أفضل طُرُق اجتثاث التطرف من قلوب الجهاديين
د. يزيك، درّستِ هذا العام (2018) للمرة الثانية في جامعة فيينا الدولية المسيحية الإسلامية الصيفية في ألتنبرغ في النمسا، والتي ترمي إلى جمع أساتذة وطلاب من جميع أنحاء العالم لدراسة مواضيع متعددة الثقافات من مجموعة مناظير أكاديمية مختلفة. ما قيمة برنامج كهذا وهل تظنين أنه يمكن أن يكون له تأثير على الوقاية من التطرّف؟
دالية غانم-يزبك: أؤمن بأن برنامجاً مثل برنامج جامعة فيينا الدولية المسيحية الإسلامية الصيفية -وهو برنامج ثقافي وفني في الآن ذاته- يمكن أن يسهم في الوقاية من التطرف العنيف ونزع فتيل النزاع.
فلا شك أن الاجتماع والتفاعل مع أشخاص من ديانات وثقافات وبلدان مختلفة يفتح العقول، وبالتالي له تأثير إيجابي على المنظورات التي يملكها الطلاب عن "الآخرين".
إذ أن عملية "صنع الآخر Othering" مركزية في التطرف العنيف لأننا نخلق "آخر" نؤمن بأنه مختلف بشكل عميق ويشكّل خطراً كبيراً بالنسبة لنا "نحن".
ويمكن أن يكون للمبادرات الثقافية مثل برنامج جامعة فيينا الدولية المسيحية الإسلامية الصيفية تأثير حاسم على تعزيز المصالح المشتركة والتفاهم المتبادل.
في برنامج جامعة فيينا الدولية المسيحية الإسلامية الصيفي لهذا العام (2018) تدرّسين مشاركين من دول مثل أفغانستان والمغرب ومصر والمملكة العربية السعودية ولبنان والهند وأوغندا وأندونيسا وتركيا وباكستان حول دور النساء في الجهاد. لماذا هذا الموضوع؟
دالية غانم-يزبك: وُجِّه الكثير من الاهتمام لانضمام الرجال إلى التنظيمات الجهادية ولم تحظَ نظيراتهم النساء باهتمام كافٍ.
{لا شك في أن الاجتماع والتفاعل مع أشخاص من ديانات وثقافات وبلدان مختلفة يفتح العقول.}
والأكثر من ذلك، فقد خضعت مشاركة النساء للعديد من الكليشيهات –يخطر لي "عرائس الجهاد". وفي فصلي التعليمي، أفكّك هذه الافتراضات. إذ تصدّرت أخبار النساء الغربيات والعربيات اللواتي انضممن إلى داعش عناوين الصحف، كما لو أن عنف النساء جديد وغير مسبوق. بيد أن عنف النساء ليس ظاهرة جديدة. كانت النساء ناشطات في المهام اللوجيستية، ناهيك عن الأدوار القتالية والهجمات الانتحارية في العديد من النزاعات.
فقد كانت النساء ناشطات خلال النزاع في جنوب لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي دام لمدة ثمانية عشر عاماً. وكن ناشطات في العراق مع القاعدة ومن المرجح أنهن لا يزلن ناشطات في الأراضي الفلسطينية.
كما نفّذت النساء الشيشانيات، اللواتي يسمَّين "الأرامل السود"، عدة هجمات ضد قوات الحكومة الروسية؛ واستخدم حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) النساء أيضاً لمهاجمة الحكومة التركية. واستخدمت حركة "نمور تحرير تاميل إيلام" في سيريلانكا الإناث لتنفيذ الهجمات.
وتتساءل الدورة التعليمية حول ما الذي يدفع بالنساء للانضمام إلى جماعة جهادية مثل داعش- ما الذي يغري النساء بالعنف الجهادي وكيف يمكننا فهم الظاهرة لمواجهتها بشكل أفضل.
