تنمية مغاربية مطلوبة لإبطال قنبلة معيشية موقوتة
قبل أكثر من ست سنوات، انطلق الربيع العربي في بلدة تونسية وانتقل سريعاً إلى العالم العربي بأكمله. ملايين الأشخاص نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج على الظلم والمحسوبية والفساد. أوروبا صفقت لهذه التظاهرات وعُلقت الآمال على هذا التحول الديمقراطي. أما اليوم، فإن تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في الإطاحة بنظامها الدكتاتوري السابق، بل واستبدلته بنظام ديمقراطي فاعل.
وفي المغرب، فقد استطاع الملك الحفاظ على السلطة من خلال إقرار إصلاحات منتقاة. وفي الجزائر، كانت المظاهرات محدودة، ذلك أن الجزائريين ما زالوا مرهقين من نحو عقد من الحرب الأهلية في التسعينيات. أما في ليبيا، فقد انهارت الدولة، ما شكل خطراً على المنطقة أكملها. لكن الاهتمام العالمي سرعان ما انتقل من المنطقة المغاربية مع ارتفاع وتيرة العنف في سوريا والعراق. وفي أثناء ذلك، ارتكب أشخاص ذوو أصول مغاربية اعتداءات إرهابية في أوروبا. هذه الاعتداءات أكدت أن شيئاً ما يتحرك في شمال أفريقيا وقد يهدد الأمن الأوروبي بشكل مباشر.
الأوضاع الاجتماعية التي أدت إلى احتجاجات عام 2011 لم تتغير. وفي حقيقة الأمر، فإن تونس الآن أسوأ اقتصادياً مما كانت عليه عام 2011. السياحة تعتبر أحد أهم القطاعات الاقتصادية في تونس، ولكن في ظل التدهور الأمني في البلاد، فإن أعداداً أقل من السياح تتوافد على تونس. لذلك يسود جو من انعدام الأمل في تونس والجزائر والمغرب، وذلك بسبب ارتفاع نسب البطالة بين الشباب، يضاف إليها الفساد المستشري داخل مؤسسات السلطة.
إصلاحات غير جادة
وبالرغم من أن الحكومات أقرت بعض الإصلاحات، إلا أن التزامها بتلك الإصلاحات لم يكن جاداً. ما زال الخوف من انتفاضات جديدة ماثلاً. فالحكومة الجزائرية، على سبيل المثال، ما تزال تتجنب فرض إصلاحات ضريبية وخفض الدعم الحكومي للمواد الغذائية والوقود، وهو دعم تكاد لا تحتمله. أما في تونس، فإن الإصلاحات في القطاع الحكومي منيت بالفشل بسبب خوف الحكومة من تقليص العدد الهائل للموظفين الحكوميين.
وفي غضون ذلك، ما تزال مشاكل الناس في تدهور، والإحباط يتم التنفيس عنه بين الفينة والأخرى في صورة احتجاجات شعبية. أسوأ اضطرابات اجتماعية هزت تونس منذ عام 2011 كانت في يناير/ كانون الثاني عام 2016.
كما شهدت المغرب والجزائر اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن. الاحتجاجات كان سببها تخفيض الدعم الحكومي للضروريات الحياتية، بالإضافة إلى التصرفات العنيفة للسلطات. ويبقى تصاعد حدة هذه الاحتجاجات مسألة وقت، فخطر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والحروب الأهلية في الشرق الأوسط والفوضى في ليبيا – كلها تصب الزيت على نار الوضع السياسي في المنطقة بأكملها، الذي أصبح أكثر حدة اليوم مما كان عليه قبل الربيع العربي.
لكن على الرغم من ذلك، فإن السياسات التي تبناها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بخصوص المنطقة المغاربية تدفعها مخاوف محلية. التركيز كله هو على إرسال طالبي اللجوء أصحاب السوابق إلى أوطانهم. كما أن صانعي القرار الأوروبيين مهتمون بعقد اتفاقيات إعادة المهاجرين وإنشاء معسكرات لاستقبال اللاجئين في شمال أفريقيا. في المقابل، يقترح الاتحاد الأوروبي زيادة المساعدات التنموية للحكومات المتعاونة في هذا الصدد. وفي ذات الوقت، فإن الاتحاد يهدد بقطع المساعدات عن الدول التي لا تتعاون.
المزيد من الحوار والقليل من التهديد
من المقبول أن يأخذ الدبلوماسيون الأوروبيون مشاكلهم المحلية في عين الاعتبار، ولكن من ضيق الأفق تجاهل المخاطر التي ستسببها منطقة مغاربية ضعيفة اقتصادياً وهشة سياسياً. لذلك، ومن أجل مواجهة هذه المسائل، ينبغي على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه – خاصة ألمانيا وفرنسا – بذل جهود منسقة، إذ يجب إبطال مفعول هذه القنبلة الاجتماعية الموقوتة.
من أجل دعم تنمية مستدامة ونمو اقتصادي كلّي، هناك حاجة لمزيج من الأدوات، لأن الأمر يتعدى المساعدة التنموية. فالاتحاد الأوروبي يعتبر أكبر شريك تجاري لثلاث دول في شمال أفريقيا.
ومن أجل فتح فرص جديدة وخلق المزيد من فرص العمل، من المنطقي توطيد التعاون الاقتصادي وتخفيف الحواجز التجارية. كما أن النمو يمكن أن يعطي الفئات المهمشة من الشباب آفاقاً جديدة في أوطانهم. هذا ما يجب على صانعي القرار التأكيد عليه خلال حواراتهم مع شركائهم في شمال أفريقيا. وضع الشروط أو حتى التهديد لن يكون مفيداً. فمن أجل مستقبل أوروبا، يجب الاهتمام أكثر من ذي قبل بالسلام والاستقرار في شمال أفريقيا.
ناصر جعفري
ترجمة: ياسر أبو معيلق
حقوق النشر: مجلة التعاون والتنمية/ موقع قنطرة 2017