عدو عدوي صديقي
قام رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي وبشار الأسد بإطلاق سراح سجناءٍ ذوي ارتباطاتٍ مع القاعدة في العراق وسورية في عام 2011، مما كان له دورٌ في بروز تنظيم الدولة (داعش)، حيث أظهرت الأبحاث أن إطلاق سراح المتطرفين الجهاديين ارتبط بازديادٍ في عدد اعتقالات الناشطين المدنيين والعلمانيين وانحسارٍ في القتال بين النظام وتنظيم الدولة وبالتعاون الاقتصادي المستقر بين النظام والتنظيم وباستمرار العلاقة بالجهاديين في العراق.
“نحن عمليون ولسنا نظريين"، قالها اللواء علي مملوك المستشار ألاستخباراتي الخاص للأسد وأحد أكثر الشخصيات القمعية قبل وبعد اندلاع الثورة السورية حسبما صنفه مسئولون أمريكيون عام 2010، وقال مفتخراً بنجاح النظام في اختراق ’المجموعات الإرهابية’: "من حيث المبدأ نحن لا نهاجمهم أو نقتلهم فوراً، ولكن بدل ذلك نتغلغل فيهم ولا نتحرك إلا في اللحظة المناسبة".
عندما انطلقت الثورة السورية في أواسط مارس/آذار 2011 قام نظام الأسد بخطوة إستراتيجية أطلق فيها سراح المئات من الجهاديين الأصوليين من السجن في مايو/أيار 2011. فقد تم إطلاق سراح ما لا يقل عن 260 معتقلاً من سجن صيدنايا العسكري شمال دمشق، كان منهم 14 شخصاً يتبعون لكيانات كردي والبقية كانت من الإسلاميين المتشددين.
وبحلول نهاية ذلك العام كان قد تم إطلاق سراح ما يزيد على 1000 مسلح سابق في القاعدة من أجل تقوية صفوف الجهادين على حساب قوات الثوار المعتدلين، وذلك لتأدية دورٍ أساسيٍ في تنظيم الدولة وجبهة النصرة والتنظيمات المتطرفة الأخرى، وكانت تلك الحركة تهدف إلى دفع الثورة باتجاه التطرف وتشويه سمعتها في عموم البلاد.
ومن جهة، لم يقم النظام بإطلاق سراح الجهاديين من السجن فحسب، بل إنه سهل عملهم عبر إنشاء ألوية مسلحة. وبناءً على عدة مقابلاتٍ حصريةٍ وتقصياتٍ مع المنشقين فقد تبين أن استخبارات الأسد قد تلقت أوامر بالوقوف إلى صف مقاتلي القاعدة، الذين عبروا من العراق إلى سوريا في أواخر عام 2012.
ومن أبرز الأسماء التي جرى إطلاق سراحها وقتذاك: أبو خالد السوري (القاعدة) وحسن عبود (أحرار الشام) وزهران علوش (جيش الإسلام) وعمرو العبسي (تنظيم الدولة).
وبحلول عام 2012، أظهرت التقديرات بأن تنظيم الدولة قد عمل تقريباً على مضاعفة أعداده لتصل إلى 2,500 مقاتل في العراق. وهذه ورقةٌ في يد نظام الأسد يستطيع استخدامها في إقناع الغرب بأن من يرعى الثورة هم المسلحون الإسلاميون. وفعلاً وحتى يصور الثورة التي عمت البلاد في عام 2011 على أنها ثورةٌ يقودها الإرهابيون، زعم بأن قادتها في أرجاء سوريا ليسوا سوى إرهابيين مسلحين في محاولةٍ منه لإرسال رسالةٍ للعالم: “إما أنا أو الإرهابيون”.
ومن جهةٍ أخرى اقتاد النظام الآلاف من المدنيين والناشطين المدنيين المتحررين إلى السجون فضُربوا وعُذبوا وأُرهبوا وجرى ترويعهم، كما أُجبر الملايين – بمن فيهم العديد من ناشطي حقوق الإنسان – على الهروب خارج موطنهم بحثاً عن اللجوء داخل البلاد أو خارجها.
وقد واجهت قوات الأمن والشبيحة المظاهرات السلمية بوحشية تامة وقتلت مئات المدنيين في الأسابيع الأولى معلنة بداية الارتفاع الدامي لأعداد القتلى، ولذلك فقد كان على أي شكل من أشكال المعارضة أن يعمل من الخارج وإلا سيتعرض لخطر السجن أو التعذيب أو القتل.
