتخب كرئيس لبلدية إسطنبول، ومنذ انتخابات 2024 المحلية، جرى عزل تسعة رؤساء بلديات بتهم الإرهاب واستبدالهم بأشخاص موثوقين. 

وفي 18 يناير/كانون الثاني، جرى اعتقال رئيس بلدية بشكتاش، رضا أكبولات، وحذر الرئيس رجب طيب أردوغان من إمكانية حدوث مزيد من العزل، ورد زعيم حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، بتحدٍ، واصفًا اعتقال أكبولات بأنه "إعلان حرب".

واتهم أوزيل، بعد اعتقال إمام أوغلو، أردوغان بـ"تدبير انقلاب ضد منافسه الذي يعتقد أنه سيهزمه".

دولة طوارئ في أسطنبول

وفي الوقت الذي شنّت فيه الشرطة مداهمات في الصباح الباكر لاعتقال إمام أوغلو وآخرين، فرضت محافظة إسطنبول، حظرًا على المظاهرات لمدة أربعة أيام. كما أُغلقت وسائل النقل العام والطرق الرئيسية إلى مواقع مركزية مثل تقسيم والفاتح، حيث يُحتجز إمام أوغلو. 

ومع ذلك، تجمّع الآلاف مساء الأربعاء أمام مقر بلدية إسطنبول، مرددين شعارات مثل "طيب إلى السجن، أكرم حر!"، و"لا خلاص فردي - إما جميعًا معًا أو لا أحد منا".

بعد الاعتقالات، شهدت الأسواق المالية تراجعًا حادًا، حيث انخفضت قيمة الليرة التركية، وتراجعت البورصة. ويشير الخبراء إلى أنّ الحكومة تحاول التخفيف من هذه الخسائر من خلال تدخلات غير مباشرة، أبرزها استنزاف احتياطيات البنك المركزي، مما قد يؤدي إلى تفاقم التضخم، وتعميق الأزمة الاقتصادية المستمرة في البلاد.

من هو أكرم أوغلو؟

قبل ديسمبر/كانون الأول 2018، عندما جرى الإعلان عنه كمرشح حزب الشعب الجمهوري لرئاسة بلدية إسطنبول، كان عدد قليل جدًا من الناس يعرفون اسم إمام أوغلو. وشغل منصب رئيس بلدية بيليك دوزو، وهي منطقة سريعة التطور في ضواحي إسطنبول، وهو المقعد الذي فاز به في عام 2014 بفارق 12 نقطة عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي حكم المنطقة لمدة عقد من الزمان. 

في الفترة التي سبقت الانتخابات المحلية لعام 2019، أنشأ حزب الشعب الجمهوري لجنة حزبية لتحديد المرشح الفائز بمنصب رئيس بلدية إسطنبول. وقد حددت اللجنة مواصفات محددة: رجل يتراوح عمره بين 45 و55 عامًا ويتمتع بخبرة في الحكم المحلي، وسجل من النجاح، وموقف غير حزبي، واحترام للدين، وجذور في منطقة البحر الأسود التي تضم جزءًا كبيرًا من ناخبي إسطنبول.

كان إمام أوغلو مناسبًا تمامًا. فقد ولد في عام 1970 بالقرب من طرابزون، وهي مدينة بارزة في منطقة البحر الأسود، وينحدر من عائلة متدينة. وبصفته رئيسًا لفرع حزب الشعب الجمهوري في بيليكدوزو، وهو المنصب الذي فاز به في عام 2009، كان يحضر بانتظام صلاة الجمعة، وينظم صلاة الذكرى في 10 نوفمبر/تشرين الثاني لمصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة

وقد برزت شخصيته الدينية بشكل واضح مقابل صورة السياسي في حزب الشعب الجمهوري ذي التوجه العلماني الصارم، لكنه خاض حملة نشطة ليكون عمدة إسطنبول تحت راية حزب الشعب الجمهوري. وباعتباره مغمورًا نسبيًا، فقد صنع لنفسه اسمًا من خلال الطواف على المنازل، وتقديم نفسه شخصيًا للناخبين. 

