الزحف الإسلامي في الصومال
لم يحدث مثل هذا الأمر في مقديشو منذ خمسة عشر عاما. فلأول مرة بعد الإطاحة بالدكتاتور زياد بري صارت العاصمة الصومالية في قبضة جماعة واحدة، ألا وهي "اتحاد المحاكم الاسلامية". فقد احتفل زعيمها الشيخ شريف أحمد بالاستيلاء على السلطة في الخامس من حزيران/يونيو كـ"بداية لعهد جديد".
وتعلق على هذا البائعة فاطمة بقولها: "إنني سعيدة لأني أصبحت أستطيع الخروج من البيت دون أن أتعرض للخطر". ويمتدح سائق التاكسي محمد وحدة المدينة المكتسبة جديدا بعد أن كانت قبل ذلك مقسمة بين المليشيات قائلا: "لم تعد هناك حواجز في الشوارع ندفع عندها الأتاوات، هذا أمر جديد علي".
ظالمون جدد
ولكن الفرحة لم تستمر سوى أربعة شهور بعد استيلاء اتحاد المحاكم الاسلامية على الحكم. فقد اتضح لكثير من الصوماليين الذين اعتادوا منذ مئات السنين على ممارسة الاسلام المتسامح أن هؤلاء المناضلين من أجل العدالة والنظام قد تحولوا الى ظالمين جدد.
فعلى سبيل المثال رفع الصوماليون أثناء تظاهرهم في بداية أكتوبر/تشرين الأول في ميناء كسمايو لافتات ضد تحريم عرض أفلام هوليود: "نريد عودة السينما مرة أخرى". وكان الزعماء الراديكاليون قد منعوا قبل ذلك عرض مباريات كأس العالم لكرة القدم، كما أصبح سماع محطات الإذاعة التي تبث أغاني أوروبية وتعاطي القات - الذي يعتبر مخدرا محبوبا لدى الصوماليين - من الممنوعات أيضا.
وعادت أيضا عمليات تنفيذ حكم الإعدام العلني على القاتل في مدينة مقديشو، وعلى هذا يعلق أحد العاملين بالمنظمة الألمانية للتنمية والذي يواظب على زيارة الصومال منذ أكثر من عشر سنوات قائلا: "لم أر الناس يخافون في مقديشو إلى هذا الحد مثل الآن".
الحرب الحتمية
القوى المتطرفة داخل "الإتحاد" المفكك استطاعت أن تقوي شوكتها في الشهور التي تلت السيطرة على مقديشو. فأصبح الشيخ حسن ضاهر عويس يشارك الشيخ شريف أحمد - الذي يعتبر أحد البرzماتيين الليبراليين - في رئاسة الحركة، وهذا الرجل يعد من زعماء حركة الجهاد وأحد الإرهابيين المطلوبين عالميا. كما أصبحت اللهجة تشتد يوما بعد يوم ضد حكومة الصومال الإنتقالية التي شكلت بوساطة دولية.
وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة تعترف بمجلس وزراء هذه الحكومة إلا أن هذه الحكومة لم تستطع السيطرة إلا على مدينة بايدوة التي تبعد ما يزيد عن 200 كيلومتر عن مدينة مقديشو. وكل من الحكومة الإنتقالية و"اتحاد المحاكم الاسلامية" لا يزال ينوي الذهاب إلى الخرطوم نهاية أكتوبر/تشرين الأول لاجراء مباحثات سلام تحت رعاية جامعة الدول العربية، ولكن ليس هناك أمل في الوصول إلى أي اتفاق.
فالاسلاميون نقضوا عهدهم في كسمايو بالتوقف عن الإستيلاء على مناطق جديدة، والحكومة الإنتقالية جاءت بقوات اثيوبية إلى مدينة بايدوة لحمايتها، وهذا ما كانت تستبعده من قبل. وإعتمادا على هذه المواقف تتنبأ الإذاعات الصومالية بـ"حرب حتمية" بين الطرفين.
العدو اللدود إثيوبيا
لقد حدث لأول تفجير انتحاري في تاريخ الصومال نهاية سبتمبر/أيلول في مدينة بايدوة وهو تفجير استهدف الرئيس عبد الله يوسف، الذي لم ينج منه إلا بصعوبة. وكانت حكومته قد طالبت هي وإثيوبيا من قبل بقوات من شرق إفريقيا لحماية الصومال، لكن المشكلة هي أن معظم الصوماليين يعتبرون إثيوبيا العدو اللدود لهم منذ حرب الأوzادين في السبعينيات.
ويعلق على ذلك أحد القادة البارزين في "اتحاد المحاكم الاسلامية" الشيخ معلم حاشي محمد فرح بقوله: "ليس لدي أدنى شك في أن اتحاد المحاكم الشرعية سيقاتل اثيوبيا. واذا لم يتراجع الجنود (الاثيوبيون) سنصل الى أديس أبابا نفسها". وفي بداية أكتوبر / تشرين الأول أعلن أحد قادة الإسلاميين المحليين "الجهاد" ضد إثيوبيا.
