خطاب من "قلب" العالم الإسلامي إلى "العقل" الإسلامي... الرسائل والرؤى
"أهلاً أوباما في أرض الخير والسلام"... بهذه الكلمات خرج مطرب مصري شاب بأغنية جديدة على موقع يوتيوب تعبر عن توقعات الشباب المصري من الرئيس الأمريكي الجديد أوباما، الذي سيلقي خطابه المنتظر من جامعة القاهرة يوم الخميس القادم. فالمطرب أحمد تميم يوجه لاوباما رسالة في الأغنية باللغتين العربية والانكليزية، تؤكد أن قطاعا كبيرا من الشباب في مصر يعولون بصورة كبيرة على هذا الخطاب ويتوقعون منه أفعالا وليس مجرد أقوال.
ويهدف الرئيس أوباما من خلال هذا الخطاب إلى فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي وطي صفحة التوتر في عهد سلفه جورج بوش، كجزء من وعود حملته الانتخابية، وهو ما مهد له بالتأكيد على القواسم المشتركة بين الإسلام والأديان الأخرى وكذلك من خلال خطابه في تركيا بأن الولايات المتحدة لا تكن عداء للإسلام.
فالعالم كله يوجه أنظاره للعاصمة المصرية يوم الخميس لسماع خطاب اوباما للعالم الإسلامي، والاستعدادات في القاهرة تجرى على قدم وساق، ولكن موقف هذا المطرب الذي يرحب باوباما ليس موقف الشارع المصري كله، فأصوات كثيرة من عامة الشعب المصري ترى أنه لن يأتي ومعه عصا سحرية لتحسين صورة الولايات المتحدة أو لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أنهم سعداء باختيار بلادهم مكانا لهذا الخطاب، في مؤشر على مكانة مصر في العالمين العربي والإسلامي.
جرعة تنفس صناعي للنظام المصري
ولكن هناك من يرى أن اختيار اوباما للقاهرة من الأساس ليس في محله، نظرا لسجل مصر السيئ في مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية. إذ يرى "ائتلاف المصريين من أجل التغيير"، الذي يضم بعض حركات المعارضة مثل حركة كفاية وأحزابا صغيرة مثل الكرامة وحوالي 250 شخصية من مختلف المراكز والاتجاهات السياسية، في بيان له أن اختيار مصر يعد بمثابة دعم أمريكي لنظام ديكتاتوري للرئيس مبارك الذي مضى على وجوده في سدة الحكم 28 عاما وأنه بذلك يعطي هذا النظام جرعة تنفس صناعي قد تؤخر إشهار وفاته وتعينه على المزيد من نهب ثروة مصر وتجويع أهلها، وبيع مقدراتها خدمة لإسرائيل وطلبًا للرضا الأمريكي، على حد وصف البيان.
وتوافقهم الرأي أيضا جماعة الإخوان المسلمين، فأكد محمد حبيب، نائب المرشد العام للجماعة، أن اختيار اوباما لمصر ما هو سوى تعزيز للبرنامج الأمريكي المؤيد لإسرائيل، حيث تحاول الإدارة الأمريكية توظيف ما يطلق عليهم دول "الاعتدال العربي" لخدمة المصالح الأمريكية في مواجهة دول "التطرف العربي". واعتبر أن خطاب اوباما لن يكون أكثر من خطاب علاقات عامة يمتلئ بالتصريحات الوردية، مشيرا إلى أن السياسة لا تبنى على التصريحات بقدر ما تبنى على الممارسات على أرض الواقع. وأكد أن أوباما اختار القاهرة، لأن مبارك قدم له المقابل عندما اتخذ موقفين قويين فيما يتعلق بأزمتين كبيرتين في المنطقة: هما النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث ساهمت مصر في حصار الفلسطينيين بإغلاق معبر رفح، والنزاع مع إيران لأنها تقف الآن مع إسرائيل والدول الكبرى في رؤية إيران كخطر إقليمي.