وقد ارتفعت شعبيته عندما قام، في أعقاب الهجوم الإرهابي على مسجد في نيوزيلندا في مارس/أذار 2019، بتلاوة آيات من القرآن الكريم من الذاكرة على أرواح الضحايا في مسجد تاريخي في إسطنبول، ومن خلال إحضار مترجم كردي معه، تمكن من توسيع نطاق وصوله إلى الناخبين الأكراد، وكذلك إلى الناخبين المتدينين والناخبين من البحر الأسود.

وقد ساعده نهجه الشمولي، في مقابل الخطاب الاستقطابي لحزب العدالة والتنمية، على الفوز في نهاية المطاف على منافسه بن علي يلدريم بفارق 13,729 صوتًا. لكن حزب العدالة والتنمية الحاكم لم يتقبل النتائج بسهولة، وفي 6 مايو/أيار 2019، ألغى المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول، وأمر بإعادة الانتخابات.

وفي ذلك المساء، وقبل أن يلقي إمام أوغلو كلمة أمام حشد كبير تجمّع أمام مقر بلدية إسطنبول، قام بما أصبح فيما بعد لفتةً مميزة له. فقد خلع سترته، وأرخى ربطة عنقه، وشمر عن أكمامه، وأعلن: "رحلتنا طويلة، وحماستنا عالية، ونحن شباب. نحن الشباب التركي المتعطش للعدالة والملتزم بشدة بالديمقراطية. ولن نستسلم أبدا".

هل يتجه إلى الرئاسة؟

ألمح إمام أوغلو، أثناء حملته الانتخابية لإعادة الانتخابات في يونيو/حزيران 2019، إلى تطلعاته على المدى الطويل. "الله أعلم"، كان هذا رده عندما سأله أحد المحاورين في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، عمّا إذا كان سيكون رئيس تركيا المقبل. وفي 23 يونيو/حزيران 2019، فاز في إعادة الانتخابات، وهذه المرة بأغلبية ساحقة، حيث حصل على ما يقرب من 800 ألف صوت إضافي، وتقدّم على منافسه بفارق 9 نقاط.

وقبيل الانتخابات الرئاسية لعام 2023، كان يُنظر إلى إمام أوغلو كمرشح محتمل، لكن كمال كليتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري آنذاك، منعه من الترشح.، وانتهت الانتخابات بفوز أردوغان وحزب العدالة والتنمية. 

وفي أعقاب الهزيمة الانتخابية، قاد إمام أوغلو تحولًا في حزبه، داعيًا إلى التفاؤل ومؤكدًا على الحاجة إلى الإصلاح. وقد اكتسب تدريجيًا مزيدًا من النفوذ داخل الحزب، وأشعل عملية التغيير في الهيكل القيادي للحزب.

في الانتخابات المحلية لعام 2024، أصبح حزب الشعب الجمهوري الحزب الرائد لأول مرة منذ السبعينات، وفاز إمام أوغلو بأكثر من 51% من الأصوات ليحتفظ برئاسة بلدية إسطنبول بهامش غير مسبوق، وبرز بالنسبة للكثيرين كزعيم طبيعي للمعارضة.

يستمد إمام أوغلو وحزب الشعب الجمهوري إلهامهما من سابقة تاريخية، حيث انتُخب رجب طيب أردوغان رئيسًا لبلدية إسطنبول في عام 1994، وواجه تحقيقات فساد وسُجن لفترة قصيرة في عام 1998، لكنه أصبح رئيسًا للوزراء في عام 2003. وفي رسالة فيديو سُجلت صباح اعتقاله، ظهر إمام أوغلو وهو يعدل ربطة عنقه بهدوء، قائلاً: "نحن نواجه ظلمًا كبيرًا، لكن أريدكم أن تعرفوا أنني لن أستسلم! أحبكم جميعًا جدًا. أستودع نفسي لشعبي".

