من عالم الشهرة إلى رحلة البحث عن السكينة

تحكي مقدمة البرامج التلفزيونية الموسيقية كريستيانه بيكر في كتابها " من قناة م تي في إلى مكة" عن تجربتها مع الإسلام وشوقها إلى الوصول إلى السلام النفسي. اعتناق الإسلام خلق لها أيضا متاعب مهنية وشخصية. منى صالح حاورت الألمانية بيكر حول قصة اعتناقها للإسلام.

أصدرت كريستسانه بيكر، التي لمع نجمها في تقديم البرامج الشبابية الموسيقية عبر قناة MTV، كتاباًَ بعنوان "من قناة م تي في/ MTV إلى مكة"، بعد أن اعتنقت الدين الإسلامي. وتحكي كريستيانة بيكر في كتابها قصة حياتها وكيف تحولت من امرأة غارقة في عملها ورحلاتها إلى باحثة عن السلام النفسي. لم تكن بيكر تعرف قبلاً أي شيء تقريباً عن الإسلام والمسلمين.

وشاءت الصدف أن تلتقي شابا مسلما ساهم في تعريفها بالإسلام، وهي تعتبر أن هذا اللقاء كان صدفة حسنة بالنسبة إليها، إذ إنها ما تزال تتذكر جيداً تلك الأيام التي كانت تبحث فيها عن منارات جديدة في حياتها. عن هذا تقول بيكر: "لقد هداني الله إلى الطريق القويم، كنت غارقة في عملي كمقدمة للبرامج الموسيقية، وأهرع من عرض إلى آخر، وأعمل من الصباح حتى المساء، وأجري مقابلات مع كثير من النجوم الكبار".

"الحب السامي هو ما كنت أبحث عنه"

وبمحض الصدفة تعرفت بيكر خلال عملها الفني في لندن على شاب باكستاني مسلم يدعى عمران خان. وكان عمران اشتهر في بلاده كلاعب لرياضة الكريكت، وفي هذا السياق تقول: "كان عمران يحاول في تلك الفترة سبر أغوار إيمانه من جديد، ويشاطرها أفكاره، ويطلعها على الكتب التي كان يقرؤها عن الإسلام". وقد دهشت عندما اكتشفت أن لديها كثيراً من الأحكام المسبقة التي تصفها بالقول: "إن مثل هذه الأحكام منتشرة في الغرب، لأن الناس يستقون معارفهم عن الإسلام من وسائل الإعلام فقط". وتضيف: "قبل أن أتعرف عليه كنت أعاني من أزمة قوية في حياتي، فقد حصلت على كل ما يمكن للمرء أن يحلم به، لقاء كبار النجوم والتنقل والترحال وأجمل الأزياء وحضور أفخم الحفلات. لكنني لم أكن سعيدة، كانت التعاسة في أعماق قلبي والشعور بالخواء يرافقني دوماً".

شعرت بيكر أن الذي تفتقده هو الحب، وأن لقاءها هذا الشاب المسلم جعلها تدرك ذلك. كانت تبحث بشكل لاشعوري عن حب الإله كما تقول ، وعن الحب الخالص السامي. لقد اصطحبها رفيقها عمران خان إلى باكستان، وكانت تلك أول رحلة لها إلى الشرق، أدركت خلالها كما تقول الدور الكبير الذي يلعبه الإيمان بالله في حياة الإنسان، وأن هذا الإيمان هو الذي دفع الناس هناك إلى إنجاز الكثير من الأعمال الخيرية. \

وتقدم مثالاً على ذلك مشروع المستشفى الخيري الذي بناه عمران لمعالجة الفقراء مجاناً، وساهم في بنائه آلاف المتطوعين من شتى أنحاء العالم. كان من دواعي دهشة بيكر أيضاً خلال رحلتها إلى باكستان، ذلك الضياء الذي يشع في عيون الناس على الرغم من فقرهم المدقع، وعندما تتحدث عن ذلك تقول: "شاهدت بأم عيني الفقر المدقع، وعلى الرغم من ذلك كان هناك بريق في عيون الناس، كانوا يقتسمون ما يملكون. وعندما تساءلت بيني وبين نفسي عن سر ذلك، اكتشفت أخيراً أن هذا ينبع من الإيمان بالله، فبدأت بالتعمق في الإسلام".

الفوارق الثقافية تلعب دورا في ممارسة الشعائر الدينية

أثرت الموسيقى الصوفية على مشاعر بيكر أكثر مما فعلت أغاني البوب، وعندما تتحدث عن هذه الموسيقى تقول إنها تجد أشعارها بالغة الجمال وأن معانيها تلامس ثنايا عواطفها. لقد فتحت هذه الموسيقى قلب بيكر على الإسلام، وعلى الثقافة الإسلامية الحديثة. ولم تنس التعبير عن إعجابها الشديد بالفن المعماري الإسلامي، ففي هذا الإطار كتبت: "راعني جمال هذا الفن الذي وجدته أيضاً في المغرب ودمشق، إنه الجمال المطلق".

