العنف خلال الحجر الصحي ينذر بتحويل حياة النساء والأطفال إلى كابوس
أصبح العنف الجسدي جزءاً من حياتي، كالطعام والماء، والهواء الذي أتنفسه، لا أعرف حقيقة أخرى"، وديعة محمود (اسم مستعار)، سيدة خمسينية من مدينة عربية لا تريد ذكر اسمها، تزوجت بعمر صغير، ورزقت بعائلة كبيرة، "لدي 8 فتيات وابن، هم أيضاً لا يعرفون واقعا آخر".
عانت وديعة من العنف المنزلي لأكثر من ثلاثين عاماً، بعد أن تزوجت بأحد أقربائها، تقول الضحية: "كلما ضربني، هربت إلى منزل والدي، ولكني ما لبثت أن عدت له بحكم "العيب"، ومن أجل أطفالي.".
الخوف على أطفالها يفوق خوفها على نفسها، إذ لطالما استغل زوجها فترة غيابها لتعنيف الأطفال، "واستعبادهم"، كما وصفت لنا، "كنت أعود إليه بسبب بكاء أطفالي على الهاتف مستغيثين بي"، وكلما تحاملت على نفسها وعادت، وجدت أبنائها يتألمون من كدمات "زرقاء"، "كدمات ... كدمات.. في كل مكان، الوجه، الأطراف، الظهر... كيف لأم تحمل رؤية هذا المشهد؟ أفضل أن يتم ضربي على أن يمس شعرة منهم".
"لحسن حظها" كما وصفت وديعة الأمر، فإن زوجها اعتاد الغياب لأسابيع بسبب طبيعة عمله، "هذا أعطاني فرصة للتنفس، للهروب من الواقع ولو لفترة قليلة، كان غيابه كما الاحتفال لي وللأطفال".
للأسف؛ فإن إجراءات الحجر الصحي وحظر التجول في بلدها، جعل تواجده داخل المنزل دائما، مما شكل "كابوساً" لها، خاصة بعد زواج جميع بناتها، "زوجي عصبي، نقص السجائر.. القهوة.. يدفعه لحد الجنون، والآن في ظل الحجر الصحي، أنا وابني أمامه فقط؛ ليصب جام غضبه علينا".
ارتفاع وتيرة العنف المنزلي خلال الحجر الصحي
وديعة ليست الوحيدة، إذ تحكي أم علي (اسم مستعار)، وهي لاجئة في تركيا، لـدويتشه فيله أن زوجها يمارس العنف المنزلي بشكل يومي عليها وعلى أطفالها، أزمة كورونا: الخسائر الاقتصادية ستكون أكبر من أي وقت مضى، حارماً إياها من الراحة في المنزل وخارجه، "قام بحرقي ذات مرة لأني رفضت ممارسة علاقة جنسية معه"، تقول أم علي.
وفي ظل هذا العنف الدائم؛ تعبر عن خوفها من إعلان حظر التجول في تركيا، والذي يعني اضطرارها للبقاء في المنزل، بعيداً عن العمل، وأمام زوجها دوماً، "سوف أتعرض للضرب والإهانة أكثر، لم أعد أتحمل!".
قرار دول عدة حول العالم بحظر التجول لمنع انتشار كورونا، وضع آلاف النساء والأطفال أمام احتمالية تزايد العنف المنزلي الواقع عليهم، فيما توقع خبراء ظهور حالات جديدة من العنف الأسري، إذ سجلت الصين ارتفاعاً في عدد حالات العنف وصل في بعض الأماكن إلى ثلاثة أضعاف المعدل السابق، وذلك بعد أسابيع فقط من إجراءات العزل الصارمة.
