معركة شرسة بين الإصلاحيين والمتشددين في إيران
تحدث حسن روحاني بلهجة حادة على غير عادته قائلا: "لماذا يجب دائما ألا يتحدث سوى حفنة من الأميين؟ ولماذا لا يعرب أساتذتنا جامعاتنا ومثقفونا عن أنفسهم". وبحدة طلب مؤخرا الرئيس، ذو الطابع الدبلوماسي عادةً، من مندوبين عن جامعات إيرانية أن يتخذوا موقفا علنيا من مشاكل البلاد.
وبهذا يرد روحاني على الانتقادات المتزايدة لخطه المعتدل من قبل معسكر المحافظين. فبعد هزيمتهم في الانتخابات الأخيرة يستغل المتشددون المفاوضات الجارية حول النزاع النووي للهجوم على الحكومة. فالمتشددون يرون الاتفاق، الذي تم التوصل إليه في جنيف في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، بين إيران وقوى الفيتو والأمم المتحدة خيانة لمصالح البلاد، وأن إيران تجبر دائما على تقديم المزيد من التنازلات بينما لا تزال العقوبات قائمة.
المتشددون يحبذون سياسة خارجية تقوم على "المقاومة والممانعة" مفادها أنه: ينبغي تعزيز موقف الجمهورية الاسلامية لمجابهة التحدي الهجومي الغربي. ويظهر تطبيق هذه العقيدة في دعم ميليشيا حزب الله اللبناني أو المشاركة المباشرة للحرس الثوري الإيراني في الصراع القائم في سوريا.
تدخل مرشد الثورة
فهم يرون أن التقارب الحذر مع الولايات المتحدة، الذي يقترحه روحاني ووزير الخارجية ظريف يخدش الثوابت الأيديولوجية الأساسية للنظام. وقد قال رجل الدين المحافظ المتشدد آية الله مصباح يزدي منفعلا إن الحكومة تخون شهداء الثورة.
ونظرا لتشدد الجبهات المختلفة رأى المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي نفسه مضطرا الآن إلى حث الجانبين على التهدئة. خامنئي، الذي توجب عليه في كثير من الأحيان التدخل المباشر في الأعمال السياسة اليومية إبان فترة الرئاسة المضطربة للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، يعود بهذا لممارسة دوره المفضل وهو: التوسط بين الكتل المختلفة وبهذا يمكنه تعزيز مكانته الذاتية.
المرشد الأعلى للثورة يدعم الحكومة حتى الآن، لكنه يبقي كل الأبواب مفتوحة حين يؤكد في الوقت نفسه انعدام ثقته في الغرب. فقبل استئناف المفاوضات النووية في فيينا أعلن خامنئي أنه يجب على وزارة الخارجية والحكومة مواصلة عملهما حتى وإن كان هو نفسه لا يعتقد بأنه ستكون هناك نتيجة إيجابية.
حقيقة أن المتشددين مستعدون لاستخدام كل الوسائل في معركتهم لكسب الرأي العام هي مسألة تحتم على روحاني نفسه أن يعيشها بالفعل. فقد تأخرت مقابلة على الهواء مباشرة للرئيس لأكثر من ساعة، لأن من الواضح أن رئيس التلفزيون الحكومي اعتبر المذيعين المختارين لإجراء المقابلة معتدلين أكثر من اللازم. كما قدمت مسيرة ذكرى الثورة منبرا مرحبا بالمتشددين، فإلى جانب الشعارات المعروفة المعادية للولايات المتحدة كانت هناك منشورات تندد باتفاق جنيف.
أما الرئيس فاستغل بدوره ذكرى يوم الثورة لتعزيز خطابه للوحدة الوطنية والمصالحة. وقامت الحكومة رسميا بدعوة ممثلين من حركة الإصلاح أيضا إلى المشاركة في المظاهرة. وكان هؤلاء يتجنبون هذه التظاهرة في السنوات الأخيرة باعتبارها مسرحية يقوم بها المتشددون. وبالفعل لبى دعوة الرئيس اثنان من قادة السياسيين الإصلاحيين هما محسن ميردامادي وبهزاد نبوي.