كريستيانه بيكر لم ترغب في الاقتصار على دراسة الإسلام بشكل علمي فقط، بل حاولت عيشه بأحاسيسها. وقد احتاجت كما تقول إلى وقت طويل لخوض هذه التجربة. وتوضح مشاعرها هذه قائلة: "لاحظت أن الإسلام هو طريق لابد من السير فيه، إذا كنا نريد أن نعيشه بشكل فعلي. لقد أردت أن أتذوق الثمار الروحية للإسلام. وأن يصبح جزءاً من حياتي فجلبت سجادة صلاة وبدأت بممارسة شعائر الدين."

كريستيانه بيكر، التي تجد وتجتهد لتحسين لغتها العربية، تجد أن الفوارق الثقافية بين أوروبا والدول العربية تلعب دوراً مهما في ممارسة طقوس الدين. وتقول في هذا السياق: "إن الأجواء تختلف تماماً، ففي العالم العربي والإسلامي يسمع صوت الآذان خمس مرات في اليوم، ويمكن التوجه إلى الجامع للصلاة، وفي رمضان يصوم الجميع". وتجد كريستيانة بيكر في هذه الأجواء شيئاً إيجابياً جميلاً. "في مثل هذه الأجواء يتخلل الإنسان شعور رائع، هنا في لندن أتناول الطعام أحياناً مع بعض الأصدقاء، لكن الجو يبقى مختلفاً تماماً.

بناء جسور التفاهم والقضاء على الأحكام المسبقة

وعندما تتحدث عن أحلامها تقول: "أحلم بالزواج من رجل عربي مسلم و منفتح يتقبلني، ويحترمني، ويحبني كما أنا". أما على الصعيد العملي فهي تريد الاستفادة من خبراتها بتقديم برامج تلفزيونية يشارك فيها أشخاص ذوو أفكار عميقة، ثم تنتقد البرامج التلفزيونية الحالية وتقول: "هناك كم هائل من البرامج السطحية، وأنا أود أن أقدم برامج تساهم في بناء جسور التفاهم والقضاء على الأحكام المسبقة. وتريد كريستيانة بيكر السعي لجعل الناس في ألمانيا يفهمون الإسلام بشكل أفضل: "أود المشاركة في بناء الجسور مع العالم الإسلامي، وتجاوز الأحكام المسبقة. أريد الحديث عن الإسلام، وعن معناه الحقيقي، فالناس في ألمانيا ليس لديهم أي فكرة عنه، ومعظم الناس يعتقدون أن الإسلام يجحف بحق المرأة، وفيما عدا ذلك لا يعرفون شيئاً عنه "

"فقدت عملي وحبي بعد اعتناقي الإسلام"

بعد اعتناقها الإسلام واجهت كريستيانه بيكر العديد من الصعوبات رغم نجاحها وشهرتها. تقول بيكر: في عام 1995 انتهى كل شيء فجأة، وكل ما كنت قد حققته من قبل توارى وانتهى". فقد سرحت من عملها في برنامج الشباب في ألمانيا، وفي نهاية عام 1995 سرحت من العمل كمقدمة للبرنامج الموسيقي الشبابي، وفي الوقت نفسه تخلى عنها صديقها عمران خان دون سبب كما تقول، وتزوج فجأة من امرأة ثانية، لكن بقي في قلبها حب آخر. "الله سلبني حب هذا الإنسان، لكنه وهبني بدلاً منه الحب الخالص الصافي".

منى صالح
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2009

قنطرة

ملاحظات حول الإسلام الأوربي:
هل الإسلام الأوروبي ذوبان وإندماج أم تأقلم وتلائم؟
بدأت عبارة "أوروإسلام"(الإسلام الأوربي) تسري على الأفواه من جديد. فهي تبرز مجددا عندما تتوتر العلاقة بين الأغلبية في المجتمعات غير المسيحية والجالية الإسلامية في أوروبا. مدير معهد الشرق الألماني بهامبورغ أودو شتاينباخ يلقي الضوء على إشكالية هذا المصطلح وخلفياته السياسية.

حوار مع طارق رمضان:
"لا يوجد نظام إسلامي، بل مبادئ إسلامية"
يعارض الأكاديمي الإسلامي والمفكر طارق رمضان في هذا الحوار الذي أجرته معه كلاوديا مينده أنظمة السلطة الاستبدادية في الإسلام، كما يدعو إلى فهم معاصر للإسلام يقوم على أساس الفصل بين الدين والدولة .

الشرق في عيون الغربيين: أكذوبة لا غير؟
أعمال مستشرقين ورسامين وتلقيهم اليوم
كتابان يعالجان تاريخ تلقي الشرق. في حين يستطلع الأمريكي كريستيان دافيس رسامي الشرق في الغرب في القرن التاسع عشر، والجدال حول الاستشراق، يسعى المصري محمد عمارة من خلال تناول اقتباسات علامة غربيين عن الإسلام، إلى إثبات أن الإسلام هو أرقى درجات الأديان التوحيدية. تقرير فولفغانغ شفانيتس.