مواقف شجاعة وأدب رفيع
تسلم أورهان باموك، الذي يعد من أشهر كتاب الجيل الجديد في تركيا، جائزة السلام 2005 لاتحاد الناشرين الألمان في باولس كيرشه في فرانكفورت. وفي كلمة التكريم أشار الشاعر والمترجم زارتوريوس إلى أن أعمال الكاتب هضمت كل التيارات الأدبية الفائتة وتمزج على نحو رائع الأساليب الشرقية بالغربية. تقرير سمير جريس.
"يمنح اتحاد الناشرين الألمان جائزة السلام لعام 2005 للكاتب أورهان باموك." - هكذا أعلن المتحدث باسم الاتحاد في يوليو/تموز الماضي اسم الفائز بجائزة هذا العام والتي رفعت قيمتها المادية من 15 الى 25 الف يورو.
بذلك ينضم باموك إلى قائمة من الأسماء الكبيرة التي حظيت بهذا التكريم الذي يمنح للكتاب الذين يعملون على ترسيخ قيم السلام في أعمالهم. ومن الحاصلين على جائزة السلام الألمانية الفيلسوف يورغن هابرماس والروائي مارتين فالزر والكاتبة الجزائرية آسيا جبار والأمريكية سوزان سونتاغ الروائي البيرواني ماريو فارغاس يوسا.
وورد في أسباب منح جائزة هذا العام الى أورهان باموك: "بتكريم أورهان باموك نحتفي بكاتب اقتفى في أعماله الآثار التاريخية للغرب في الشرق، وآثار الشرق في الغرب. باموك قام بذلك على نحو لم ينجزه أي كاتب آخر في عصرنا. لقد أبدع باموك أعمالاً نجحت في جمع شمل أوروبا مع تركيا المسلمة"
موقف شجاع من الماضي
ويعتبر باموك المولود في اسطنبول عام 1952 من أشهر كتاب الجيل الجديد في تركيا، وقد ترجمت أعماله إلى ما يزيد عن 30 لغة، من بينها العربية. ومن أعماله: أسمي أحمر، والكتاب الأسود، والقلعة البيضاء، وأخيراً رواية "ثلج" التي اعتبرتها النيويورك تايمز أفضل رواية غير أمريكية في عام 2004.
ولأن جائزة السلام الألمانية ذات مغزى سياسي الى جانب قيمتها الأدبية، فقد أشارت لجنة منح الجائزة إلى موقف باموك الشجاع من الماضي التركي وصفحاته المظلمة. باموك كان قد صرح في مقابلة مع صحيفة "تاغيس أنتسايغر" السويسرية أنه تم قتل 30 ألف كردي في تركيا، ومليون من الأرمن. ولكن ليس لدى أحد الجرأة على ذكر ذلك."
هذه التصريحات أقامت الدنيا ولم تقعدها في تركيا، وأثارت حفيظة القومويين الذين مارسوا ضغطاً كبيراً على الرأي العام، استجابت له النيابة العامة ورفعت قضية ضد الكاتب بتهمة "تحقير الأمة التركية و"الإساءة إلى هويتها"، وهي تهمة تصل عقوبتها إلى السجن مدة ثلاثة أعوام.
بعض الصحف التركية اتهمت باموك في الأسابيع الماضية بأنه أدلى بمثل هذه التصريحات وعينه على لجنة جائزة نوبل. ويبدو أن الضغط الذي مورس على باموك كان قوياً إلى حد أنه أعلن في قناة السي إن إن التركية إنه لم يقل إن الأتراك قتلوا 30 ألف كردي ومليون من الأرمن، وإن كل ما أراده هو التحدث عن "تابو" لا يجرؤ أحد في تركيا على التحدث عنه.
ومن المتوقع أن يمثل باموك أمام القضاء في مسقط رأسه اسطنبول يوم السادس عشر من ديسمبر/كانون الأول. ولكن ليس من المتوقع بعد هذه التصريحات المتراجعة أن يحكم القضاء في تركيا الساعية إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على أشهر كتابها بالحبس، فمثل هذا الحكم سوف يُبعدها أميالاً عن أبواب النادي الأوروبي الذي تسعى الى دخوله.
تحذير من تجاهل يد تركيا الممددة إلى أوربا
في كلمة الشكر التي ألقاها أورهان باموك في الـ باولس كيرشه في فرانكفورت، انتقد الكاتب التركي موقف بعض الساسة الألمان دون أن يسميهم، هؤلاء الساسة هاجموا خلال حملة الانتخابات البرلمانية الأخيرة انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروربي، لذلك اتهمهم باموك بالعزف على مشاعر كراهية الاتراك في المانيا حرصا على الحصول على أصوات الناخبين، محذرا أن يؤدي ذلك بدوره إلى اثارة النعرات القومية في تركيا.