وأضاف أن مصر قدمت أيضا مؤخرا بوادر طيبة في سجل حقوق الإنسان، حيث أفرجت مؤخرا عن المعارض السياسي أيمن نور وبرأت الناشط المعروف في مجال حقوق الإنسان سعد الدين إبراهيم من تهم تشويه سمعة مصر. وأشار إلى أن مبارك يريد أيضا الحصول على المقابل لذلك بموافقة الولايات المتحدة على توريث الحكم في مصر إلى نجله. ويطالب اوباما في خطابه بضرورة الحديث عن المعتقلين في السجون المصرية، وان يستمع للشعب وليس فقط للمسؤلين الرسميين.
ملف المسيحيين والأقليات
من جهته، قال نجيب جبرائيل، رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، إنه يجدر بأوباما أن يتعرف على أوضاع المسحيين في مصر الذين يعانون من الاضطهاد وخاصة في ظل عدم وجود قانون موحد لدور العبادة وتهميش حقوق الأقباط في الحياة النيابية. وعاتب جبرائيل الرئيس اوباما، حيث قال "اخترتم مصر لتفتحوا صفحة جديدة مع العالم الإسلامي، ألا تعتقدون أن ذلك يقسم العالم الإسلامي على أساس عنصري وديني، وهو ما يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان، وإن كان ذلك حسناً لتأكيد أنكم مهتمون بالحوار الإنساني"، مضيفا أنه يأسف من أن ملف أوباما المعلن لم يحوِ شيئاً عن حقوق الأقليات الدينية في مصر والبلدان الإسلامية.
آفاق حل القضية الفلسطينية
أما محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية وعضو بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، فيرى أن مثل هذه الأصوات تحاول إفشال زيارة اوباما للقاهرة، مؤكدا أن القاهرة هي بالفعل قلب العالمين العربي والإسلامي. كما شدد على أن الديمقراطية شأن داخلي مصري وجميع قضاياها تثار بحرية في البلاد. وأضاف أن اوباما يدرك الخطأ الذي وقع فيه سلفه بوش من محاولة "أمركة" قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، وأنه لن يقع في هذا الخطأ مرة أخرى، بل سيحاول تفاديه.
وعن توقعاته من الخطاب أكد أنه لكي ينجح أوباما في رسالته هذه، فلا بد أن يتناول ثلاث قضايا رئيسية: فك الارتباط بين الإسلام والإرهاب والتركيز على مفهوم الإنسانية وقيمها وطرح مبادرة تفصيلية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال تحديد إطار زمني لقيام الدولة الفلسطينية وحدودها وعاصمتها وقضية اللاجئين.
في حين أكد نبيل عبد الفتاح، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أنه لابد لاوباما أن يفرق في خطابه بين الإسلام والمسلمين وأن بعض المسلمين يقومون بأفعال لا علاقة لها بالإسلام ويؤكد على فكرة الاستقرار في الشرق الأوسط ويبتعد عن سياسة الكيل بمكيالين.
"اختيار القاهرة خطوة ذكية"
كما أشار الباحث عبد الفتاح، إلى أن هذا الخطاب واختيار القاهرة يعد ذكاء سياسيا واستراتيجيا من اوباما، حيث يمثل تنفيذا حرفيا لإستراتيجية أوباما القائمة على "إعادة تأهيل الحلفاء" من أجل توظيفهم في مهام جديدة على غرار الحال مع تركيا وباكستان. كما لم يستبعد أن تلعب القاهرة دورا محوريا في الترويج لأية خطة سلام مع الإسرائيليين قد تقترحها إدارة أوباما بحسب رأيه.
وقال إن هذا الخطاب فرصة ومن يستنكره أو يستنكر اختيار القاهرة له فهم أناس لا يعرفون سوى صخب الكلام؛ فهذه الفرصة لابد أن نرحب بها بشدة وعلينا أن نستغلها لتحسين أحوالنا وبلدنا وتوظيفها في استعادة مكانة مصر على خارطة الشرق الأوسط. وأضاف أنه أسوأ ما في الأمر أن يتم النظر للزيارة باعتبارها إخفاقا أو انتصارا معنويا على المنافسين والخصوم في المنطقة. كما طالب بأن تُستغل هذه الزيارة لتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام التي شوهت بأفعال بعض المسلمين والتي أدت إلى أن الكثيرين من الأمريكيين والغرب بصفة عامة يرون في الإسلام دينا إرهابيا وعنيفا.
