مستقبل ليبيا الجديدة بين شيخ القبيلة وشيخ الطريقة!
في الثامن والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي تبنى المجلس الوطني الانتقالي الليبي قانون الانتخابات الذي سينظم انتخابات المرحلة الانتقالية المقررة في يونيو (حزيران) القادم في جلسة لم يحضرها إلا عدد قليل من أعضاء المجلس ــ الذي لا يزال أغلب أعضائه مجهولين بعد مضي قرابة عام كامل مند تأسيسه كقيادة جماعية للتمرد الذي أطاح بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي وأدى إلى مقتله في أكتوبر الماضي.
وبالرغم من أن المجلس الانتقالي قد طرح مسودة القانون للمناقشة من قبل الجمهور وطلب إلى الليبيين الإدلاء بملاحظاتهم إلا أنه في النهاية أقر ما رآه مناسبا وأسقط كل التعديلات التي تم اقتراحها من قبل الجمهور بكافة شرائحه آخدا فقط بالتعديلات التي تقدمت بها جماعة الإخوان المسلمين. والقانون ملئ بالعيوب أهمها أنه يخدم فئة سياسية واجتماعية معينة على حساب بقية فئات المجتمع ويهضم حق المرأة بطريقة ذكية ويلغي التعددية الفكرية ولكن في إخراج يتناسب مع متطلبات المسرح السياسي و مطالب القوى الخارجية بضرورة إجراء انتخابات حرة. وفي مقابلة له مؤخرا اعترف فتحي البعجة عضو المجلس الانتقالي بأن القانون تم إقراره في جلسة تأجلت أكثر من مرة ولم يعرف أغلبية أعضاء المجلس موعدها النهائي مما منعهم من الحضور واعترف أيضا أن الكيان السياسي الوحيد الذي سيحقق أغلبية في الانتخابات القادمة هو "جماعة الإخوان المسلمين" الليبية.
قانون الانتخابات
ووفق قانون الانتخابات سيتكون المجلس الوطني الجديد من 200 مقعد يخصص تلثيها للقوائم الانتخابية المشتركة ــ أي التحالفات السياسية ــ في حين يدهب التلث الباقي للمستقلين الأمر الذي يعني أن فرص المستقلين بالذات تكاد لا تدكر ناهيك عن فرص المرأة. وهذا عيب خطير في القانون كونه تفضيلا للتحالفات السياسية على حساب مكوناتها الأساسية أي الأحزاب مما يجعل أمكانية فوز أي كيان سياسي خارج تكتل سياسي أمر بالغ الصعوبة. كما أن القانون ألغى نسبة العشرة في المائة المخصصة للنساء واشترط بدل من دلك أن تلتزم الأحزاب السياسية بأن تتكون قوائم مرشحيها من عدد متساو من الرجال والنساء . وهدا مطلب شبه مستحيل في مجتمع قبلي يهيمن عليه الرجال وليس للمرأة فيه حظوظ تذكر مالم يحفظها القانون على الأقل في المرحلة الانتقالية التأسيسية.
كما أن القانون ألغى شرطا أخر يمثل مطلبا شعبيا وهو منع حملة الجنسيتين من الترشح. فلا غرابة في ذلك لأن قادة الإخوان المسلمين أغلبهم من حملة الجنسيتين وخاصة من دولة قطر. ولكنه في المقابل حرم قطاعا واسعا من المتعلمين وذوي المؤهلات من الترشح فقط لأنهم كانوا أعضاء في اللجان الثورية التي كانت قائمة إبان نظام القذافي ــ ومن بينهم وطنيون مشهود لهم ولم يمارسوا العنف ــ وهده التفافة ذكية من قبل الإسلاميين لإقصاء من لا يؤمنون بأفكارهم ذلك أن حركة اللجان الثورية هي الكيان السياسي الوحيد المهيأ سياسيا وتنظيميا للمنافسة السياسية في الانتخابات فيما لو تمكنت من خوضها بالرغم من اعتقال ومقتل ونفي عدد كبير من قياداتها.