العنف ليس جسدياً فقط... بل ونفسياً كذلك
تذكر الأخصائية الاجتماعية آلاء اكنيس، والتي تعمل حالياً في عيادة طوارئ مصممة للتعامل مع حالات العنف المنزلي في ظل إجراءات حظر التجول في الأراضي الفلسطينية، إلى أن الحجر هو وضع جديد وغريب على العائلات، ما يعني أن بعض الأفراد سيجدون صعوبة للتعامل معه، وتتوقع اكنيس أن تزداد حالات العنف ضد النساء والأطفال كونهم الفئات الأكثر ضعفاً وتهميشاً في المجتمع، مضيفة: "العنف قد يكون نفسياً وصحياً و جسدياً".
وتجد اكنيس أن طبيعة دور المرأة في العائلات العربية يجعل من إمكانية تعرضها لضغوط نفسية وصحية أكبر من باقي الأفراد، فيما ترى بأن الأطفال ربما يصبحون أيضاً "أداة لتفريغ مشاعر الغضب لدى البالغين"، ما يعني ازدياد المشاعر "السلبية لدى الأطفال، الذين قد لا يدركون ما يحدث حولهم".
وقد يساعد تواجد أفراد الأسرة على مساحة مغلقة ولفترات طويلة في "توتر العلاقات" العائلية، إذ تعتقد الأخصائية الاجتماعية اللبنانية رانية سليمان، أن التقارب المكاني الحالي بين أفراد الأسرة يؤدي إلى تماس مباشر بينهم، والذي قد يؤدي إلى ضغط نفسي، ربما سيتحول إلى "عنف جسدي ضد المرأة والطفل".
وتضيف أن طبيعة الوضع الحالي، والقلق الصحي، الذي يعاني منه أفراد الأسرة والنساء خاصة، يجعل من الضغط النفسي الذي يتعرضن له كبيراً، وتعقب: "أغلب الحالات التي نتعامل معها حالياً، من نساء مطلوب منهن استجابة عالية لتلبية احتياجات الأسرة في ظل هذه الظروف، ويتعرضن لضغط يومي كبير، وفي حال عدم قدرتهن على تلبية هذه المتطلبات بالشكل الذي يراه الرجل مناسبا فإنهن يواجهن العنف الجسدي".
وتنصح الأخصائية الاجتماعية اكنيس النساء بالاحتفاظ بوثائقهن الرسمية، مثل الهوية الشخصية والتأمين الصحي، بالإضافة إلى الأرقام الخاصة بالطوارئ في مكان قريب منهن، والتواصل مع أشخاص تثق بقدرتهم على تقديم المساعدة حين الحاجة، وتشير إلى أن توزيع المهام المنزلية على الأشخاص داخل الأسرة قد يساعد في الحد من تفاقم المشاكل الأسرية والضغوط النفسية، مؤكدة أن على النساء اللواتي يتابعن مع مؤسسات تعنى في قضايا العنف، الاستمرار بالتواصل مع الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في حال تعرضهن لأي عنف أو ضائقة.
الحصول على المساعدة في ألمانيا
تظهر الأرقام الإحصائية في ألمانيا أن امرأة واحدة على الأقل تُصاب بجروح جسدية كل ساعة في المتوسط على يد شريكها، ومع تزايد المخاوف من ظهور حالات عنف أكثر، فإن الخبراء ينصحون باتباع خطوات بسيطة قد تساهم في إنقاذ حياة.
يتمثل أولها في الإبقاء على أهبة الاستعداد للاتصال بالشرطة في حال سماع صراخاً قادماً من منازل الجيران، مع توفر إمكانية الحصول على المساعدة والمعلومات من خلال المنصات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي للمؤسسات الألمانية التي تعنى بحقوق المرأة والطفل، مثل مؤسسة أنقذوا الأطفال، ويادويغا/ jadwiga.
وإذا كنت في ألمانيا وتعانين من العنف، وتحتاجين إلى مشورة سرية، فيمكنك الاتصال بخط المساعدة المركزي الخاص بمؤسسة "هيلفيهتيلفون Hilfetelefon " في ألمانيا على رقم 08000 116 016 أو قم بزيارة hilfetelefon.de.
مرام سالم
حقوق النشر: دويتشه فيله 2020
[embed:render:embedded:node:39750]