استعدادات وتحركات مكثفة
وفي هذه الأثناء انتهت الرئاسة المصرية بالتنسيق مع السفارة الأميركية بالقاهرة ووفد من البيت الأبيض من وضع الترتيبات لبرنامج زيارة الرئيس الأميركي. فجامعة القاهرة والمنطقة المحيطة بها تحولت إلى خلية عمل، حيث تم رصف الطرق المؤدية للجامعة وداخلها وانتشال القمامة المنتشرة بصورة عادية بالشوارع المصرية، بالإضافة إلى تلميع قبة الجامعة الشهيرة وتشذيب الحدائق وشراء المزيد من الورود داخل قاعة الاحتفالات الكبرى التي سيلقي من على خشبتها اوباما خطابه وكذلك تجهيزها بنظم الصوت والفيديو والترجمة. الأمر الذي أثار أيضا تهكم الشارع المصري وبعض الكتاب والمفكرين بأن القمامة سيتم إعادتها فور مغادرة اوباما، وخاصة أن مصر تشتهر بإلقاء القمامة في شوارعها.
وكذلك من المقرر أن يحضر الخطاب 300 طالب من بين 300 ألف طالب بالجامعة. كما من المتوقع حضور محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أحمد زويل الحاصل على جائزة "نوبل" في العلوم، ومصطفى السيد الحائز على أرفع وسام أمريكي في العلوم. كما تدرس جامعة القاهرة توجيه دعوات إلى شخصيات عامة وأخرى حائزة على جائزة الدولة لتقديرية، فضلا عن شخصيات عربية بارزة من خريجي الجامعة، وعلى رأسهم الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة وعضو المجلس الأعلى للإمارات، وعدد من كبار خريجي الجامعة في دول الخليج والدول الأخرى.
كما تجري السفيرة الأمريكية في مصر، مارجريت سكوبي، الإعداد لاجتماع يجمع بين الرئيس أوباما وشخصيات عامة وقيادات منظمات المجتمع المدني، إلا أنه لم يتم حسم الأمر بعد من قبل الرئاسة المصرية والبيت الأبيض، رغم تقدمها بأسماء الشخصيات المرشحة للحضور، حيث يجري الآن العمل على البت في هذه المسألة.
نيللي يوسف ـ القاهرة
حقوق الطبع: قنطرة 2009
قنطرة
أوباما والعالم الإسلامي:
قطيعة مع الحقبة البوشية... إشارات تصالحية
جددت المقابلة التي أجرتها قناة العربية مع الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما الآمال في بداية عهد جديد في العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي. غير أن كسب ثقة العالم الإسلامي يستوجب سياسات بعيدة المدى كما يرى عدد من الخبراء. شمش العياري رصدت آراء بعض المحللين حول آفاق السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم الإسلامي.
أوباما وسياساته الشرق أوسطية:
دبلوماسية "أوبامية" جديدة على إيقاعات شعار التغيير؟
حسب رأي الخبير وأستاذ العلوم السياسية توماس يِيغَر لا يمكن توقّع قيام إدارة الرئيس أوباما بإحداث تغييرات جذرية في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط. غير أن الأمر الأكثر أهمية هو إن كانت السياسة الخارجية الأمريكية سوف تتَّبع مسارًا سياسًيا جديدًا مختلفًا عن الحرب على الإرهاب.
الرئاسة الأميركية ومستقبل العالم العربي:
العالم يتغير والعرب خارج قواعد اللعبة العالمية
لن تكون مهمة الرئيس الأمريكي القادم سهلة، فقد خلفت إدارة بوش إرثا ثقيلا من الملفات والتحديات الجسيمة التي كان آخرها أزمة أسواق المال التي طرحت تساؤلات حول عودة نظام التعددية القطبية وصعود قوى عالمية جديدة. كل هذا التحولات تدور بعيدا عن إدراك العالم العربي لآثارها ونتائجها وفق تحليل الكاتب الكويتي أحمد شهاب.