"سقوط حلب يثبت مدى ضعف الأسد بدون حلفائه"

يحتفل مقاتلون معارضون للحكومة السورية في أحد شوارع حلب، سوريا، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2024.
في هجوم خاطف، تمكنت الفصائل السورية المعارضة من السيطرة على حلب من قبضة قوات الأسد. هنا، مقاتلون معارضون يحتفلون في أحد شوارع حلب، سوريا، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2024. (photo: picture alliance / abaca | U. Yildirim)

مع عودة الأزمة السورية إلى الواجهة وتجدد القتال بين فصائل المعارضة وقوات بشار الأسد، تحدثت إلهام أحمد الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية بـ الإدارة الذاتية (الكردية) لشمال وشرق سوريا، لقنطرة عن الوضع في حلب ورؤيتهم لمستقبل سوريا.

الكاتبة ، الكاتب: محمد مجدي

بداية، هل فوجئتم بهجوم فصائل المعارضة على مناطق قوات الرئيس السوري بشار الأسد وسيطرتهم السريعة على حلب، ثاني كبرى مدن سوريا؟ 

التطورات حول حلب ديناميكية ومهمة للغاية. عاجلاً أم آجلاً، كان لابد من حدوث مثل هذا التصعيد العسكري. وقد أظهر انسحاب الجيش السوري دون مقاومة مدى ضعف بشار الأسد بدون حلفائه. نحن نراقب عن كثب هذه التطورات وعواقبها المحتملة على رفاهية سكاننا في شمال وشرق سوريا بكل تنوعاتها العرقية والدينية. وأثبتت الأيام القليلة الماضية موقف الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بأنه: لا يمكن حل الأزمة السورية عسكرياً، ولكن يجب معالجتها من خلال عملية سياسية. 

تحدثت تقارير عن أنكم تبحثون خيارات للتفاوض مع الفصائل السورية المعارضة لإبقاء البلدات الكردية تحت سيطرة قوات "قسد".. ما خيارتكم للتعامل مع الوضع؟ 

نؤكد استعدادنا للحوار مع كافة الأطراف السورية والإقليمية للحفاظ على استقرار سوريا وحماية المدنيين. ليس لدينا أي مصلحة في مزيد من التصعيد؛ لأن ذلك من شأنه أن يخلف تداعيات تتجاوز سوريا لتشمل المنطقة بأسرها. كما أن داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) سوف يرى الفرصة سانحة له ويحاول تكثيف هجماته. 

 ما أكثر ما تخشونه من تلك التطورات؟ 

أولا، وقبل كل شيء، الهوية التعددية لحلب مهددة. وإذا اضطر المسيحيون والأكراد في حلب الآن إلى العيش في خوف، وهذا من شأنه أن يعمق الانقسام في سوريا ويهدد التعايش بين الأعراق والأديان. ونحن نستعد الآن لاستيعاب ما لا يقل عن 120 ألف شخص من الشهباء في شمال وشرق سوريا الذين نزحوا بسبب الإسلاميين. وتقوم إدارتنا المحلية في الطبقة والرقة بالفعل ببناء ملاجئ طارئة للنازحين. ومن الضروري هنا أن يستجيب المجتمع الدولي بسرعة لتوفير المساعدات الإنسانية المطلوبة بطريقة غير بيروقراطية. ولا ينبغي أن يعاني السكان المدنيون في ظل صراع على السلطة بين النظام والإسلاميين.

تطالب الفصائل السورية المعارضة برحيل الأسد عن السلطة.. ما موقفكم من ذلك الطرح؟ 

هذا مرتبط برأي الشعب السوري بأكمله من خلال عملية انتخابية. نحن مع تغيير السلطة وتغيير بالعمل المؤسساتي وبمجرد حدوث تلك الأمور، سيحدث تغيير في الإدارة. لذلك نحن لا نستهدف فلان أن فلان. لكننا بالتأكيد مع تغيير نظام الحكم في سوريا.

