أسطورة "العودة الاختيارية"

قرر وزراء داخلية دول الاتحاد الأوربي مؤخراً استقبال عشرة آلاف لاجئ عراقي يعيشون في سوريا والأردن ويتعرضون إلى المخاطر، غير أن منظمات حقوق الإنسان تنتقد تفضيل اللاجئين العراقيين المسيحيين على غيرهم. الباحثة أنيا زعرب تستعرض هذه الاقتراحات والوضع الإنساني للاجئين العراقيين في دول المهجر.

قرر وزراء داخلية دول الاتحاد الأوربي مؤخراً استقبال عشرة آلاف لاجئ عراقي يعيشون في سوريا والأردن ويتعرضون إلى المخاطر، غير أن منظمات حقوق الإنسان تنتقد تفضيل اللاجئين العراقيين المسيحيين على غيرهم. أنيا زعرب تستعرض هذه الاقتراحات والوضع الإنساني للاجئين العراقيين في دول المهجر.

​​يريد وزير الداخلية الألماني شويبله أن يضمن لجزء صغير من اللاجئين العراقيين حق اللجوء إلى ألمانيا، وهو أعلن في هذا الصدد أن قراراً أوروبياً بشأن استقبال عدد معين من العراقيين سيتم اتخاذه قبل نهاية العام الجاري. وبينما تقوم الحكومة العراقية بقرع طبول الدعاية لإجراءات عودة اللاجئين العراقيين الذين يُقدر عددهم بنحو مليوني ونصف مليون في الداخل، وزهاء مليوني في الخارج، فإن مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تحذر من العودة المتعجلة إلى الوطن.

بدلاً من ذلك يجب على الاتحاد الأوروبي أن يزيد من جهوده لإعادة توطين اللاجئين العراقيين، وكذلك زيادة الدعم المالي زيادة ضخمة للبلدان التي تستوعب الجزء الأكبر من اللاجئين في المنطقة.

اقتراح شويبله بشأن مبادرة أوروبية شاملة

قبل أسبوعين من لقاء وزراء الداخلية في الاتحاد الأوروبي في يوليو 2008 كان شويبله قد دعا زملاءه إلى التوصل إلى اتفاق في الرأي بخصوص مبادرة تشمل دول الاتحاد الأوروبي كلها، ولكن من دون ذكر معلومات دقيقة عن أعداد اللاجئين المُراد استقبالها.

ومن المفروض أن تقتصر المساهمة الألمانية على استقبال اللاجئين المسيحيين بشكل خاص. وقد تم تبرير ذلك "بالمخاوف المنتشرة في العراق وكذلك العنف وانتهاك حقوق الإنسان". وقد أثارت فكرة شويبله قبل تنفيذها استياءً، ليس فقط لدى منظمات الإغاثة الدولية، بل أيضاً لدى الساسة في دول الاتحاد الأوروبي.

وهكذا اعتبر وزير الداخلية في سلوفينيا تفضيل المسيحيين في إجراءات اللجوء "أمراً شائكاً". أما في ألمانيا فقد طالب أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي بحماية إضافية للأقليات الدينية، بدلاً من حماية اللاجئين المسيحيين من العراق وحدهم. ويبدو أن تراجع وزير الداخلية الألماني عن مواقفه بهذه السرعة لا يعود إلى هذه المطالبات والنداءات، بل يرجع بالأحرى إلى بعض أصداقائه في الحزب الذين حذروه من الخطر الذي يجلبه معه الاستيراد المحتمل "للإرهابيين" و"المجرمين" من العراق.

المالكي و"الوضع الأمني الأفضل"

إذن تراجع شويبله عن اقتراحه الذي أعلنه بملء الفم عن استقبال اللاجئين من العراق، وبإمكانه أن يستند في ذلك على كلمات رئيس الوزراء العراقي المالكي الذي جاء إلى برلين لإجراء محادثات قبل عدة أيام من انعقاد لقاء وزراء الداخلية. فحسب رأي المالكي لا يجب على اللاجئين أن يهاجروا إلى دول أخرى مستقرة وآمنة، بل أن يعودوا إلى أوطانهم، إذ إن هناك احتياجا ماساً لهم في عمليات إعادة إعمار العراق، لاسيما إلى الطبقة المتوسطة المتعلمة التي يشكّل المسيحيون أغلبيتها.

​لقد تمت تهيئة الظروف الملائمة لعودتهم، يقول المالكي، ومن بينها تحسن الوضع الأمني على وجه الخصوص. غير أن رئيس الوزراء العراقي يكاد ينفرد بهذا الرأي، في حين تقابل مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ومنظمات حقوقية أخرى تصريحات المالكي بارتياب، وتُحذِّر في أحدث تقاريرها صراحةً من العودة المتعجلة للاجئين العراقيين إلى وطنهم. فبالرغم من تحسن الوضع الأمني في العراق ما زالت بلاد دجلة والفرات من أكثر البلدان خطورة في العالم.

