هل ينجح مصطفي الكاظمي في استعادة هيبة الدولة العراقية؟
كانت عائدةً إلى بيتها بعد انتهاء العمل راكبةً على درَّاجتها الهوائية مثلما تفعل دائمًا، وفجأةً توقَّفت سيَّارتا جيب بجانبها، وسحبوها عن الدرَّاجة وجروها إلى داخل واحدة من السيارتين، ومنذ ذلك الحين اختفت هيلا مفيس، مديرة القسم الثقافي في معهد غوته الألماني في بغداد.
أكَّدت وزارة الداخلية العراقية وكذلك نائبٌ كردي اختطاف هيلا مفيس. في حين أنَّ وزارة الخارجية العراقية لم تُرِد التعليق على ذلك، ومع ذلك استمرت الجهود لإطلاق سراح هذه السيِّدة البرلينية. أظهرت التجارب (في حالات الاختطاف) أنَّ الساعات الثمانية والأربعين الأولى هي الأهم. حيث يبقى بالإمكان تتبُّع الآثار؛ ولكن كلما طالت مدة اختطاف الرهينة زادت صعوبة تحريرها.
[وقد حررت قوات الأمن العراقية السيدة الألمانية -التي خُطِفَت مساء الإثنين 20 / 07 / 2020 خارج مكتبها في وسط العاصمة بغداد- وفق ما أعلن مسؤولون في ألمانيا والعراق الجمعة 24 / 07 / 2020].
يأتي اختطاف هيلا مفيس في وقت يتميَّز بقدر كبير من انعدام الثقة والشكّ. إذ تسود في بغداد أجواء متوترة - وذلك لأسباب عديدة. فرئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي في منصبه منذ شهرين فقط ولديه مشاريع كثيرة يريد إنجازها: حلّ الإشكالات مع إيران والأمريكيين والمشكلات مع الميليشيات ومع عودة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والأزمة المالية الخطيرة بسبب انخفاض أسعار النفط، بالإضافة إلى جائحة كورونا، التي تتسبَّب موجتها الثانية في زيادة شديدة في أعداد المصابين، وأخيرًا حركة الاحتجاج، التي أدَّت إلى وصوله إلى هذا المنصب ومن الممكن حشدها من جديد في أي وقت إنْ لم يستجب لمطالبها.
تشكيل الحكومة الثالثة بعد شهور من الصراع على السلطة
شهد العراق محاولتين فاشلتين لتشكيل حكومة منذ استقالة عادل عبد المهدي في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وذلك بعد شهور من الاحتجاجات. وحكومة مصطفى الكاظمي هي المحاولة الثالثة.
مصطفى الكاظمي صحفيٌ ورئيسُ جهاز المخابرات العراقية منذ عام 2016، بدأ ولايته بحدث مفاجئ ومباغت. ففي أواخر شهر حزيران/يونيو 2020 نفَّذ في بغداد مداهمة لمقر كتائب حزب الله القوية، وهي ميليشيات شيعية تابعة لإيران متهَمة بشنِّ هجمات على منشآت عسكرية. وفي هذه المداهمة تم اعتقال ثلاثة عشر فردًا من أفراد ميليشيات كتائب حزب الله بالإضافة إلى مصادرة قاذفات صواريخ.
فقد وقع منذ شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2019 أكثر من ثلاثين هجومًا بالصواريخ على منشآت للجيش الأمريكي وشركات نفط أمريكية وكذلك السفارة الأمريكية. ومعظم هذه الهجمات لم تتسبَّب سوى بأضرار طفيفة فقط، لأنَّها نُفِّذت بشكل عشوائي من مناطق بعيدة باستخدام صواريخ كاتيوشا غير مُوجَّهة.
ولكن في شهر آذار/مارس 2020، قُتل مواطنان أمريكيان وجندية بريطانية في هجوم على قاعدة التاجي العسكرية شمالي بغداد. يتمركز في قاعد التاجي أيضًا جنودٌ ألمان يتوَّلون مهمة تدريب الجيش العراقي هناك. وفي هذه الأثناء أعلنت القيادة الأمريكية في العراق عن أنَّها ستنسحب من البلاد وستترك في العراق فقط مدرِّبين رفيعي المستوى. ومع الأمريكيين سيرحل أيضًا الشركاءُ الآخرون في التحالف الدولي ضدَّ داعش.
عمل مثير للجدل
كان هذا العمل ضدَّ كتائب حزب الله مثيرًا للجدل، وذلك لأنَّ هذه المليشيات تعتبر من الوسط القيادي لقوَّات الحشد الشعبي، التي تكللت حربها ضدَّ تنظيم داعش بالنصر ومن المفترض الآن دمجها في أجهزة الأمن العراقية. برَّر مصطفى الكاظمي عمله هذا بهدف نيَّته العمل بحزم ضدَّ جميع الجماعات التي تعمل خارج إطار القانون.
وقال إنَّه لا يحقّ لأية جهة أو قوة أن تكون خارج إطار الدولة. لكن حزب الله معروف بتنفيذه عمليَّات لا تتم بأمر من القائد الأعلى للقوَّات العراقية، الذي يشغل منصبه حاليًا مصطفى الكاظمي. ومع ذلك فقد تم الإفراج عن مقاتلي كتائب حزب الله بعد أيَّام قليلة فقط من اعتقالهم. توقَّع المتحدِّث باسم كتائب حزب الله محمد محيي في حديث له مع قناة الجزيرة الإخبارية أنَّ الكاظمي "سيفشل".
