إدارة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وليس حله

تغيرت لهجة السياسة الخارجية لإسرائيل، ولكن ليس من حيث الجوهر، ومن غير المرجح أن تتعامل مع الفلسطينيين. وسوف يتم تأجيل القضايا الجوهرية المتمثلة في إقامة الدولة الفلسطينية وترسيم الحدود ومنح الحقوق للاجئين الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى.

تغيرت لهجة السياسة الخارجية لإسرائيل، ولكن ليس من حيث الجوهر، ومن غير المرجح أن تتعامل مع الفلسطينيين. وسوف يتم تأجيل القضايا الجوهرية المتمثلة في إقامة الدولة الفلسطينية وترسيم الحدود ومنح الحقوق للاجئين الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى. ويقول أحد مساعدي بينيت: “الشيء المهم هو عدم التسبب في أي مشاكل غير ضرورية ومحاولة تسهيل الحياة على الفلسطينيين”.

* *

القدس – على الرغم من أن رام الله والقدس تقعان على بعد دقائق قليلة من بعضهما البعض بالسيارة، لم يلتق أي وزير إسرائيلي بالرئيس الفلسطيني على مدى سبع سنوات. لكن هذا المحرّم كُسر في 29 آب (أغسطس)، عندما قام وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، بزيارة إلى محمود عباس في رام الله، العاصمة الإدارية للفلسطينيين. وقد بذل الإسرائيليون قصارى جهدهم للتأكيد على أنهم ناقشوا فقط “مسائل أمنية روتينية”، وأنها “لا توجد أي عملية دبلوماسية مع الفلسطينيين، ولن توجد”. ولم يتطرق السيد غانتس إلى بحث أي شيء جوهري، ناهيك عن بحث عملية السلام المحتضرة منذ وقت طويل.

فالحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي وصلت إلى سدة السلطة في 13 حزيران (يونيو)، أضعف من أن تقوم بأي خطوات جادة على هذه الجبهة. ويعارض رئيس وزرائها، نفتالي بينيت، وثلاثة من الأحزاب الثمانية في ائتلافه، بشدة تقديم أي تنازلات في الأراضي للفلسطينيين. كما يعارض السيد بينيت بشكل قاطع إنشاء دولة فلسطينية.

وتضم الحكومة الجديدة أيضًا وسطيين ويساريين -ولأول مرة حزبا عربيا إسرائيليا. ويؤيد معظم هؤلاء إقامة دولة فلسطينية. وخلافا للحكومة السابقة التي كان يرأسها بنيامين نتنياهو، فإن هذه الحكومة لن تسعى إلى بناء مستوطنات يهودية جديدة في الضفة الغربية التابعة للفلسطينيين ولن تقوم بضم أجزاء منها. لكنها لن تحاول حل النزاع المستمر بين إسرائيل وفلسطين أيضاً.

مثل سابقتها، ستعمل حكومة إسرائيل على التأكد من أن تظل أميركا الضامن المتحمس لها. وقبل خمسة أيام من مصافحة السيد غانتس مع الزعيم الفلسطيني، كان بينيت قد وصل إلى واشنطن في أول رحلة خارجية كبيرة له، للقاء الرئيس جو بايدن الذي شعرت إدارته بالارتياح لرؤية ظهر نتنياهو، الحليف المقرب للرئيس السابق دونالد ترامب، بينما يغادر السلطة. وقد أسعد بايدن الإسرائيليين بالحديث القاسي عن إيران. ومع ذلك، تبادل الزعيمان فقط أبسط أنواع الملاحظات بشأن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

كما تتمتع حكومة إسرائيل الجديدة بشهر عسل في علاقاتها مع الحكومات الغربية الأخرى أيضًا. وما لم تندلع موجة عنف كبيرة أخرى، مثل الحرب التي استمرت 11 يوما على غزة في أيار (مايو) وما رافقها من اضطرابات في إسرائيل، فمن غير المرجح أن تتعرض حكومة بينيت إلى ضغوط دبلوماسية متجددة قريبا. وقد حسنت هذه الحكومة بالفعل علاقاتها المتوترة مع جاري إسرائيل، الأردن ومصر.

ينمتي وزير خارجية الحكومة الجديد، يائير لابيد، الذي من المقرر أن يحل محل بينيت كرئيس للوزراء في غضون عامين، إلى معسكر الوسط، وهو ينوي تغيير تركيز التحالفات الدبلوماسية لإسرائيل. وكان نتنياهو يحب أن يتعامل مع الشعبويين ذوي التفكير المماثل، مثل ناريندرا مودي الهندي والبرازيلي جاير بولسونارو. وفي أوروبا كان يظهر إعجابه بقادة المجر وبولندا.

لكن السيد لابيد نأى بنفسه عن مثل هذه الجمعيات. وقد تعامل بقوة مع حكومة بولندا بشأن قانون يقيد الناجين من الهولوكوست وورثتهم ويمنعهم من المطالبة بالأملاك التي كانوا يمتلكونها قبل الحرب العالمية الثانية.

ولكن، في القضية الأكبر التي تواجه أي حكومة إسرائيلية -العلاقات مع الفلسطينيين- فإن الأساسيات تظل كما هي. وقد يكون القادة الإسرائيليون الجدد بصدد العودة إلى الوضع القديم إذا ما قاموا تغيير علامتهم التجارية المتمثلة في شعار”تقليص الصراع” بدلا من حله. وهم يأملون في أن يكون الفلسطينيون راضين عن زيادة ما في “الحكم الذاتي” والمزيد من المساعدات الاقتصادية داخل الضفة الغربية. وفي مرحلة لاحقة، قد يتم تخفيف الحصار الذي تفرضه إسرائيل ومصر على غزة منذ 14 عامًا.

في غضون ذلك، سيتم تأجيل القضايا الجوهرية المتمثلة في إقامة الدولة الفلسطينية وترسيم الحدود ومنح الحقوق للاجئين الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى. ويقول أحد مساعدي السيد بينيت: “الشيء المهم هو عدم التسبب في أي مشاكل غير ضرورية ومحاولة تسهيل الحياة على الفلسطينيين”.

من جانبهم، يسهّل الفلسطينيون على إسرائيل دفع قضيتهم إلى الهامش. فقد رفض السيد عباس، الذي أصبح الآن في العام السابع عشر من فترة حكم كان من المفترض أن تكون مدتها أربع سنوات، إجراء انتخابات، سواء كانت للرئاسة الفلسطينية أو المجلس التشريعي الفلسطيني. ويُنظر إلى إدارته على نطاق واسع على أنها فاسدة وغير فعالة. ومثل الحكومة الإسرائيلية السابقة، تبدو الحكومة الجديدة غير مبالية بمصير الفلسطينيين. وقد تكون هناك نوبات من العنف لسنوات طويلة قادمة. وفي الأثناء، تراهن هذه الحكومة على “إدارة الصراع”.



*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Managing the conflict: Israel’s foreign policy has changed in tone but not in substance