بالإضافة إلى ذلك فإن العراقيين الذين هربوا إلى الخارج – مثلهم في ذلك مثل المشردين في الداخل – يحتاجون في البداية إلى أساس جديد يبنون عليه حياتهم. ولكن منازل عدد كبير من اللاجئين دُمرت أو احتلها عراقيون آخرون. كما أن مدخراتهم تكون قد استُهلكت في كثير من الحالات خلال رحلة الهرب الطويلة. كيف لهم إذن أن يعودوا إلى وطنهم ويبدأوا هناك من جديد؟

حملات العودة "الاختيارية"

لتشجيع عودة اللاجئين "طواعيةً" أصدرت الحكومة العراقية مؤخراً حزمة من الإجراءات، ومنها تحمل تكاليف النقل وصرف معونة مؤقتة قدرها مليون دينار عراقي (نحو 610 يورو) وكذلك تعويض القادمين عن الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم. كما تريد الحكومة العراقية أن تعيد الشقق والعقارات التي تم وضع اليد عليها أو مصادرتها إلى أصحابها الأصليين.

وكانت الحكومة العراقية قد بدأت في خريف العام الماضي حملة مشابهة لذلك. قبلها بفترة قليلة كان المالكي قد زار سوريا التي تعتبر إلى جانب الأردن من أكبر البلدان المستقبلة للاجئين العراقيين، وهناك أيّد صراحةً تشديد إجراءات منح تأشيرة دخول إلى العراقيين. المسؤولون السوريون – الذين استولى عليهم التعجب إلى حد كبير – كانوا يأملون بالأحرى في أن توافق الحكومة العراقية على سداد مبالغ أخرى لتقديم الدعم للاجئين.

​لا أحد يعلم على وجه الدقة عدد العراقيين الذين عادوا بالفعل بعد هذه المبادرة. غير أن تقديرات منظمات مثل الهلال الأحمر تقل بكثير عن تلك التي أعلنتها السلطات العراقية التي تدعي عودة "عشرات الآلاف من العائلات"، ولا تمل من تصوير ذلك في وسائل الإعلام ونشره على أنه دليل على تحسن الوضع الأمني في العراق.

في تلك الأثناء أمسى عددٌ كبير من الأفواج الأولى من العائدين مشرداً في الداخل. بالإضافة إلى ذلك، ووفقاً لاستطلاعات الرأي، فليس الاعتقاد بتحسن الوضع الأمني هو السبب الرئيسي الذي "أجبر" الناس على العودة، بل انتشار الفقر أو العجز عن مواصلة العيش في الخارج.

ضرورة إعادة التوطين في بلاد آمنة

ولكن، وبغض النظر عن الوضع الأمني الذي كثُر الحديث حول تحسنه، فإن الحملة الجديدة تعني عودة المرضى المزمنين والمصابين بصدمات نفسية حادة أو أطفال اللاجئين إلى بلدٍ لم يعد للنظام الصحي أو النظام التعليمي فيه قائمة، كما لا يمكن ضمان إمدادات المياه أو وجود قنوات للصرف الصحي بالنسبة لقطاع عريض من السكان.

ولذلك ليس من المستغرب أن يكون عدد كبير من العراقيين ما زال يفضل إعادة توطينه في دولة أخرى آمنة، مثل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ولكن حتى الآن لم تشارك سوى سبع دول من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في آليات إعادة التوطين التابعة لمفوضية اللاجئين الأممية والتي لا تتضمن في الغالب سوى نسب ضئيلة من اللاجئين العراقيين. إن عدد طلبات اللجوء المقدمة في عام 2006 و2007 من قِبل العراقيين الذين قَدِموا إلى أوروبا من خارج تلك الآليات لا يتعدى 58 ألف طلب، وهو بالتالي عدد ضئيل للغاية قياساً على العدد الإجمالي للاجئين.

وبناء على كل ذلك، نأمل ألا يتملص وزير الداخلية الألماني وزملاؤه من الاتحاد الأوروبي من مسؤوليتهم الإنسانية في الجلسة القادمة مستخدمين ذريعة "تحسن الوضع الأمني"، وهي الذريعة التي لا تتمتع إلا بمصداقية ضئيلة، وأن يعيدوا التفكير النقدي في هدفهم الرامي إلى عودة اللاجئين العراقيين فحسب.

أنيا زعرب
ترجمة: صفية مسعود
قنطرة 2008

أنيا زعرب باحثة في معهد أبحاث السياسات التنموية في جامعة الرور بمدينة بوخوم.

قنطرة

اللاجئون العراقيون يثقلون كاهل سورية:
أعباء على الإقتصاد والبنية التحتية
يُثقل تدفق اللاجئين العراقيين على سورية قطاعي التربية والصحة ويدفع بأسعار البيوت إلى الأعلى ويخشى البعض أن تؤدي الحرب الأهلية الدائرة في العراق إلى توترات بين اللاجئين العراقيين في سورية. بقلم فيكتور كوخر.

السياسة الأوروبية المشتركة تجاه اللاجئين:
الحدود المغلقة
يواجه اللاجئون الذين يحاولون الوصول الى بلدان الاتحاد الأوروبي أوضاعا كارثية، حيث يتعرض الكثيرون منهم الى مختلف المخاطر في البحر او في البلدان التي يمرون بها. أما الاتحاد الأوروبي فيحاول رمي المشكلة الى خارج حدود أوروبا. تقرير كتبه كارل كوب.

اللاجئون العراقيون في السويد:
اللجوء هربًا من التهجير والعنف
تعدّ مدينة سودرتيليه الصغيرة الواقعة جنوب غرب العاصمة ستوكهولم مركزًا للاجئين العراقيين، وقد صار يطلق عليها اسم "بغداد الصغيرة". بيترا تابيلينغ أعدَّت هذا التقرير من هناك.