الرئيس روحاني...توجيه جديد لدفة السياسة الإيرانية؟
قائمة أجندات الرئيس الجديد حسن روحاني طويلة، تبدأ بحلحلة الخلافات حول البرنامج النووي مرورا بتخفيف العقوبات الدولية ومكافحة الأزمة الاقتصادية في البلاد؛ وصولا إلى احترام حقوق الإنسان وتخفيف القيود على وسائل الإعلام والاتصالات. وتعلق آمال كبيرة داخل إيران وخارجها على الرئيس الجديد لإحداث منعطف جديد في البلاد. آمال لها ما يبررها، فقد بعث الرئيس المعتدل برسالة أساسية إلى الرأي العام العالمي عندما قال في مؤتمر صحافي بعد إعلان فوزه في الرابع عشر من حزيران/ يونيو 2013: "لقد بدأت إيران مرحلة جديدة من الاعتدال".
الأمل في حكم عقلاني
وشدد روحاني بشكل خاص على ضرورة التعامل بشكل شفاف مع الغرب بشأن ملف طهران النووي المثير للجدل. وأشار إلى أن هناك حلا واحدا فقط للخلافات حول البرنامج النووي، وهو الحل الدبلوماسي. وقد زادت فرص إجراء حوار منطقي مع إيران بانتخاب روحاني، حسب رأي رولف موتسنيش، مسؤول العلاقات الخارجية في كتلة الحزب الديمقراطي الاشتراكي في البرلمان الألماني ـ البونديستاغ ـ
والحقيقة هي أن الغرب يتعامل الآن مع رئيس في إيران كان بنفسه كبير المفاوضين الإيرانيين بشأن الملف النووي ما بين عامي 2003 و2005، ما يعني أن روحاني ملم بفنون التحرك على المسرح الدبلوماسي. في هذا السياق يقول فالتر بوش، الخبير في الشأن الإيراني في معهد الدراسات السياسة والأمنية في برلين إنه يمكن لألمانيا أن تتوقع من الرئيس الجديد موقفا معتدلا ونمطا أفضل في التعامل، كذلك يمكن التوقع أن يتم استغلال الفرص المتاحة بشكل أفضل مما كان عليه الأمر في الماضي، خصوصا فيما يخص التعامل مع الملف النووي".
مرحلة الفرصة الأخيرة؟
ومثل سلفه يؤكد روحاني أيضا على حق بلاده في تطوير برنامجها النووي ويرغب في مواصلة عمليات تخصيب اليورانيوم. في هذا السياق يقول الخبير الألماني بوش إن الإيرانيين، عندما كان روحاني سكرتيرا عاما لمجلس الأمن القومي، حققوا فعلا تقدما كبيرا و مهما في مجال تطوير التقنيات النووية، وهو أمر لا يمكن للإيرانيين التنازل أو الاستغناء عنه.
ورغم ذلك سيكون من الصعب تخفيف العقوبات الدولية على إيران دون التوصل إلى حل يرضي الطرفين. وحسب رأي الخبير بوش ستكون هذه الفرصة الأخيرة لطهران لمنع توسيع العقوبات لتكون شاملة ومتكاملة، ومنع سقوط البلاد في عزلة دولية تامة. ولكن هناك من يطالب الغرب بتقديم المزيد من الإشارات الإيجابية لطهران، بينهم المختص بشؤون الأمن في كتلة حزب الخضر المعارض في البرلمان الألماني، أوميد نوريبور، الذي يقول "نتحدث طوال الوقت عن أن القوى الدولية تتعامل مع الملف النووي الإيراني بحزمة محفزات وضغط متواصل. ولكن لا وجود لمحفزات الآن، ولهذا السبب سيكون الأمر رائعا إذا قال الأمريكيون: نريد الآن أن نجري مباحثات مباشرة وعلى أعلى المستويات مع إيران".
كل الخيوط بيد خامنئي
لكن على روحاني أن يأخذ في الحسبان موقف المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية ألله علي خامنئي. وقال روحاني في هذا السياق في أول خطاب متلفز "إن سياسته الخارجية ستتماشى مع كامل الحقوق الوطنية لبلاده وستأخذ موقف المرشد الأعلى للثورة بعين الاعتبار". يشار إلى أن خامنئي يرفض مباحثات مباشرة مع الولايات المتحدة ويمثل خطا متشددا في السياسة الخارجية. لكن تبعات العقوبات الاقتصادية على البلاد والصراع على السلطة داخل المعسكر المحافظ والأزمة مع الرئيس المنتهية ولايته، أحمدي نجاد، قد تركت آثارها على موقف خامنئي أيضا. ولهذا يعتقد بعض الخبراء أن انتخاب روحاني رئيسا للبلاد يعبر عن وجود رغبة لدى خامنئي في حلحلة الأمور نوع ما.