خلال البرنامج، تحدثتِ عن إمكانية اجتثاث تطرّف الجهاديين العائدين من مناطق الحرب. ما هي طريقة إعادة الاندماج في المجتمع التي تعتقدين أنها تملك أفضل فرصة للنجاح وبرأيك ما هي مدى واقعية فكرة أن تتبنى الدول أساس "كل حالة على حدة" لتقييم الجهاديين العائدين؟
دالية غانم-يزبك: في الواقع لقد تحدثت عن إعادة التأهيل وليس عن اجتثاث التطرّف. في اعتقادي أن إعادة التأهيل والتمكين من خلال التدريب المهني والتدريب على ممارسة الأعمال الحرة قد يكون ناجحاً.
أما تجنّب التعامل مع العائدين عبر مصادرة مواطنتهم أو عبر الزجّ بهم في السجن بسبب الافتقار إلى البديل فهو أمر محفوف بالمخاطر. حيثما أمكن، أؤيد نهج كل حالة على حدة. وينبغي أن تكون السياسات الحكومية أكثر مرونة مع العائدين وأن تتيح لهم إجراءات إعادة التأهيل لإعادة دمجهم في المجتمع وجماعاتهم.
والأخيرة مهمة جداً إذ ينبغي علينا ان نتذكر أن العديد من النساء والرجال غادروا بسبب رغبتهم بأن يكونوا جزءاً من "جماعة" تسمو فوق كل شيء، حتى روابط الدم. وتحتاج المؤسسات الاجتماعية، والمعامل، والشركات الخاصة إلى المساعدة في إعادة تأهيلهم. إذ سيمنحهم العمل هدفاً في الحياة وإحساساً بالفخر والمواطنة.
ففي إندونيسيا، أثبتت مبادرات من هذا القبيل نجاحها. إذ أُعِيد تأهيل محتجزين متطرفين سابقين وعُرِضت عليهم وظائف في مزارع سمكية، ومطاعم أو مقاهٍ أدبية.
مع الأخذ بالاعتبار مدى توتر السياسة المتعلقة بالإسلام والجهاد في الغرب، هل تعتقدين أن نموذج إعادة التأهيل المتَّبَع في بلد مثل الجزائر هو اقتراح واقعي للعالم الغربي؟
دالية غانم-يزبك: لا يوجد برنامج واحد مثالي لتسريح وإعادة تأهيل الجهاديين. وعلى الرغم من أوجه القصور التي تحيط بالنهج الجزائري، إلا أنه ساعد في إنهاء النزاع في البلاد وإعادة دمج نحو 15 ألف مقاتل سابق في المجتمع.
ومرة أخرى، قد لا تكون التجربة الجزائرية اقتراحاً واقعياً –فلكل بلد تحدياته وخصوصياته. بيد أن التركيز على التجربة الجزائرية يمكن أن يكون نقطة انطلاق قيّمة لتطوير مبادرات فك ارتباط في أماكن أخرى، سواء أكانت في الغرب أم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وإن كان لا بد من تعلّم درس من التجربة الجزائرية، فهو أن الرد العسكري ليس كافياً أبداً، وليس مرضياً بحد ذاته. فالجهاد هو قبل كل شيء ظاهرة اجتماعية. إذ لا يولد أي شخص إرهابياً. وبالتالي، فإن الفشل في التعامل معه على المستوى الاجتماعي قد يعني ظهوره مرة أخرى.
هل ستبقى النساء تشكّل تهديداً؟
دالية غانم-يزبك: أعتقد ذلك. من جهة، ستواصل النساء المشاركة في نشر البروباغاندا الجهادية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة لتشريب الأفكار وتجنيد الأفراد المعرضين للخطر.
ومن جهة أخرى، بعض هؤلاء النساء (والرجال) يمكن أن يعودوا إلى بلدانهم المعنية وينفذوا هجمات إرهابية هناك، لأنهم ما زالوا مقتنعين بالأيديولوجية.
وإنه من المهم أن نطور فهماً أفضل لأدوارهم ومحفزاتهم من أجل صياغة سياسات فعّالة تثبت نجاحها في الردع. ولن نمنع الأفراد المعرضين للخطر من الانضمام إلى داعش إلا من خلال التصدي لأيديولوجيتهم وتقديم بديل أفضل لهم.