معركة شرسة لأجل الإصلاح
وعلى كل حال فإن الدعم من قبل الإصلاحيين يبقى نقطة ضعف الحكومة الجديدة. لكن لولا أصوات الطبقة الوسطى العصرية لكان من الصعب أن يصبح روحاني رئيسا. في حين أن وعوده بالمزيد من الحرية والحقوق المدنية لم يتمكن من تحقيقها حتى الآن. ورغم أنه تم تخفيف بعض الخطوط الحمراء في الصحافة، والإفراج عن حفنة من السجناء السياسيين فإن القضاء والأجهزة الأمنية تفعل كل شيء لتعكير أي أثر لانفتاح أكبر.
وهكذا وجب على الدكتور صادق زيباكلام أستاذ العلوم السياسية أن يعرف أن انتقاد البرنامج النووي لا يزال من المحرمات. فقد شكك في جدوى البرنامج النووي، مطالبا بدلا منه بالمزيد من الاستثمارات في الاقتصاد والصحة والتعليم. وعليه تم استدعاء زيباكلام للمثول أمام المدعي العام، ولم يفرج عنه إلا بعد دفع كفالة مالية.
وكذلك أيضا وزير الثقافة علي جنتي، الذي يحتل مكانة مهمة في انفتاح البلد داخليا، جرى تحذيره عدة مرات من قبل المتشددين. وبعد إعلانه عن مزيد من الحرية للصحافة وصانعي الأفلام والفنانيين تم استدعاء جنتي في يناير/ كانون الثاني 2014 للاستجواب من قبل البرلمان الإيراني.
وفي مقابلة مع قناة الجزيرة التلفزيونية انتقد الوزير بحذر قائلا إن السلطة القضائية لا تعمل حتى الآن بما يتوافق مع مع الحكومة الجديدة والتغييرات المخطط لها. وعلى الفور تلقى جنتي ردا قاسيا من المدعي العام محسني أجهاي، الذي احتج على ما اعتبره تدخلات في عمل القضاء.
بين جبهتين
كما رفض محسني أجهاي بوضوح أيضا مطالب بإطلاق سراح الإصلاحيَّيْن مير حسين موسوي ومهدي كروبي. إذ يجب على "المحرضين على الفتنة"، كما يسمي الخطاب الرسمي حركة احتجاج عام 2009، أولاً أن يندموا على جرائمهم. وبهذا فإن وعد روحاني بإنهاء الإقامة الجبرية المستمرة منذ ثلاث سنوات لزعماء المعارضة يبدو بعيد المنال. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال يقبع العشرات من المعارضين في غياهب السجون.
لذلك يبدو أن معضلة قديمة معروفة منذ فترة حكم الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي تظهر فجأة في شكل جديد. فأي إجراءات تقوم بها حكومة معتدلة يمكن أن يتم القضاء عليها في أي وقت من قبل القوى المسيطرة في المعاقل الرئيسية للنظام. ولأن روحاني يربط نجاح حكومته ربطاً وثيقاً بالتوصل إلى حل للمشكلة النووية وتحسين الوضع الاقتصادي، فسيتحتم عليه التراجع عن المضي في تحقيق الحريات الثقافية والسياسية في إيران.
وهكذا يقف الرئيس بين جبهتين: فمن ناحية هناك أنصار الإصلاح الذين يحتاج إلى تأييدهم العلني كونه يطالب بالإصلاح، لكن إحباط هؤلاء في تزايد بسبب عدم وجود تغييرات في السياسية الداخلية. ومن ناحية أخرى هناك المتشددون الذين يتابعون بشك أي تحول بل ويسعون أيضا إلى تدميره إذا لزم الأمر.
ماركوس ميشائيلسن
ترجمة: صلاح شرارة
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2014