هرولة نحو الماضي

الرئيس الإيراني بزشكيان، محاطًا بأعضاء البرلمان، يلوح ويضحك
الرئيس الإيراني بزشكيان يخاطب نواب البرلمان قبل تصويت الثقة على حكومته الجديدة في طهران، الأربعاء 21 أغسطس/أب، صورة: Picture Alliance / Anadolu | Fatemeh Bahrami

يبدو أن تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة أحبط آمال مَنْ صوتوا لأجل التغيير: كالتخفيف من حدة اضطهاد النساء، وسهولة الوصول إلى الإنترنت. إذ يبقى كل شيء على حاله في الجمهورية الإسلامية. الخبير في الشؤون الإيرانية علي صدرزاده يُقيّم حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.

الكاتبة ، الكاتب: Ali Sadrzadeh

مباشرة بعد انتخابه، أعلن مسعود بزشكيان بشكل واضح لا لبس فيه، على مسامع من يريد الإصغاء، عن عزمه تشكيل حكومته وفقًا لإرادة المرشد الإعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي. والآن وفى الرئيس الإيراني الجديد بوعده. فقد وافق البرلمان الإيراني، أول أمس الأربعاء، على أسماء الوزراء التي اقترحها الرئيس الجديد. تلك القائمة الوزارية التي تضم تسعة عشر اسما أظهرت عوارض النسيان لدى بزشكيان: فيبدو أنّ بزشكيان قد نسي أنّه وعد بأشياء مختلفة خلال حملته الانتخابية القصيرة التي سبقت عملية التصويت في شهر يونيو/حزيران، والتي بسببها فاز في النهاية.

لقد عزفت غالبية الإيرانيات والإيرانيين عن المشاركة في الجولة الأولى من الانتخابات، لكن السمعة الطيبة ولغة الخطاب السياسي الجديدة، مكنت بزشكيان من رفع نسبة الإقبال على التصويت الانتخابات ببضع نقاط مئوية. وفي نهاية المطاف، فاز بزشكيان بأصوات نحو ثلث الناخبين الذين يحق لهم الاقتراع. تلك هي الأرقام الرسمية والتي لا يمكن لأحد أن يضمن صحتها. غير أنّ الأمر يظل على الأقل إنجازًا صغيرًا يُعزى إلى النقد الخجول الذي وجهه بزشكيان للوضع الراهن.

وكان بزشكيان قد انتقد بحذر شديد طريقة التعامل مع النساء من دون التشكيك في فرض الحجاب، وندّد بالسياسة الخارجية للبلاد وعزلتها من دون التخلي عن الخطاب المناهض لإسرائيل، وتطرق إلى الفساد المستشري بالبلاد دون الإشارة إلى مصادره. على أيّة حال، كانت توقعات ناخبيه متواضعة للغاية. فقد كان الأمل معقود على قدر قليل من العنف ضد النساء وتحسن ظروف طفيف لظروف المعيشة، وسهولة الوصول إلى الإنترنت؛ باختصار: مزيد من المتنفس. لأنّه لا أحد يشكّ في أنّ خامنئي هو الحاكم الحقيقي للبلاد.

أنصار الرئيس الإيراني بزشكيان يلوحون بالأعلام الزرقاء ويرفعون علامة ”النصر“ خلال حملته الانتخابية
أنصار مسعود بزشكيان يلوحون بالأعلام خلال حملته الرئاسية وسط طهران، 23 يونيو/ حزيران 2024 ، الصورة: Picture Alliance / NurPhoto | Morteza Nikoubazl

وزيرة لأول مرة

غير أنّه بهذه الحكومة لا يشخّص بزشكيان، الطبيب الجرّاح، عوارض النسيان التي يعاني منها وحسب، بل تشخيص حالة النظام برمته. وقد أظهر هذا التشخيص أنّ خامنئي يتربع على قمة هرم هذا النظام كرجل متزمت عنيد يقبض بإحكام على كرسيه بحيث لا أحد يمكن أن يحركه منه. بحكومته الجديدة، برهن بزشكيان أنّ خامنئي قادر على فعل ما يشاء، بغض النظر عن تشخيصات ونصائح الآخرين.

بعد ساعات قليلة من نشر قائمة الوزراء الأسبوع الماضي، أعلن الدبلوماسي المخضرم جواد ظريف عبر منصة "إكس" تويتر سابقا، عن استقالته من منصب نائب الرئيس للشؤون الإستراتيجية. وكان وزير الخارجية السابق الذي قاد التفاوض حول الاتفاق النووي مع القوى العالمية، بمثابة القوة الدافعة وراء بزشكيان. وكان من المفترض أن يجري ظريف تشاورات مع مختلف الدوائر والقوى السياسية في إيران لتقديم مقترحات مشتركة لقائمة وزراء الحكومة الجديدة. وبالفعل، قدّم ظريف خمسة أسماء لكل منصب وزاري، بما في ذلك، كما وعد سابقًا، من النساء ومن الأقليات القومية وبالإخصّ السنّة الذين يشكّلون أكثر من ربع سكان إيران. غير أنّ شيئًا من ذلك لم يتحقق تقريبا. فالحكومة الجديدة تضم امراة واحدة فقط هي السيدة فرزانه صادق وزيرة التنمية الحضرية، ومع ذلك، هي الوزيرة الأولى في تاريخ الجمهورية الإسلامية.