مرت 6 سنوات على تأسيس الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.. ما خطوتكم القادمة؟ 

ما يهمنا ترتيب البيت الداخلي بالمنطقة، وكنا مقبلين على انتخابات محلية جديدة، لكن لم تسمح الظروف الإقليمية بذلك، بالنظر إلى انضمام مناطق جديدة إلى الإدارة، وهو ما خلف ردود فعل دولية وضغوط تركية بالأخص. كما لدينا خطوات سياسية مستمرون فيها سواء الحوار مع القوى السياسية السورية ومع حكومة دمشق. وعقدنا في أكتوبر/تشرين الأول مؤتمرا إيجابيا في بروكسل مع ممثلين لما يقارب 30 فصيلا وكيانا سياسيا وشخصيات سياسية مستقلة ذو التوجه الديمقراطي. لهذا قنوات التواصل مفتوحة حتى مع القوى السياسية المعارضة لنا. 

أنتم تصرون على ضمان حقوق الأقليات في سوريا.. ما الذي تطالبون به تحديدا؟

الاعتراف بالقضايا القومية في سوريا على رأسها القضية الكردية بما في ذلك الاعتراف باللغة الكردية وحقوقنا الأساسية وإدارتها وإدراجها بالدستور السوري، والتوجه نحو اللامركزية في البلاد بما يراعي الحقوق السياسية والثقافية للقوميات الأخرى في سوريا. بالطبع، ليس على شكل إقليم كردستان الكردي؛ فشمال وشرق سوريا نموذج يختلف نوعا ما، وإدارة المنطقة تشاركية وليست كردية فقط. نحن نؤمن أن سوريا يجب أن تكون على شكل أقاليم يمكن تحديدها حسب طابعها الثقافي والجغرافي، مع وجود حكومة مركزية. وأن يكون حكم سوريا على شكل فيدرالي مثل العراق والإمارات. 

ألهذا تعتبرون منطقة الإدارة الذاتية تمثل نموذجا لحل الأزمة في سوريا؟ 

هيكل حكومة الإدارة الذاتية والمدن التي تحت سيطرتها لا مركزي. وإذا تم تعميم هذه التجربة حسب خصوصية المناطق الأخرى، يمكن أن تكون مفتاحا للحل. وبشأن ما يردده نظام الأسد بأن اللامركزية تؤدي إلى التقسيم، نقول له: تجربتنا دليل على خطأ تلك الحسابات، وأن المنطقة لم تنقسم عن بعضها البعض، ولم ولن تنفصل عن سوريا.  

لكن هل سيوافق الأسد على هكذا سيناريو؟ 

يتأثر القرار في سوريا حاليا بالتدخلات الخارجية لأبعد الحدود، خاصة الدول المتداخلة في سوريا سواء كانت إيران أو تركيا أو روسيا. وبالتالي حل القضية السورية، يحتاج إلى توافق دولي أيضا بجانب توافق الأطراف السورية. لا يزال الأمر صعبا، لكننا لا نفقد الأمل. 

قبل الهجوم على حلب، كانت هناك بوادر تقارب بين أنقرة ودمشق، إذ قال محللون إن إحدى دوافع ذلك منع إقامة منطقة حكم ذاتي يديرها الأكراد.. ما تعليقكم؟ 

توجد العديد من الملفات العالقة بينهما؛ إذ لدى دمشق أولويات انسحاب تركيا من المناطق التي احتلتها في شمال غرب البلاد، وكذلك الفصائل السورية التي لا تزال تحت الحماية التركية والتي تشكل تهديدا لحكومة دمشق. وفي المقابل، لدى تركيا أولوية مستقبل منطقة شمال شرق سوريا. ولذلك ملف الاتفاق بينهما معقد. ولم يتم دعوتنا لأي نقاش.