ما الذي يمكننا فعله على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي؟
دالية غانم-يزبك: يجب أن تُطوَّر سرديات بديلة للايديولوجية الجهادية عبر شبكة الإنترنت وخارجها، وبالتالي تزويد الشباب والشابات بأدوات أفضل لمواجهة البروباغاندا المتطرفة. وهذا ينبغي أن يشمل حملات على وسائل التواصل الاجتماعي، وحملات تثقيفية للشباب في المدارس، وأماكن العبادة، وجمعيات مدنية وثقافية.
وينبغي أن يعمل قادة الجماعات والقادة الدينيون، والناشطون، والأكاديميون والأخصائيون الاجتماعيون معاً لتحديد استراتيجية متماسكة لمكافحة التطرف في مجتمعاتهم. ومن المهم للغاية تحسين مستوى السرد البديل بما أنه ينبغي أن يكون متماسكاً نوعياً وكمياً لكي يضاهي ويتجاوز قدرات تنظيم داعش (من ضمن غيره) في نشر البروباغاندا.
وكما ورد في تقرير، ينشر تنظيم داعش "ما متوسطه 38.2 من أحداث البروباغاندا الفريدة في اليوم من جميع أركان خلافة الدولة الإسلامية". تحتاج السردية البديلة إلى تحسين في مداها وشموليتها؛ ينبغي أن تكون دفقاً مستمراً على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع من إعلام ومعلومات إيجابية، تتفاوت في المحتوى والنهج- ففي نهاية المطاف، لا ينجذب كل شخص إلى الرسالة ذاتها.
في صفك التعليمي، تحدثت عن إعطاء العائدين والمتطرفين السابقين صوتاً، هل يمكنك أن تفسري ذلك؟
دالية غانم-يزبك: اتُّبِع هذا النهج بشكل ناجح في كل من الجزائر وإندونيسيا. إذ ينبغي أن يُوصِل السرديةَ المضادةَ/البديلةَ مصدرٌ "شرعيٌّ" ومناسب. ولم تكن حملة الولايات المتحدة الأمريكية "فكّر مرة أخرى وابتعد" ناجحة لأنها أُنشِئت من قبل وزارة الخارجية الأمريكية.
{لا يمكن منع الأفراد من الانضمام إلى داعش إلا من خلال التصدي لأيديولوجيتهم وتقديم بديل أفضل لهم.}
لماذا سيستمع الفرد المعرّض للخطر الذي يعتقد أن وزارة الخارجية الأمريكية هي "العدو الذي يجب تدميره" إلى سرديتها المضادة وحملتها؟ وهنا هو حيث يلعب المتطرفون السابقون والمنشقون والعائدون والمتطرفون المحتجزون "التائبون" دوراً.
فينبغي أن تُتاح الفرصة للسابقين ليناقشوا تجربتهم ويرووا قصصهم على الملأ لأنهم يملكون موثوقية تسمح لهم بكسب ثقة العائدين أو الأفراد في خطر. وبصفته جهادياً اندونيسياً سابقاً في الجماعة الإسلامية استفاد من مبادرة اجتثاث التطرف وأصبح الآن رئيساً لمنظمة غير حكومية محلية، أوضح: "اعتدت على أن أكون مثلهم من قبل. اعتدت على أن أكون في عالمهم، لذلك فأنا أعرف كيف أتحدث إليهم بلغتهم".
وباستخدام هذا النهج، نجحت الحكومة الإندونيسية في إقناع 680 رجلاً مقاتلاً متطرفاً بأن يُلقوا أسلحتهم وأن يُعاد تأهيلهم.
ويمكن لبعض الجهاديين السابقين أن يكونوا مصدراً حقيقياً في المساعدة برفع مستوى الوعي، كما أظهر ذلك المتطرف الماليزي السابق ناصر عباس، الذي أصبح كاتباً وحوّل تجربته في الجهاد إلى كتاب هزلي. وُزِّع كتابه في المدارس والمكتبات بوصفه أداة تعليمية لرفع مستوى الوعي والمساعدة على تغيير عقلية الناس نحو الجهاد.
حاورتها: زهراء نجابات
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2019
دالية غانم باحثة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط. تتمحْور أبحاثها حول العنف والتطرّف السياسيَّين، والتعصّب، والإسلاموية، والجهادية، مع تركيز خاص على الجزائر.