قناة إسطنبول الجديدة - بين إصرار إردوغان على البناء ومعارضة المنتقدين
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان معروف بشغفه بمشاريع البناء الضخمة: مطار جديد وأكبر مسجد في تركيا أو نفق يمر تحت البوسفور. كل هذه المشاريع حققها في وقت وجيز. لكن تلك المشاريع الرفيعة المستوى لا تساوي شيئا أمام مشروع بنائه الجديد: قناة إسطنبول.
فالحكومة التركية لا تخطط لأقل من إيجاد مضيق بوسفور ثان ـ نسخة للمضيق البحري الذي يمر عبر إسطنبول، المدينة التي تحتضن 16 مليون نسمة.
في غرب المدينة سيتم بناء القناة الصناعية بطول 45 كيلومتر بموازاة البوسفور وربط البحر الأسود ببحر مرمرة. والهدف هو التخفيف من حركة السفن الكثيفة في البوسفور وتفادي وقوع حوادث، كما أعلنت دوائر حكومية.
ومنذ عام 2011 انطلقت أعمال التخطيط للمشروع، إلا أنها تجمدت طوال سنوات. لكن ها هي الحكومة التركية قد قامت بالكشف مجددا عن تلك المخططات.
وأعلن إردوغان عن مناقصة لبناء القناة. وقد تحققت وزارة البيئة والبناء الحضري من التوافق البيئي لمشروع البناء وكانت النتيجة "ايجابية".
رياح معاكسة من جهة إمام أوغلو
لكن تنفيذ مشروع البناء الضخم الجديد لإردوغان يلقى صعوبات، لأن ميزان القوى في مدينة البوسفور تغير في يونيو/ حزيران 2019. فمنذ ذلك الوقت يشغل الاشتراكي الديمقراطي أكرم إمام أوغلو، من حزب الشعب الجمهوري، منصب رئيس البلدية وبالتالي يتحكم في صندوق المدينة ـ وهو أول رئيس بلدية منذ 25 عاما لا ينتمي لحزب إردوغان، العدالة والتنمية، ويعارض البناء المرتقب.
إمام أوغلو وصف المشروع بأنه "خيانة لإسطنبول" و "مشروع اغتيال" ويعد بأنَّ "16 مليون مواطن سيعارضون" . وقد أتبع كلماته بأفعال إذ تخلى عن بروتوكول تعاون أبرمته إدارة المدينة السابقة مع الحكومة.
وتعود أسباب رفض رئيس بلدية إسطنبول وكذلك سكان المدينة وعلماء بالأساس إلى تكاليف البناء الباهظة والتحفظات الكبيرة من ناحية البيئة.
فالمشروع قد تكون له انعكاسات كبيرة على طبيعة المنطقة، كما يقول خبير البيئة، دوغاناي تولوناي من جامعة إسطنبول. فالقناة ستستهلك موارد مائية هامة، لأنه في الموقع الذي ستمر منه يوجد مخزون مياه إسطنبول، وهي تهدد النظام البيئي المعقد للمنطقة.
"الكثبان الرملية في شمال المدينة توجد بها غابات محمية وسيول ومراعٍ مهمة بالنسبة إلى النظام البيئي وتحتضن مئات أنواع النباتات والحيوانات"، كما يحذر تولوناي. وإخلال قوي بالنظام البيئي ستكون له عواقب اقتصادية: "فالصيادون في البحر الأسود والمزارعون سيتحتمعليهم مغادرة المنطقة".
مشروع ضخم بتكاليف ضخمة
وإلى ذلك تضاف تكاليف البناء الضخمة، إذ يتم الحديث رسميا عن نحو 11.5 مليار يورو. لكن خبراء يتوقعون تكاليف أكثر للقناة الجديدة. فالمشروع سيجري إنشاؤه "على حساب دافع الضرائب"، بحسب انتقاد أكبر حزب معارض في تركيا.
"والمشروع يفتقد لكل عقلانية اقتصادية"، كما يعتبر رجل الاقتصاد مصطفى سونميز. فالبوسفور يضمن ظروفا جيدة لملاحة السفن ويوفر إمكانيات كافية العبور، بحسب سونميز.
"خطر زلازل أكبر"
ويحذر منتقدون من أن القناة قد يكون لها مفعول سلبي على خطوط الانفصال التكتونية (المتعلقة بالقشرة الأرضية) الموجودة تحت أرض إسطنبول ـ وخطر زلازل أكبر سيكون العاقبة.
أما مكتب إدارة الكوارث والطوارئ فيعارض هذا الموقف بالقول إنه لا يوجد ارتباط بين مخاطر وقوع زلازل وبناء القناة. وهذا لا يُقنع الكثيرين من سكان المدينة، الذين يعبر إمام أوغلو عن تخوفاتهم ويحذر من أن نوعا من الجزيرة سينشأ بين القناة والبوسفور ـ وأن ثمانية ملايين شخص سيكونون محاصرين من خلال هذا الموقع في منطقة مهددة بالزلازل.
ورئيس بلدية إسطنبول ينتقد أن قطع أرض على طول القناة بيعت لمستثمرين عرب ـ بينهم أعضاء عائلات ملكية. وجواب إردوغان هو: "هل هذا محظور؟ لو كان اسمهم هانز وجورج لما رأى أحد إشكالية في ذلك".
"سيتم تشييد القناة"
مشروع بناء القناة لا يدخل في حيز مسؤولية رئيس البلدية إمام أوغلو ولا إدارة مدينة إسطنبول. وهذا ما تشير إليه باستمرار قيادة حزب العدالة والتنمية، لأن قناة إسطنبول ليست مشروعا محليا، بل وطنيا.
ومنذ سنوات يصف إردوغان المشروع "بحلمه". ولا يبدي أي تفهم أمام المتشككين. "يروقهم ذلك أم لا، فقناة إسطنبول سيتم بناؤها"، كما يقسم الرئيس التركي، ويضيف:"نحن لن نسمح بأن يمنعنا من ذلك أشخاص بدون رؤية وأهداف ولا حب وأمل لبلادنا".
دانييل بيلوت
ترجمة: م.أ.م
حقوق النشر: دويتشه فيله 2020