فقر سياسي
والجدير بالذكر أن الليبيين لا يعرفون المنافسة الانتخابية المفتوحة ولم يسبق لهم أن أدلوا بأصواتهم على مدى الأربعة عقود الماضية ذلك أن النظام السابق كان لا يعترف بالأحزاب السياسية ويجرم تشكيلها أو الانخراط فيها. كما لا يعرف قطاع واسع من الليبيين معني الانتخابات ولا ما هي حقوق المرشح ولا الناخب ولا يدرك معنى الحملات السياسية ولا المسئولية المترتبة عليه كناخب قبل أن يكون مترشحا.
وهدا الفقر في الثقافة السياسية يجعل من عملية التصويت متى جرت مجرد لعبة يستفيد منها الحذاق وذوي التجربة المدعومين قبليا وشيوخ القبائل والأئمة ومشايخ الدين. وإن كانت الانتخابات التشريعية في كل من تونس ومصر مؤخرا قد انتجتا مجالس تشريعية يهيمن عليها الإسلاميون في البلدين فإن انتخابات ليبيا، وهي القطر الثالث الذي أطاح بنظامه السابق بعد مصر وتونس، ستنتج خليطا أخر عبارة عن مشايخ القبائل مع مشايخ الدين لا يجمع بينهم إلا الدين كأرضية مشتركة ويختلفون على كل شئ أخر. وهدا الوضع سيجعل المرحلة الانتقالية في ليبيا أصعب بكثير مما جرى في جارتيها مصر و تونس. وبالنظر إلى أن أغلبية الليبيين هم من الشباب المتحمس و الميال إلى التشدد وبالنظر إلى وفرة السلاح وسهولة الحصول عليه فالخوف هو أن تتحول الانتخابات إلى تصفية للحسابات في ظل غياب شبه كامل لأي سلطة مركزية في البلد.
غياب الأمن وتآكل الشرعية
وحتى اليوم وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على اغتيال العقيد القذافي وإعلان سيطرة المجلس الوطني الانتقالي على كامل التراب الليبي فإن المجلس الانتقالي لا يملك أي سلطة حقيقة على الأرض وأنما من يملك السلاح هو المسيطر الحقيقي وخاصة خارج المدن الكبرى وفي المطارات: فمطار طرابلس لا يزال تحت سيطرة مليشيات من الزنتان و مدينة بني وليد لا تعترف بالمجس الانتقالي أصلا وقام سكانها مؤخرا بطرد ممثلية وإحراق مقرهم بعد أن قام هؤلاء باختطاف أحد أبناء المدينة، فيما مصراته تخضع لسلطة محلية خاصة بها وكدلك بنغازي.
ويعاني المجلس الوطني الانتقالي من تآكل مستمر في شرعيته وصلت حد خروج المظاهرات المطالبة بحله وتمت مهاجمة مقره الرئيسي في بنغازي وتمكن رئيسه مصطفى عبد الجليل من الفرار ناجيا بنفسه قبل أن يصل إليه المتظاهرون الغاضبون. وفي الوقت ذاته تعاني الحكومة الانتقالية برئاسة السيد محمود الكيب من تشكيك في مصداقيتها ويصفها الليبيون بأنها حكومة مستوردة كون كل أعضائها تقريبا جاءوا من الخارج وتفتقر الحكومة إلى الرؤية السياسية و عدم القدرة على ضبط الأمن و العجز في تنفد القانون والفقر المالي بالرغم من وفرة الأموال في ليبيا.
وبدل أن يقوم المجلس الانتقالي وحكومته بتوظيف الأشهر المتبقية حتى موعد الانتخابات في توعية الليبيين والارتقاء بفهمهم السياسي نراهم يتصارعون فيما بينهم من أجل مصالحهم الخاصة أو مصالح مناطقهم. ومما يجعل الأمر أكثر غموضا هو أن كلمة شيخ في اللهجة الليبية يمكن أن تعني شيخ الدين أو شيخ القبيلة ويتوقف ذلك على سياق استعمال الكلمة، إلا أن الواضح ان المشايخ هم من سيقررون مصير البلد انتقاليا على الأقل أم أي مشايخ فذلك ما سينجلي في الانتخابات بعد أربعة أشهر.
مصطفى الفيتوري
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
مصطفى الفيتوري أكاديمي ليبي وحائز على جائزة سمير قصير لحرية الصحافة عام 2010