يقول باموك: "إن إثارة المشاعر المعادية لتركيا في أوروبا ستقود للأسف الى نشوء مناخ قوي معادٍ لأوروبا داخل تركيا." لذلك يحذر الاتحاد الأوروبي من تجاهل يد تركيا الممددة ناحيته، ويضيف:
"إن من يؤمن بالاتحاد الأوروربي، عليه أن يدرك أننا نواجه اختيارين: إما السلام أو القومية – هذا هو القرار الذي علينا أن نأخذه. أنا شخصيا مقتنع بأن السلام هي الفكرة الجوهرية التي يقوم عليها الاتحاد الأوروربي – وعلى أوروبا ألا تسمح برفض عرض السلام الحالي الذي تقدمه تركيا."
ويؤكد باموك حساسية موضوع الانضمام التركي الى أوروبا بالنسبة للأتراك. وهو في كلمته أشار إلى الآمال الكبيرة التي ملأت صدور الأتراك عندما طرقوا الباب الأوروبي، لكنه أعرب عن شعور عدد كبير من الأتراك من ان اوروبا تقطع لهم الوعود، ثم تنساهم، وفي آخر المطاف تزيد أوروبا من مطالبها تجاه أنقرة.
ويؤكد باموك على الفارق بين أن ينتقد المرء نقائص الدولة التركية في مجال الديمقراطية، وأن يرصد عيوبا في نظامها الاقتصادي، وبين أن يهين الثقافة التركية بأكلمها.
أدب ثري
الشاعر والمترجم يواخيم زارتوريوس ألقى كلمة التكريم، وأشار فيها الى مواقف باموك السياسية الشجاعة، رغم ما يلاقيه من هجوم وانتقادات من جانب القوميين، مُذكراً أن باموك كان أول كاتب في العالم الإسلامي يدين الفتوى الخمينية الصادرة بإباحة دم الكاتب الهندي الأصل سلمان رشدي بعد صدور روايته المثيرة للجدل "آيات شيطانية".
كما ساند باموك الكاتب التركي ياشار كمال عندما رفعت ضده دعوى قضائية عام 1995. وأكد الشاعر الألماني يواخيم زارتوريوس في كلمته أن الأدب وحده هو الذي يستطيع ان يقدم صورة صادقة عن مجتمع ما. يقول زارتوريوس:
"من حسن حظنا البالغ أن يقدم لنا أدب أورهان باموك صورة عن بلاده الى العالم. فهذا الأدب يتميز بالثراء غير المحدود، كما أن الآخرين الذين يتحدثون عن تركيا لا يبغون إلا الوصول إلى مصالح معينة، سواء كانوا من الساسة أو من رجال الجيش أو من المؤرخين. إن الكاتب هو الإنسان الوحيد الذي يستطيع أن يخلق بيينا وبين ذلك البلد روابط ألفة."
وقال زارتوريوس إن من يقرأ روايات باموك يتعرف على تركيا ويفهم ذلك البلد، تماما كما يفهم المرء روسيا القيصرية لدى قراءته روايات دستوفسكي، وكما يفهم العقلية الفرنسية عند اطلاعه على روايات بالزاك او فلوبير.
وأضاف زارتوريوس أن النظرة السطحية الأولى قد تعطي انطباعا بأن اعمال باموك واقعية منبثقة من التقاليد الأدبية الأوروبية. إلا أن هذه الأعمال في الحقيقة قد هضمت كل التيارات الأدبية الفائتة وتمزج على نحو رائع الأساليب الشرقية بالغربية.
بقلم سمير جريس
حقوق الطبع دويتشه فيلله 2005
قنطرة
الكاتب التركي أورهان باموك
تتناول رواية باموك الأخيرة "ثلج" النزاعات الداخلية للأتراك المعاصرين، التناقض بين الحداثة والإسلام، اللهفة للإنضمام لأوروبا – والمتزامن مع الخوف من إبتلاع أوروبا لتركيا. في الحوار التالي يتحدث الكاتب عن روايته وعن الجو الثقافي السائد في تركيا
الأدب التركي وحضوره في البلاد الناطقة بالألمانية
رغم حصول الكاتب التركي أرهان باموك على جائزة السلام الألمانية 2005، إلا أن الأدب التركي يظل شبه مجهول في البلاد الناطقة بالألمانية. هل يعود ذلك إلى الدور الذي ينهض به الأدب في تركيا، أم إلى مستواه الفني