"يجب حماية إسرائيل من قوّتها"

يرى عالم الاجتماع الإسرائيلي ليف غرينبيرغ أنَّ الساسة الإسرائيليين طالما نظروا بسياساتهم إلى الولايات المتَّحدة الأمريكية ولهذا السبب بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة في فترة اقتراب تنصيب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة. والآن توجب عليه الضرورة القصوى أن يحمي إسرائيل من قوَّتها.

تشكِّل الحملة العسكرية التي تقوم بها إسرائيل ضدّ قطاع غزة هدية وداع لإدارة الرئيس الأمريكي الذي خرج من منصبه، جورج دبليو بوش. وتم منذ عهد قديم دعم إسرائيل في كلِّ أزمة وفي كلِّ حرب من قبل "أعزِّ أصدقائها". وكان صديق إسرائيل الأمريكي يسوِّغ اعتداءاتها ويحول دون جميع التدخّلات الدولية.

وبالإضافة إلى ذلك وضع جورج دبليو بوش إسرائيل في وضع المحارب المتقدِّم في "الحرب على الإرهاب" وعزَّز بذلك من حقوقها غير العادية. ونظرًا إلى مثل هذين الصديقين - يطرح السؤال فيما إذا المرء يحتاج إلى أعداء وهميين؟

غير أنَّ إسرائيل ليست دولة تتلقَّى الأوامر من الولايات المتَّحدة الأمريكية. وإسرائيل تبذل ما في وسعها من أجل مراعاة السياسة الأمريكية، إلاَّ أنَّها تتَّبع قبل كلِّ شيء أجندتها الخاصة. وهكذا يعود سبب "عملية السلام" التي استمرَّت ثمانية أعوام في عهد حكومة الرئيس كلينتون (من عام 1992 حتى عام 2000) إلى مبادرة إسرائيلية عادلتها وساطة الرئيس كلينتون.

وفي الرابع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2008، أي في يوم الانتخابات في الولايات المتَّحدة الأمريكية، جدَّدت إسرائيل التصعيد من دون أن يلاحظ ذلك أحد؛ كما أنَّ الفترة الزمنية بين انتخاب باراك أوباما وتوليه السلطة في العشرين من شهر كانون الثاني/يناير توفِّر الفرصة الأمثل من أجل اجتياح قطاع غزة.

استراتيجية إسرائيل العسكرية

أذكر حديثًا دار مع المؤرِّخ الأمريكي المشهور شارليس تيلي Charles Tilly أثناء زيارته إلى إسرائيل في شهر أيَّار/مايو 2000. وفي هذا الحديث سألني ما هي الإستراتيجية السياسية التي يتَّبعها رئيس الوزراء إيهود باراك، فشرحت له جدوله الزمني: الانسحاب من لبنان في شهر تمّوز/يوليو وإجراء مفاوضات منفردة مع الرئيس الفلسطيني في شهر أيلول/سبتمبر ثم الانتخابات الأمريكية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر.

فقاطعني شارليس تيلي وقال لي إنَّ الأمر لا يتعلَّق هنا بأجندة سياسية بقدر ما يتعلَّق بإستراتيجية عسكرية؛ أي توجيه إنذارات وتجنّب المفاوضات من أجل الانتقال فيما بعد إلى عمليات من جانب واحد.

وقد كان محقًا؛ فالسياسيون/الجنرالات في الحكومة الديمقراطية/العسكرية في إسرائيل يتعاملون من جانب واحد. وباختصار: كان الانسحاب (من لبنان عام 2000) وإعادة انتشار القوات (في غزة عام 2005) وردود فعل غير مناسبة على أعمال العنف (في المناطق المحتلة من عام 2000 وحتى عام 2004 ضدّ الانتفاضة وفي لبنان وقطاع غزة بعد اختطاف جنود إسرائيليين عام 2006 والآن في قطاع غزة)، بالإضافة إلى بناء الجدار الفاصل غير القانوني.

وكلّ هذه الإجراءات هي إجراءات عسكرية تقوم بالضرورة على إنكار كون الآخر طرفًا متساويًا، الأمر الذي يجعل المفاوضات بالية. وفي ذلك يعتبر الدعم الأمريكي مهمًا بالنسبة لإسرائيل؛ ولهذا السبب تعدّ الانتخابات الرئاسية الأمريكية بطبيعة الحال جزءًا من البرنامج الزمني العسكري الذي تتَّبعه الحكومة الإسرائيلية.

مواصلة السياسة من طرف واحد

والهجوم الراهن على قطاع غزة هو مواصلة للسياسة العدوانية التي تنتهجنها إسرائيل من طرف واحد منذ الثمانية أعوام الماضية. وهذه السياسة تقوم على استغلال دعم الرئيس جورج دبليو بوش وفي الوقت نفسه إجبار الرئيس المعيَّن حديثًا، باراك أوباما على اتِّخاذ موقف لصالح إسرائيل في هذه الحرب، وعلى وجه التحديد مباشرة بعد أن يكون قد تولَّى منصبه.

وبدأت هذه الإجراءات في الرابع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2008، وبالذات عندما دخل الجيش الإسرائيلي إلى قطاع غزة وفجَّر نفقًا وقتل ثلاثة من رجال حركة حماس وبهذا انتهت التهدئة التي استمرَّت أربعة أشهر ونصف الشهر.

وردَّت حركة حماس بإطلاق صواريخ القسام؛ ومن ناحية أخرى قام الجيش الإسرائيلي نتيجة لذلك بإغلاق الحدود وشدَّد الحصار. ومنذ ذلك الحين يستمر الحصار على غزة. وتشترط حكومة حماس من أجل عقد هدنة جديدة رفع الحصار وفتح المعابر الحدودية؛ وإسرائيل تنظر إلى هذه الشروط على أنَّها رفض لهدنة جديدة من قبل حركة حماس.