لا يحدث كثيرًا في الوقت الراهن أن يخرج المتظاهرون إلى الشوارع من أجل حكومتهم. احتجَّ في العراق أيضًا آلاف من المتظاهرين ضدَّ ساستهم لأكثر من عام، وخاضوا معارك شوارع دامية مع قوَّات الأمن، وأقاموا مدينة من الخيام في قلب بغداد. وفي نهاية المطاف نجحت احتجاجات ساحة التحرير في جعل رئيس الوزراء السابق يستقيل من منصبه، لأنَّه لم يفعل سوى القليل من أجل محاربة الفساد وبدء الإصلاحات وقبل كلّ شيء إشراك الشباب في العملية السياسية.
بدعم من حركة الاحتجاجات
والآن تغيَّر الوضع - بشكل مؤقَّت على الأقل. يحتاج رئيس الحكومة الجديد مصطفى الكاظمي إلى دعم المُحتجِّين من أجل تنفيذ خططه التي تُمثِّل مطالبهم، ومن أجل تنظيف المستنقع السياسي في العراق، الذي يبدو أنَّه ليس بالإمكان اختراقه تقريبًا وليس بالإمكان التغلب عليه.
ولذلك يطلب مصطفى الكاظمي من المقاومين الشباب مساعدته حتى لا تنتهي ثورتهم المعلنة في اللاشيء. وعلى الرغم من جائحة كورونا وحظر التجوُّل وفرض ارتداء الكمامات، فقد خرجوا إلى الشوارع في الأسبوع الماضي [في تموز / يوليو 2020] وعبروا جسر السنك [جسر الرشيد] فوق نهر دجلة وساروا إلى المنطقة الخضراء - الحيّ الحكومي الخاضع للحراسة وهتفوا أمام مقر رئيس الوزراء هتافات تشجيعية له.
ولكن جاء على الفور تحذيرٌ قاتل له وللمتظاهرين. فقد أُصيب في السابع من تمُّوز / يوليو 2020 (الباحث الأمني العراقي) هشام الهاشمي في سيَّارته البيضاء ذات الدفع الرباعي بأربع رصاصات خارج منزله في حيّ زيونة ببغداد. وقد شاهد أطفاله كيف تم إخراج جثة والدهم من السيَّارة، وتوفَّى هشام الهاشمي في المستشفى بعد ذلك بقليل. لقد كان هشام الهاشمي صديقًا جيِّدًا لمصطفى الكاظمي ومستشاره الرئيسي في قضايا التطرُّف.
الميليشيات الشيعية - دولة داخل الدولة
كان هشام الهاشمي ذو السبعة وأربعين عامًا يعرف أدقَّ التفاصيل عن هذه الجماعة المتطرِّفة أكثر من أي شخص آخر. كان يعلم مَنْ الذي تولى قيادة الفروع المحلية لتنظيم الدولة الإسلامية داعش، وما هو الدور الذي لعبته العشائر السُّنية وممثِّلوها أو كيف كان يُمَوِّل تنطيم داعش إرهابه.
احتلت في الآونة الأخيرة الميليشياتُ الشيعية القوية مكانَ الصدارة في أبحاثه. لا تخضع بعض هذه الميليشيات لسيطرة الحكومة، كما أنَّها تُشكِّل دولةً داخل الدولة، التي يوجِّهها الحرس الثوري الإيراني. ولذلك فإنَّ اغتيال هشام الهاشمي يُفهم على أنَّه تحذير لرئيس الوزراء من عدم العمل بجراءة ضدَّ نفوذ إيران ومصالحها.
و"على الرغم من ذلك فبإمكان الكاظمي أن يُحقِّق ناجحًا إن أوجد توازنًا"، مثلما يقول جاكوب لييس وايس، وهو باحث في مؤسَّسة جيمستاون في واشنطن وخبير في شؤون العراق. يجب على مصطفى الكاظمي - بحسب جاكوب لييس وايس - أن يتجنَّب الصراع المباشر مع إيران، وأن يُظهر قوَّته في قضايا السياسة الداخلية والخارجية.
ويجب عليه - مثلما يقول جاكوب لييس وايس - أن يفعل شيئًا خاصةً على الصعيد الاقتصادي ويدفع دفعًا جيدًا رواتب أفراد ميليشيات الحشد الشعبي، ليختفي عندئذ نفوذ إيران. وذلك لأنَّ طهران تعاني حاليًا من صعوبات مالية خطيرة ولم يعد بإمكانها دفع رواتب أفراد الميليشيات في العراق بالكامل.
أمَّا أنَّ مصطفى الكاظمي يريد الاستمرار في التنظيف فهذا ما أظهره خبرٌ من وكالة الأنباء العراقية (نينا) في الثامن عشر من تمُّوز / يوليو 2020 يفيد بأنَّ الحكومة العراقية قرَّرت نزع سلاح الأحزاب السياسية وزعماء العشائر. وأضافت وكالة نينا أنَّ هذا القرار يسري في البداية على محافظة البصرة في جنوب العراق. ففي الأشهر الماضية، ازدادت العِداءات العشائرية الدموية وقد أرعبت أهالي هذه المدينة الجنوبية.
يتم الآن تحصين المعابر الحدودية إلى الجارة إيران، لأنَّ أفراد المليشيات والعشائر يمكنهم عبور الحدود إلى إيران عند شط العرب من دون أية عوائق تقريبًا. وكذلك سيتم في معبري الشلامجة وصفوان تركيب تقنيات حديثة لمراقبة حركة المرور على الحدود بشكل تام ومن دون ثغرات بقدر الإمكان وإنشاء مرافق تخليص جمركي جديدة. وقد سارت إلى هناك الحفارات والجرافات.
بيرغيت سفينسون
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2020
[embed:render:embedded:node:38254]