ويعتقد الخبير في الشؤون الإيرانية في معهد الدراسات السياسية والأمنية في برلين، فالتر بوش، أن "خامئني قد حقق ما كان يخطط له منذ عام 2010"، وهو حل الأزمات الداخلية، حسب قوله. علاقة روحاني بالمرشد خامنئي جيدة، ويرتبط الاثنان بذكريات طويلة عن تعاون وثيق بينهما. فـ "خامنئي يقدر كثيرا روحاني، لأنه يعتبره رجلا تكنوقراطيا في الدرجة الأولى. وهو أمر يهدّئ خامنئي كثيرا فيما يخص التجارب الديمقراطية التي يكون مصيرها مجهولا على الغالب" حسب رأي فالتر بوش.
ويعلق الغرب أيضا آمالا على الرئيس الجديد فيما يخص الملف السوري. فالغرب يتوقع صدور إشارات ايجابية جديدة من طهران. ويبدو أن مشاركة طهران بقيادة روحاني في مؤتمر جنيف 2 باتت اليوم أكثر ترجيحا عما كانت عليه في الماضي. في هذا الصدد يقول مسؤول السياسة الخارجية في كتلة الحزب الديمقراطي الاشتراكي، رولف موتسينيش، " إذا كنا نعتبر إيران من القوى الإقليمية المؤثرة في الأزمة السورية، فعلينا مشاركتها في عملية البحث عن حلول للازمة".
الأزمة الاقتصادية وحقوق الإنسان
داخليا يواجه روحاني تحديات كبيرة أيضا. ففي السنوات الأخيرة لم تكن أزمة إيران مرتبطة ببرنامجها النووي فحسب، بل ارتبطت أيضا بملف انتهاكات حقوق الإنسان، كما جاء ذلك في عدة تقارير أممية بهذا الشأن. وكان روحاني قد وعد في حملته الانتخابية بالعمل من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتخفيف القيود المفروضة على الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، بالإضافة إلى تخفيف المراقبة المفروضة على المجتمع من خلال شرطة الآداب، إلى جانب توسيع رقعة حقوق المرأة.
في هذا السياق يقول أوميد نوريبور، مسؤول شؤون الأمن في حزب الخضر، إن روحاني قد يساهم في ضمان بعض الحريات الشخصية للأفراد، لكنه سيتجاهل القضايا الرئيسية المهمة. ويتابع "المهم الآن هو الإسراع في إطلاق سراح المعتقلين الذين تم اعتقالهم تعسفيا، بدءاً بالشخصيات المعروفة كنسرين سوتوديه والمرشح السابق حسين مير موسوي. إنه الاختبار الأول لروحاني ووعوده الانتخابية".
فيما تبقى الأزمة الاقتصادية وأثارها الكارثية التحدي الأكبر لروحاني وحكومته الجديدة. والذي قال على هامش التحضير لتوليه منصبه الجديد، إنه سيعمل خلال الأيام الـ 100 الأولى من ولايته على إعداد تحليل واقعي ونزيه للمشاكل الاقتصادية وسبل حلها. وربما تجلب حلحلة الموقف من البرنامج النووي انفراجا اقتصاديا أيضا معها. لكن المشاكل الاقتصادية الناجمة عن سوء الإدارة والسياسات الاقتصادية الخاطئة للحكومة السابقة، لن تحل عبر إحراز تقدم في المفاوضات بين طهران والغرب حو ل البرنامج النووي الإيراني. ويقول الخبير الألماني في الشأن الإيراني فالتر بوش إن الكثير من المشاكل الاقتصادية في إيران من صنعها هي. لكنه يبقى متفائلا ويقول "روحاني هو الرجل المناسب في هذه الظروف لأنه يستطيع التعامل مع كل القوى السياسية في البلاد".
شاهرام أحادي
ترجمة: حسن ع. حسين
حقوق النشر: دويتشه فيله 2013