جبهة ضد الإسلاميين
ولا يكاد ينقضي أسبوع إلا ويقوم رئيس الوزراء الاثيوبي مليس زيناوي بتهديد "الإتحاد"، لأن هذه الدولة ذات الطابع المسيحي تخشى الجار الإسلاموي الذي قد يساعد العرقيات الصومالية في شرق إثيوبيا على السعي للحصول على الاستقلال.
وعلاوة على ذلك تحتاج إثيوبيا التي لا تملك شواطئ إلى موانئ الصومال. ولهذا قامت إثيوبيا منذ سنوات مضت بعقد اتفاقيات أمنية مع "صومالي لاند" و"بونت لاند". ويرى المحللون أنه مع زيادة قوة الإسلاميين في الجنوب سيكون الشمال المنفصل هدفهم التالي. ولا يخفى على أحد أن إثيوبيا تتعاون مع الولايات المتحدة في الحرب ضد الإسلاميين، وفي نهاية سبتمبر/أيلول جددت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس مديحها لـ "إثيوبيا" كحليف في "الحرب ضد الإرهاب".
وعلى أية حال فإن القوات والمدرعات الحربية الإثيوبية تعسكر منذ مدة في مدينة بايدوة، وحسبما أوردت الجريدة اليومية اكسوريادة أن أحد مشاهير قادة الجيش يحاول الآن توحيد الميليشيات المتفرقة في المنطقة ضد الإسلاميين الذين لا يبعدون إلا ثلاثين كيلومترا عن بايدوة.
كما أن أوغنده قد تكون متورطة في حرب الصومال، ففي منتصف سبتمبر/أيلول فوجئ سكان بايدوة في الصباح الباكر وهم لايزالون في سبات بهبوط طائرة نقل حربية على أحد ممرات الهبوط المحلية. وكان رئيس جمهورية أوغنده يوري موسيفيني قد أكد مرارا حشد قواته إذا طالبت الحكومة الإنتقالية بذلك.
معسكرات تدريب وسط الصومال
يقوم "اتحاد المحاكم الاسلامية" حاليا بتدريب ألفين – حسب الإحصائيات الرسمية – من المقاتلين الجدد بمعسكرات عديدة تقع في وسط الصومال. ويروي الصحفيون الذين سمح لهم بزيارة هذه المعسكرات وجود مدربين من باكستان وأفغانستان. ويرى الكاتب الأمريكي كن منكهاوس أن ازدياد نفوذ المجاهدين يهدد أمن المنطقة بأكملها، وهذا "ما يعد مشكلة بالنسبة للكينيين".
ويقصد السيد كن منكهاوس، مؤلف كتاب "الصومال: حالة الإنهيار وتهديد الإرهاب" بذلك القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في كينيا والتي يمكن أن تتعرض لهجمات إرهابية مثلما حدث في أغسطس / آب 1998.
وإلى جانب هذه المشكلة يأتي طوفان اللاجئين، فمنذ بداية العام يعيش ما يزيد على 25.000 من الصوماليين اللاجئين في معسكرات الإستقبال بشمال كينيا المضطرب أساسا. ويزداد عددهم 2.500 كل أسبوع.
وفي الوقت ذاته تنصلت كينيا التي ترئس منظمة إتحاد دول شرق إفريقيا من مشاركتها في قوات حفظ السلام، بدعوى الخشية من فقدان الدور الذي اكتسبته عبر السنين كوسيط في الصومال إذا ما تدخلت بين المتصارعين على المصالح.
بقلم مارك انغيلهارد
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2006
قنطرة
حلّت ساعة الإسلاميين!
لم تحقق حكومة الصومال المؤقتة التي اعتمدت دستوريا في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2004 أي نجاح حتى الآن بينما بدأت الجماعات الإسلامية تقوي مركزها. محاكم الشريعة المنتشرة أحسن مثال على ذلك. مقال كتبه مارك انغيلهارت.
أمواج عالية وأسماك القرش
عشرات الآلاف من اللاجئين، لا سيما من الصومال، يتوافدون سنويا إلى اليمن عن طريق البحر. وعلى الرغم من استقبالهم وإيوائهم إلا أنهم لا يجدون أملا في المستقبل هناك، ولهذا تريد غالبيتهم السفر إلى أوروبا. تقرير كلاوس هايماخ وسوزانة شبرر من صنعاء
مقابلة مع الكاتب الصومالي نور الدين فارح
حينما يبلغ المرء أدنى القعر يمتلك الأمل في الصعود ثانية، اذ لا يمكن أن يهبط أكثر من ذلك. هذا ما يقوله بطل رواية "صلات" الجديدة لنورالدين فارح عن الصومال بعد سنين طويلة من الحرب الأهلية والفوضى. فارح يحذر من احتمال سيطرة الإسلاميين على الصومال. اليا براون التقى فارح في فرانكفورت وتحدث معه حول كتابه الجديد.