Elham Ahmed of the Autonomous Administration of North and East Syria talks to Mohammed Magdy, Qantara's Editor.
إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة للعلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تتحدث إلى محرر قنطرة في برلين، نوفمبر/تشرين الثاني 2024. جرى تحديث الحوار مع التطورات الجارية في حلب. (photo: Qantara)

بالعودة إلى زيارتكم لألمانيا منذ أسابيع قليلة.. هل ممكن أن نعرف بأي جواز سفر وصلتم إلى هنا؟ 

لا يمكنني شرح طريقة السفر لأسباب أمنية، لكني بالطبع استخدم جواز السفر الوطني السوري. بشكل عام هناك صعوبة في السفر من شمال وشرق سوريا إلى الخارج. هناك طريقان: الأول عبر إقليم كردستان في العراق الذي يعتبر بمثابة معبر إنساني، وليس معبرا رسميا. أما الثاني، عبر طريق مطار القامشلي ومنه يمكن الوصول إلى دمشق والسفر إلى بيروت على سبيل المثال.

أتيتم إلى ألمانيا لأن جمعيتين كرديتين قدمتا شكوى جنائية ضد الرئيس التركي أردوغان ومسؤولين أتراك آخرين لدى المدعي العام الاتحادي في كارلسروه، متهمين إياهم بارتكاب جرائم حرب في شمال وشرق سوريا.. ماذا تنتظرون من هذه الشكوى؟

ربما لن يجرى التحقيق فيها، لأن تلك الانتهاكات تحدث خارج حدود الدولة الألمانية. ولكن ربما تشكل ضغطا سياسيا على تركيا لإيقاف هجماتها على شمال وشرق سوريا، بالنظر إلى الانتهاكات التركية بحق المدنيين والمؤسسات الخدمية والبنية التحتية، والمستشفيات، مثل المركز الطبي في كوباني، والذي تدعمه ألمانيا.  

لكن تركيا تقول إن تلك الهجمات رد على هجوم أنقرة والذي وقع في أكتوبر/تشرين الأول. 

نحن أكدنا مرارا وتكرارا، أننا لسنا منخرطين في أي عمليات داخل تركيا. تركيا هي التي اجتازت الحدود واحتلت أراضينا وانتهكت السيادة السورية، وبالتالي لدينا حق الرد، والدفاع عن أراضينا. 

ما موقفكم من الجدل المثار في ألمانيا حول ترحيل اللاجئين مرتكبي الجرائم من الأفغان والسوريين؟ 

مسألة ترحيل السوريين مرتكبي الجرائم أمر حساس بعض الشيء، تحتاج إلى دراسة في أطر ومستويات معينة، وقد أصدر القضاء الألماني بالفعل قرارا بالسماح بالترحيل. نحن أبدينا للحكومة الألمانية استعدادنا للتعاون بهذا المجال، إذا كان مرتكبو الجرائم من أهالي منطقة شمال وشرق سوريا. لكن هذا الأمر سيتحقق ضمن أطر وشروط محددة.

ما طبيعة تلك الشروط، وهل هناك قائمة بعددهم؟ 

صحيح منطقة شمال وشرق سوريا تبدو مستقرة أكثر من المناطق الأخرى، لكن الضربات التركية على سبيل المثال تضر البنية التحتية في المنطقة بالكامل. ولهذا لابد من وقف تلك الهجمات، وتأهيل البنية التحتية وتهيئة الظروف لعودة هؤلاء المُبعدين خاصة أنهم ذو سوابق جنائية ويحتاجون إلى مراقبة. في الوقت الحالي، لا توجد أرقام محددة لهؤلاء المُبعدين، لكن ما تم الاتفاق عليه، هو استعادة اللاجئين مرتكبي الجرائم بعد أن أمضوا فترة سجنهم (في ألمانيا). 

وماذا عن ملف عودة اللاجئين السوريين الآخرين المستقرين في ألمانيا منذ سنوات؟ 

لقد أشرنا دائمًا إلى أننا منفتحون أيضًا على إجراء محادثات بشأن مسألة عودة اللاجئين. وقد حان الوقت الآن لكي تتخذ الحكومة الألمانية خطوة في اتجاهنا. 