صعود سياسي مضطرب

رغم اكتساب إمام أوغلو قوة سياسية، وبروزه كمنافس محتمل لأردوغان، فقد بدأت العقبات تتصاعد ضده. ففي عام 2022، حُكم عليه بالسجن لمدة عامين ونصف العام بتهمة إهانة المسؤولين الحكوميين، فيما يتعلق بخطاب ألقاه عام 2019، الذي يُزعم أنه وصف فيه أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات بـ"الأغبياء". ودافع عن نفسه بالقول إن تعليقاته كانت موجهة فقط إلى وزير الداخلية آنذاك، سليمان صويلو، الذي وصف إمام أوغلو بالأحمق.

وقد واجه تحديات قانونية متكررة تتعلق بشهادته الجامعية، ووفقًا للدستور التركي، فإنّ الشهادة الجامعية شرط أساسي للترشح لرئاسة الجمهورية. وقد بدأ إمام أوغلو دراسته الجامعية في قبرص، لكنه انتقل فيما بعد إلى جامعة إسطنبول. 

وقد جرى فتح تحقيق قانوني ضده في وقت سابق من هذا العام على أساس أن نقله كان غير قانوني، وقد جرى إلغاء شهادته في 18 مارس/آذار تحت ضغط من مكتب المدعي العام في إسطنبول.

وكان من المقرر في 23 مارس/أذار، أن يجري حزب الشعب الجمهوري انتخابات تمهيدية لتحديد مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية المقبلة، التي تم تحديد موعدها مبدئيًا في عام 2028. 

كانت هذه الانتخابات التمهيدية ستمنح إمام أوغلو حماية سياسية، حيث اعتقد الحزب أنّ الحكومة لن تجرؤ على استهدافه بعد أن يتم ترشيحه عبر تصويت ديمقراطي من قبل الشعب. ولكن الآن، وقبل أيام فقط من موعد الانتخابات التمهيدية، أصبح رهن الاعتقال.

"لن أستسلم!"

رغم اعتقاله وإلغاء شهادته، إلا أنّ إمام أوغلو سيظل على قائمة المرشحين في الانتخابات التمهيدية لحزب الشعب الجمهوري، ولتعزيز ترشيحه، أعد الحزب أيضًا تصويتًا ثانيًا على مستوى البلاد لتسليط الضوء على الدعم الشعبي الواسع الذي يحظى به.

لا يتراجع حزب الشعب الجمهوري وإمام أوغلو عن طموحهما الرئاسي - ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن لديهما سابقة تاريخية قوية في الاعتبار. ففي عام 1994، انتُخب أحد السياسيين رئيسًا لبلدية إسطنبول بحوالي 25% من الأصوات - أي أقل بكثير مما حصل عليه إمام أوغلو بعد عقود من الزمن. وفي ذلك الوقت، واجه أيضًا تحقيقات في قضايا فساد. 

وفي عام 1998، حُكم عليه بالسجن لمدة أربعة أشهر، ومُنع من ممارسة السياسة بتهمة التحريض على الكراهية. ولكن، كما هو الحال دائمًا، تحركت السياسة التركية بسرعة. فبعد أربع سنوات فقط، أي في عام 2003، أصبح هذا السياسي نفسه رئيسًا للوزراء، وسقطت تحقيقات الفساد. هذا الرجل هو الآن رئيس تركيا - رجب طيب أردوغان. 

يظهر إمام أوغلو، الرجل الذي شمر عن أكمامه بشكل رمزي إيذانًا ببدء معركته السياسية، وهو يعدل ربطة عنقه بهدوء في رسالة فيديو مسجلة صباح يوم اعتقاله. وبتعابير حازمة، يقول: "نحن نواجه ترهيبًا كبيرًا، لكنني أريدكم أن تعلموا أنني لن أستسلم! أحبكم جميعًا كثيرًا. أنا أعهد بنفسي إلى شعبي".

قنطرة ©