مرحلة "الحرب على الإرهاب"

ولم يكن سيتم قبول هذه الخديعة التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية لو أنَّنا كنا لا نعيش في مرحلة "الحرب على الإرهاب". وقبل احتلال العراق في شهر نيسان/أبريل 2002 عندما أعاد الجيش الإسرائيلي احتلال مدن الضفة الغربية وقتل مئات من الفلسطينيين ودمَّر دوائر السلطة الفلسطينية - كانت الانتقادات الدولية الحادة تنصب على إسرائيل. وكذلك تم منع اللجنة التابعة للأمم المتَّحدة من إجراء تحقيقات في مذبحة جنين فقط بسبب تدخّل إدارة جورج دبليو بوش. ولكن مَنْ الذي سوف يشكِّل هذه المرَّة لجنة تحقيقات؟

نجحت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش في إلقاء عبء "الحرب على الإرهاب" على كاهل العالم أجمع، وأخيرًا وليس آخرًا من خلال تحويل الرأي العام العالمي إلى صالحها. وإذا كان هناك شيء يشبه الحملة الإسرائيلية على قطاع غزة فهو احتلال الولايات المتَّحدة الأمريكية للعراق، وإذا استطاعت إسرائيل القضاء على حكم حركة حماس مثلما قضى بوش على حكم صدام حسين، فعندئذ لن تكن إسرائيل قادرة على الخروج من غزة.

الصلة بين العراق وغزة

لقد أثار سكوت باراك أوباما على العدوان الإسرائيلي خيبة أمل في كلِّ أرجاء العالم. ومن الممكن أن تكون خيبة الأمل هذه مبرَّرة - لكن ينبغي على المرء أن لا يأمل كثيرًا من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط منذ إدارة الرئيس كارتر. ومع ذلك سوف تكون العواقب وخيمة إذا ما ظلّ باراك أوباما الذي فاقت صورته الإيجابية حاليًا صورة بيل كلينتون مخلصًا لنهج جورج دبليو بوش.

إذ توجد صلة قوية بين العراق وغزة؛ فإذا لم ترافق انسحاب الولايات المتَّحدة الأمريكية من العراق اتِّفاقية صادقة وفعَّالة بين إسرائيل والفلسطينيين، فعندئذ من الممكن أن يصل تهديد الإسلام المتطرِّف في الحقيقة إلى القاهرة وتل أبيب وباريس ولندن.

"يجب على أوباما إيقاف إسرائيل"

ولكن من الممكن أن يكون باراك أوباما قد فهم تكتيك إسرائيل ولهذا السبب فهو يلتزم الصمت. وأنا أتمنَّى كثيرًا أن يكون تخميني في محله وأن يتصرَّف أوباما فور توليه منصبة كصديق حقيقي لإسرائيل ويحميها من نفسها؛ إذ يجب عليه إيقاف عدوان إسرائيل.

فمشكلة إسرائيل تكمن في قوَّتها العسكرية الوحشية التي تنشأ من صدمة المحرقة. وإسرائيل تتصرَّف مثل "الكلاب المسعورة المجاورة" التي تتَّكل في آخر المطاف على أن يقوم أحد ما بإيقافها. وهي تشعر أنَّ ثقتها بالنصر وقوَّتها سوف تدمِّرها في آخر الأمر. ويجب على كلِّ مَنْ يريد مساعدة إسرائيل بصدق وإخلاص أن يخلِّصها من وضعها المتقدِّم في الحرب على الإسلام الذي تفرز فيه "الحرب على الإرهاب".

ليف غرينبيرغ
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

ليف غرينبيرغ مؤسِّس مشارك في الحركة الطلابية العربية اليهودية التي تأسست عام 1974. ويعمل في يومنا هذا مدرِّسًا جامعيًا لمادة علم الاجتماع في جامعة بن غوريون في تل أبيب. وصدر له في شهر أيَّار/مايو عن دار نشر Routledge كتاب "Democracy versus Military Rule".

قنطرة

الاتِّحاد الأوروبي وأزمة غزة:
سياسة الكيل بمكيالين
نادرًا ما فشلت السياسة الأوروبية بشكل واضح مثلما هي الحال في محاولة إنهاء الحرب التي تدور في قطاع غزة. وبدلاً من أن يتحدث الأوروبيون بصوت واحد وبموقف متوازن، انتهج الاتِّحاد الأوروبي سياسة غير متوازنة لا تأخذ مصالح كل الأطراف بعين الاعتبار كما يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط، ميشائيل لودرز.

المواجهة العسكرية في قطاع غزة
طريق السلام يمر عبر القدس
يرى الخبير المعروف في الشؤون الشرق أوسطية البروفيسور فولكر بيرتيس أن المواجهة العسكرية في قطاع غزة تؤكد مرة أخرى أنه لا يمكن إضعاف حركة حماس وتقليل نفوذ إيران المتصاعد في المنطقة إلا بقيام دولة فلسطينية مستقلة تملك مقومات الحياة.

التصعيد العسكري في قطاع غزة
مطلوب تحرك دولي لوقف دوامة العنف
يرى خبير الشؤون الشرق الأوسطية بيتر فيليب أن على المجتمع الدولي عدم الاكتفاء بالكلمات والشعارات الرنانة، بل العمل على وضع حد للتصعيد العسكري بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة وأن طرفي الصراع يكرران أخطاء ارتكبت أكثر من مرة