لا يزال هناك العديد من الألمان المنتمين إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" محتجزين في مركزي الهول وروج. لماذا لم يتم استعادتهم حتى الآن؟

نود أن نشكر الحكومة الاتحادية على تعاونها الوثيق في هذا الشأن. ولكن مع الأسف، اقتصر هذا التعاون حتى الآن على إعادة النساء والأطفال الذين يحملون الجنسية الألمانية. والخطوة التالية هي توسيع نطاق هذا التعاون ليشمل سجناء داعش الذكور الذين يحملون الجنسية الألمانية وتوضيح جنسية الإرهابيين الناطقين بالألمانية في داعش. 

مقاتل يحرس تجمعا لأفراد من عائلات مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية المشتبه بهم وينتظرون نقلهم من مخيم الهول في سوريا.
يعيش في مخيمي الهول وروج أكثر من 45 ألف شخص من عائلات تنظيم الدولة الإسلامية. فيما يوجد مركزين فقط لتأهيل الأطفال يأويان 250 طفلا فقط. هنا، يظهر مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية يحرس تجمعا لأفراد عائلات مقاتلي التنظيم، مخيم الهول، سوريا، 8 مايو/أيار 2024. (photo: picture alliance / AP |B. Ahmad)

وماذا عن النساء والأطفال الذي يخضعون لظروف احتجاز قاسية منذ سنوات طويلة، بحسب تقارير حقوقية؟ 

يعيش في مخيمي الهول وروج أكثر من 45 ألف شخص من عائلات تنظيم الدولة الإسلامية داعش. ويقبع في السجون نحو 10 آلاف إرهابي خطير من داعش، بما في ذلك 2500 من دول ثالثة. لدينا مركزين لتأهيل الأطفال هما؛ الأول: مركز الهوري الذي بدأ استقبال الصبية عام 2017، والثاني: أوركيش الذي جرى افتتاحه العام الماضي، وبهما قرابة 250 طفلا من جنسيات عديدة، بينها الألمانية والفرنسية. لكن هذا الرقم قليلا للغاية مقارنة بعدد الأطفال الكبير الموجود لدى أمهاتهم بالمخيمات الذين لا يزالون عرضة للفكر المتشدد. لذلك، هذه قنبلة موقوتة تتمدد ويزداد خطرها بمرور الوقت. ندرس تلك الأمور مع مسؤولي الدول الذين نلتقي بهم بما فيها زيادة مراكز إعادة تأهيل الأطفال. 

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو الذي قرر من قبل سحب جزء من القوات الأمريكية في سوريا، ما خياراتكم حال قرر سحب الجزء المتبقي؟ 

لقد تابعنا الانتخابات عن كثب. نهنئ الرئيس ترامب على فوزه في الانتخابات ونعرب عن استعدادنا للتعاون الوثيق والأعمق. لقد أثبتت قواتنا المسلحة (قوات سوريا الديمقراطية) أنها شريك موثوق به في السنوات الأخيرة ونريد تعزيز هذه الشراكة بشكل أكبر. أما مسألة انحساب القوات الأمريكية أو بقائها، فهي تعتمد على استراتيجية ومصالح الولايات المتحدة. ونرى الآن في العراق، بقدر ما يشكله ضغط الحكومة العراقية للانسحاب الأمريكي، إلا أن ذلك يبقى احتمالا ضعيفا، نظرا لعدم استقرار الوضع والتواجد الإيراني هناك. كما أن الحرب الإسرائيلية في غزة زادت من احتمالية استمرار تواجد القوات الأمريكية في المنطقة. 

أخيرا، لطالما نسمع عن حلم إنشاء دولة كردية.. هل ممكن أن يحدث ذلك مع وجود إقليم كردستان بالعراق والإدارة الذاتية في سوريا الآن؟ 

التقسيمات وحدود الدول التي تلت الحرب العالمية الثانية في منطقة الشرق الأوسط لا تزال قائمة. بالتأكيد لا ندعمها، ولكن أيضا لا نملك إزالتها. نحن مصرّون على تحقيق الحقوق القومية الثقافية لكل القوميات الموجودة في سوريا على رأسهم الكرد. أما تحقيق حلم الدولة الكردية، فالظروف الدولية هي التي ستحدد تلك المسألة في نهاية المطاف. 

قنطرة ©