قمع قوى الثورة السلمية
وكانت هذه الانتهاكات تجري بالتزامن مع اشتباكات نادرة الحدوث مع مسلحي التنظيم. وبحسب ما أفاد زميل الشؤون الدفاعية في معهد واشنطن، جيفري وايت، فإن قتال داعش يجري"متى وأينما تكون مصالح النظام الهامة مهددةً"، وعندما لا تكون تلك المصالح في خطر يكون النظام راضياً عن قتال التنظيم للثوار دون تدخل وحتى عن مساعدة التنظيم تكتيكياً.
ويضيف وايت: "إن النظام براغماتي لأبعد الحدود في الحرب السورية فيما يخص من أو ضد من يقاتل، وأيضاً أين ومتى يقاتل". ولأن النظام يبقى حليفاً غير موثوقٍ لقتال داعش، فالأرجح أنه "يبذل جهوداً محدودة في هذا القتال بينما يضع مصالحه أولاً بما في ذلك التنسيق مع داعش عندما يراه مناسباً".
[embed:render:embedded:node:27159]
تشير حقيقة أن النظام قد وجه عملياته ضد "مجموعات المعارضة المعتدلة والعلمانية" في حين أنه بالكاد يهاجم داعش إلى أن تلك المعارضة "تعتبر تهديداً أكبر للنظام من داعش"، وفق تقرير صادر عن باكس بوليسي عام 2015. إذ لم يقم نظام الأسد بالتوجه في الاتجاه الآخر عندما كان مسلحو التنظيم في أوج نشاطهم وحسب بل إنه تعاون معه عندما احتاج ذلك عبر شراء الوقود من منشآتٍ نفطية يديرها التنظيم، مقيماً بذلك علاقةً اقتصاديةً معه خلال الصراع.
"تاريخ علاقة الحكومة السورية بالمسلحين الإسلاميين الأجانب طويلة"
ولكن ليست هذه القصة بأكملها، فلنظام الأسد تاريخٌ طويلٌ في التعاون مع الإسلاميين الأصوليين ولعِبِ لعبة مزدوجة مع الإرهابيين، إذ تعود هذه العلاقة إلى عام 2003 عندما قام بدعم وتسهيل تشكيل ومرور "المقاومة الجهادية" إلى العراق لمحاربة الغزو الأمريكي. ووفقاً لسجلات سنجار الصادرة عن مركز مكافحة الإرهاب التي كشفت عنها القوات الأمريكية عام 2008، فهناك 606 مقاتلين من بلدانٍ مختلفة قد عبروا الحدود إلى العراق من سوريا بين آب/أغسطس 2006 وآب/أغسطس 2007.
إن عدد أولئك الذين عبروا إلى العراق عبر سوريا أكبر من هذا العدد بكثير ولكن هذه دراسةٌ موثقةٌ وتعتمد على الأدلة وتركز على إطارٍ زمنيٍ محدد ونقطة عبورٍ محددة. وكانت استخبارات الأسد على علمٍ تامٍ بمتطوعي القاعدة الأجانب الداخلين للعراق عبر سوريا. "تاريخ علاقة الحكومة السورية بالمسلحين الإسلاميين الأجانب طويل ومعقد"، كما ورد في التقرير الصادر عام 2008. ويبدو أن هذه التقارير تضاف إلى تاريخٍ طويل من عمليات التوثيق التي تدل على أن نظام الأسد قد أعطى الضوء الأخضر للجماعات المسلحة في سوريا لتتشكل وتزدهر.
وقام نظام الأسد "بفتح الباب للإرهابيين من أجل الضغط على القوات الأمريكية في العراق حتى لا تجرؤ على التفكير بمهاجمته"، حسب قول رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني في مقابلةٍ أجريت معه.
ينفّذ النظام سياساته المتعلقة بداعش بناءً على مقاربةٍ براغماتية تخدم مصالحه من أجل توسيع أهدافه السياسية وتدعيم هيكلياته السلطوية. وبذلك وعبر علاقة تنسيقٍ توحي بالتصارع وعلاقة تعاون توحي بالتحالف، كان كلٌ من النظام والتنظيم على استعدادٍ لارتكاب الانتهاكات ضد الآخر وضد المدنين على حدٍ سواء.
الكاتب: حكيم خطيب
حقوق النشر: : حكيم خطيب 2017
ترجمة: محمد الكاتب
حكيم خطيب أكاديمي ومحاضر في قضايا تواصل الحضارات و السياسة و حضارات الشرق الاوسط في جامعة فولدا للعلوم التطبيقية و جامعة فيليبس في ماربورغ متخصص في التطبيق الديني في الحياة السياسية وقضايا الحوار في الشرق الاوسط. رئيس تحرير جريدة إم بي سي جورنال.