في مقترحاته، أخذ ظريف في الاعتبار أيضا حساسية خامئني والعهد غير المكتوب في انفراده باختيار أسماء الوزرات الرئيسية بالحكومة وهم الخارجية والداخلية والاستخبارات والدفاع.

آمال زائفة

ليس الأمر مقتصرا على الوزرات الرئيسية فقط في الحكومة الجديدة، إذ لا يفوت خامئني أي شيء. تظهر قائمة الأسماء الجديدة أن التوقعات التي كان علقها البعض على بزشكيان كان آمال زائفة، أو أحلام بعيدة المنال، وأنّ هذا الطبيب الجرّاح هو في المقام الأول رجل متدين للغاية، لا تختلف نظرته للعالم بشكل جوهري عن نظرة الزعيم الإسلامي الإيراني. يكفي إلقاء نظرة سريعة على أسماء مَن اختارهم لشغل مناصب وزارات الثقافة والتعليم والتعليم العالي والتي تبرز بوضوح أنّ بزيشكيان غارق في الماضي ويتأمله بعمق.

خلال حملته الانتخابية، كان بزشكيان يتلو باستمرار الآيات القرآنية ويكرّر ذكر الأحاديث الدينية، حتى عندما كان لديه ما ينتقده. والآن تظهر قائمته للمناصب الوزارية أنّه داعية أكثر منه سياسي، متجذر في التعاليم الشيعية أكثر من التعليم الحديث الذي تلقاه بالجامعة.

ينتمي الوزراء الثلاثة الذين اختارهم بزيشكيان للثقافة والتعليم والتعليم العالي لنظام الملالي، ورغم أنهم لا يرتدون العمائم، إلا أنّهم أتموا تعليمهم بالمدارس الدينية الشيعية. هؤلاء مدينون بمسيرتهم المهنية لقنوات السلطة الظلامية الشبيهة بالمافيا بداية من تدرجهم في تلك المدارس الدينية التي أنشئت خصيصا لتخريج رجال دين مسيّسين يعملون كموظفين؛ لإدارة وتكوين دولة إسلامية حقيقية مهما كان الثمن. 

لا يمكن فهم السبب وراء أن يحدّد رجل الدين سياسة التعليم العالي بالبلاد، إلا إذا أخذنا في الاعتبار ما يلي: أكثر من 60 بالمئة من الطلاب في إيران هم من النساء، وقضية المرأة تلقي بظلالها على السياسة بأكملها لهذه "الجمهورية" منذ بداية عصر "المرأة، الحياة، الحرية"  (وهو شعار الاحتجاجات التي تلت وفاة الطالبة جينا مهسا أميني في سبتمبر/ أيلول 2022). ولا يمكن تفسير سبب تحديد رجل الدين سياسة السينما والمسرح والكتب في المستقبل، إلا من خلال المهرجانات السينمائية المتعددة في أنحاء العالم، والتي يندب فيها صانعو الأفلام المنفيون من إيران بانتظام حالهم. ولفهم دوافع تحديد الملالي أيضا مستقبل التعليم المدرسي، يكفي إلقاء نظرة على أجواء التمرد في مدارس البلاد.

البرلمان الإيراني خلال مناقشة تشكيل الحكومة الجديدة
أعضاء البرلمان الإيرانيون يناقشون أهلية المرشحين للحكومة الجديدة قبل تصويت الثقة، 18 أغسطس/ آب 2024، مبنى البرلمان بطهران، الصورة: Picture Alliance / NurPhoto | Morteza Nikoubazl

عار غير مسبوق

لكن الحكومة الجديدة تميط اللثام أيضًا عن مدى محدودية هامش المناورة المتاحة لخامنئي. على سبيل المثال، وزير الاستخبارات والأمن الوطني الجديد إسماعيل الخطيب هو ذاته الوزير القديم. ووفقًا لدستور هذه "الجمهورية"، يجب أن يكون وزير الاستخبارات من رجال الدين رفيعي المستوى، أي "مجتهدًا" - بمعنى أنّه "مرجع للتقليد". لكن يبقى أن نرى ما كان يحدث في غرف التعذيب التابعة لوزارة الاستخبارات يستحق التقليد. 

على الرغم من أنّ الخطيب يرتدي عمامة، إلا أنّه قضى حياته المهنية كلها في جهاز الاستخبارات. وكونه رئيسا لجهاز مكافحة التجسس، فهو يتحمل المسؤولية ربما عن أكبر إحراج وفضيحة تتعرض لهما هذه الجمهورية على الإطلاق، وهو اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنيّة في أحد أحياء الأكثر حراسة بالعاصمة طهران. وقد دفع هذا العار غير المسبوق بإيران إلى حافة حرب كبرى.

لكنّ الخطيب باقٍ في منصبه. وبعد ساعات قليلة من إعلان ورود اسمه على قائمة بزيشكيان الوزارية، تباهى بعدد المؤامرات المضادة للثورة التي أحبطها. وقد يضطر رئيس الجمهورية الجديد إلى إدارة مواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل تهدّد وجود الجمهورية بأكملها. تلك مفارقات غريبة في هذه "الجمهورية" الغريبة.

© Iran Journal

علي صدرزاده خبير إيراني يعمل منذ 1984 في إذاعة هيسين (هيسين روندفونك)، كما إنّه عمل لوكالة الأنباء الألمانية (د ب آ) ولصحيفة فرانكفورتر روندشاو. وعمل مراسلاً للقناة الألمانية الأولى (آ ر د) في شمال إفريقيا.