الأمهات العازبات ... قضية تثير الجدل في مصر
هناك أربعة سيناريوهات لأي فتاة مصرية تقيم علاقة جنسية خارج نطاق الزواج الشرعي وتكتشف أنها حامل منه: الإجهاض أو القيام بإجراء عملية لإعادة غشاء البكارة أي استعادة عذريتها أو الزواج من أول عريس يدق باب منزل عائلتها. والسيناريو الرابع الأكثر تراجيدية وهو الوقوع ضحية جريمة شرف. وكل هذه السيناريوهات تتم في الخفاء حماية لشرف وسمعة العائلة.
إلا أن الشابة المصرية هند الحناوي التي تعمل مصممة أزياء و تبلغ من العمر 27 عاما قررت أن لا تقبل هذه السيناريوهات وأن تفعل شيئا غير متوقعا على الإطلاق في المجتمع المصري أو العربي بصورة عامة حيث إنها قررت الاحتفاظ بطفلتها وأن تكون أم عازبة.
وقامت برفع دعوى قضائية في محكمة الأسرة لإثبات نسب طفلتها للرجل الذي أقامت علاقة معه في إطار ما يسمى بالزواج العرفي أي غير الموثق حيث يقوم فيه الطرفان بكتابة ورقة سرية بينهما يوقع عليها اثنين من الشهود بزواجهما.
ولكن الطرف الآخر الذي جعل القضية أكثر سخونة لكونه ممثل شاب مشهور يدعى احمد الفيشاوي قد قام بتمزيق ورقتي الزواج العرفي حسب أقوال هند و برغم إنكار احمد لأي علاقة تربطه بها سوى العمل إلا أن المحكمة أصدرت حكما بذهاب الطرفين والطفلة في أواخر الشهر المقبل لإجراء اختبار الحامض النووي.
زلزال اجتماعي
هذه القضية أثارت الرأي العام المصري وأصبحت الحديث الشاغل بين جميع أفراد المجتمع حيث انه لأول مرة تخرج فتاة مسلمة مصرية عربية لتعلن عن كونها أما عازبة بلا زواج حقيقي معترف به و ترفع دعوى لإثبات النسب ويساندها والداها، مما يسبب زلزالا داخل لمجتمع مسلم عربي محافظ يرفض مثل هذه العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج الشرعي و يعتبرها فضيحة وعار على الفتاة و عائلتها.
محاربة النفاق والازدواجية في المجتمع
وقالت هند ووالدها في حوار لقنطرة أنهما يسعيان من خلال هذه القضية إلى مكافحة النفاق والازدواجية التي يعيش بها المجتمع المصري الذي يتعامل أفراده ظاهريا بشكل مغاير لما في داخل أنفسهم ولذلك فأنهما يثوران ضد الكذب والفهم المغلوط للدين ومن اجل أن تعرف المرأة حقوقها في مجتمع ذكوري يحمل المرأة الجرم والمسؤولية كلها دون أن يتحمل الرجل خطأه أيضا.
وقد سكبت القضية الملح على الجراح في المجتمع المصري والذي يرفض الحديث عنها أو فتح ملفاتها باعتبارها تابو أو محظور اجتماعي وأخلاقي وديني لا يمكن الحديث. وتجدر الإشارة إلى أن هناك حوالي 12 ألف حالة إثبات نسب أمام المحاكم المصرية معظمها لأطفال ولدوا نتيجة الزواج العرفي خلال السنوات القليلة الماضية.
واستطاعت هذه القضية أن تعبر ولو بصورة ضعيفة عن بدء حدوث تغيير اجتماعي في مصر حيث انه برغم الكثيرين الرافضين لموقف وصورة الأم العازبة و يرون أنها لابد وان تذهب لتخفى فضيحتها وتستر على نفسها ولا تخرج تتباهى بفضيحتها وفعلتها الشنيعة إلا
أنها جذبت أيضا مساندة عدد كبير من المنظمات الحقوقية والنسائية ونجحت في تحويلها لمشكلة عامة تخص المرأة وحقوقها. وحصلت هذه القضية على مساندة عدد كبير من المحاميين المصريين الذين تطوعوا للدفاع عن الأم غير المتزوجة.
محامون ونساء للدفاع عن القضية
وأكدت عطيات الابنودي مخرجة الأفلام الوثائقية والتي تعمل كناشطة في مجال حقوق المرأة ووصفت نفسها بأنها الأم الروحية لطفلة هند في حوار مع قنطرة أن المجتمع كله يرفض الاعتراف بالحقيقة بأن هناك آلاف من الأمهات دون زواج واللواتي يربين بمفردهن أبناء ينظر لهم المجتمع على أنهم غير شرعيين ولا يهتم المجتمع بهن وبأطفالهن بل يعيشون منعزلين ومنبوذين من المجتمع المصري الذي لا يعطيهن أي حقوق.
في المغرب هناك جمعيات خاصة لهؤلاء الأمهات لتعليمهن وتوظيفهن و في الجزائر أصدرت الحكومة أواخر العام الماضي قرارا بإعطاء معاش شهري للأم العازبة لتربية مولودها غير الشرعي وتنشئته تنشئة سليمة.
وأشارت عطيات الأبنودي إلى أنها قررت مع عدد من القيادات النسائية مثل إيمان بيبرس صاحبة رابطة تنمية ودعم المرأة في مصر والتي شيدتها عام 1987 وبمعاونة نساء أخريات في أن يعملن على نشر الوعي حول الأمهات العازبات بالمجتمع والعمل على تنميتهن في ظل مجتمع متناقض يحرم الإجهاض وفي نفس الوقت لا يتقبل أبناء العلاقات غير الشرعية أو أبناء الزواج العرفي غير الموثق.
وعبرت الكاتبة سلوى بكر التي تساند القضية عن سعادتها في أن هذه القضية التي أصبحت قضية رأى عام ستساعد على اقتلاع القيم السعودية الوهابية التي دخلت على المجتمع المصري منذ الستينيات والتي ترى المرأة على أنها جسد للجنس ولسيطرة العائلة و أن مهمتها الأساسية الزواج وهي قيم تختلف عن القيم الإسلامية التي يحتاجها المجتمع لتصبح المرأة فيه مواطنة لها مثل حقوق الرجل.
الفتيات ما بين القبول والرفض
إلا أن هناك عدد من الفتيات و النساء المصريات ينظرن لهند ومثيلاتها من الأمهات العازبات على أنهن آفة لابد أن تقتلع من المجتمع المصري وأنهن نموذج سيء يصدر للغرب ليدافع عنه وعن تحررهن و تبجحهن.
والبعض الآخر يرى في تصرف هند شجاعة لا يملكونها بحكم التربية والعادات و يتمنون أن تفوز في القضية وتثبت نسب الطفلة للممثل الشاب لأن في حالة فوزها سيفتح المجال حقا لعلاقات متكافئة وواضحة بين الرجل والمرأة وسيخاف الشباب من خداع أي فتاة و الهروب منها بعد أن تصبح حامل لتحمل هي كل المشكلة على عاتقها.
وستساهم القضية أيضا في رفع الحظر حول الحديث عن الجنس ومدى احتياج الشباب إليه.
نيللي يوسف
حقوق الطبع قنطرة 2005