"أنت أمنا يا نيل ونحن أطفالك".. النوبي والنهر المقدس!
يدندن محمد صبحي بأغنية نوبية شعبية، معبرا عن سعادته ومدى ارتباطه بنهر النيل يقول فيها "أنت أمنا يا نيل ونحن أطفالك". هذا الرجل المسن يعيش في أسوان على جزيرة صغيرة وسط النيل.
"النوبيون يعيشون على ضفاف النيل. بعض القرى تقع على الضفة الشرقية وأخرى على الضفة الغربية، كما توجد جزر في الوسط. لهذا نحن نغني بأننا أطفال النيل. وكما تحمل الأم أبناءها على الذراع اليسرى واليمنى، على هذا النحو يكون النيل مثل الأم التي تحمل أبناءها".
يتحدث محمد باعتزاز عن موطنه، الجزيرة الصغيرة وسط النيل، حيث ممرات ضيقة تمر عبر العشب الأخضر وأشجار النخيل والمانغو تلقي بظلالها على المكان. ومياه النهر تتلألأ تحت أشعة الشمس، وخرير المياه يطرب مثل أغنية جميلة. وهنا في هذا الموقع يكون النيل أزرقا صافيا مثل السماء، ولا يمكن مقارنة مياه النيل هنا مع مياهه الموحلة التي تعبر القاهرة، كما يقول محمد، ويضيف بأنه "مسرور لأن هذا الموقع ربما يكون الوحيد الذي مياه صافية، ونظيف ناصعة مثل الكريستال".
في الماضي كان المصريون القدامى يقدسون النيل ويعتبرون ماءه أصل الوجود. والمؤرخ اليوناني هيرودوت قال إن "مصر هبة النيل". وماء النهر تم تمجيده كالحليب، وكانت تقام طقوس تقديم القرابين على طول النهر. والنهر الأطول في العالم يكافح اليوم ضد التلوث، ما يحزن محمد صبحي الذي يقول بحسرة "أحد شعرائنا قال مرة إن من يسيء إلى النيل هو عدوي. بالنسبة إلينا نحن النوبيون يظل النهر مهما للغاية".
"النوبيون مثل أسماك النيل"
وقد أقام محمد في جزيرة النيل متحفا صغيرا يحاول من خلاله الحفاظ على الكنوز الثقافية والتقاليد الشعبية النوبية، ومن بينها التذكير بطقوس النيل التقليدية لأهل النوبة. "في اليوم السابع من ولادة الرضيع يأتي النوبيون بالطفل إلى النيل لغسل يديه ووجهه بماء النيل، تقريبا مثل التعميد، ويقرؤون آيات من القرآن الكريم. النوبيون يؤمنون ببركة الملائكة والأرواح الخيّرة التي تعيش في النيل. وأحيانا تأتي النساء بالحلوى وترمينها في النهر لإرضاء الملائكة التي تظل مسؤولة عن السعادة والصحة والأعراس والمحاصيل الجيدة. نحن النوبيون نؤمن بأرواح النيل، إنه ارتباط روحي بالنهر". ويضيف محمد "حتى لو رحل واحد منا مثلا على متن قارب من أسوان إلى للعيش في القاهرة، فإن النساء ترشنه بماء النيل. وذلك لتذكيره بألّا ينسى أبدا النيل".
لكن اليوم ثقافة النوبيين وتقاليدهم مهددة بالاندثار، لأنه لدى بناء السد العالي في الستينات تم تهجير الكثير من النوبيين من موطنهم الأصلي إلى قرى على هامش الصحراء. وهذا ما يرفضه محمد بقوله "تصور، لقد عاشوا دائما على ضفاف النهر وتاريخهم مرتبط به، إنهم يؤمنون بالأرواح الجميلة للنيل، ثم تأتي وتبعدهم عن ملائكة الماء إلى شياطين الصحراء!".
محمد صبحي لا يمكنه تصور الحياة بدون النيل. فالنيل يجسد الحياة، كما يقول "نحن النوبيون مثل أسماك النيل. بدون ماء النيل سنموت مثل الأسماك" ثم يعود إلى ضفة النهر للجلوس على الأرض والنظر إلى الماء، ماء النيل المقدس عند النوبيين.
أنا أوسيوس/ م.م