لا شيء أخطر من الإهانة!
ابتداء من سنة 1999 أصبحنا نعرف أن رجلا، وهو محمد مولسهول من مواليد 1955، هو الذي يتخفّى وراء إسم المرأة المستعار لياسمينة خضرا. مولسهول كان عسكريا في صفوف الجيش الجزائري الذي التحق به منذ سن التاسعة، وعندما اتخذ هذا الأخير في سنة 1989 قرارا بإلزام العسكريين الذين يمارسون الكتابة بضرورة تقديم نتاجاتهم إلى لجنة رقابة خاصة اتضح أن مول السهول الذي كان يكتب باللغة الفرنسية منذ زمن طويل ينشر كتاباته تحت الإسم المزدوج لزوجته.
في سنة 2000 انفصل عن الجيش بعد 36 سنة من الخدمة العسكرية، وفي أواخر السنة نفسها قرر أن ينتقل إلى حياة المنفى في فرنسا حيث يقيم حتى اليوم.
مواضيع شائكة
نشر خضرا روايته الأولى سنة 1985، ومنذ ذلك الوقت صدر له أكثر من عشر روايات من بينها بعض الروايات البوليسية. وفي الجملة قد تمت ترجمة كتب الروائي الجزائري إلى 17 لغة. أما روايته التي نشرت في الأصل بعنوان "الاعتداء"، فهي مبرمجة للترجمة إلى 14 لغة وإلى التحول إلى شريط سينمائي إضافة إلى ذلك، كما بثت إذاعة ألمانيا الغربية الإقليمية نسخة إذاعية من هذه الرواية.
أيّ كاتب ناجح هو إذًا! هذا النجاح يعود بصفة أساسية إلى كون ياسمينة خضرا يتناول في أعماله أولا وقبل كل شيء مواضيع شائكة من صميم الحاضر في حياة العالم العربي الإسلامي. ففي رواية "بماذا تحلم الذئاب" يتطرق إلى التطورات التي عرفها أحد الشبان لينتهي إلى التحول إلى عنصر نشط في أعمال العنف التي تقوم بها مجموعة مقاومة إسلامية.
أما "خطاطيف كابول" فتصور أجواء التوتر التي كانت تسود أفغانستان أثناء حكم الطالبان. وفي صفارات إنذار بغداد-les sirènes de Baghdad (2006) يقود ياسمينة خضرا قارئه داخل عراق الاجتياح الأميركي والحرب الأهلية، حيث يعيش شاب عراقي شتى أنواع الإهانات من طرف "المحرّرين" ليصبح طعما سهلا لحركة إسلامية وينتهي بإثارة كارثة شنيعة.
رحلة الى الجذور
العنف، ذلك العنف الفظيع داخل البلاد العربية هو موضوع رواية "الاعتداء" أيضا. أمين جعفري شخصية الراوي بضمير الأنا في هذه الرواية رجل فلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية. وكطبيب جرّاح ذي نجاح باهر يقيم مع زرجته سهام الفلسطينية أيضا في تل أبيب دون أن يكون له اهتمام خاص بما يحدث من حوله من عنف متفاقم- "مثال نموذجي عن اندماج لا غبار عليه".
لكن ها أن عملية انتحارية تنفّذ في تل أبيب ويقتل خلالها 17 شابا إسرائيليا ويصاب فيها العشرات من الجرحى. أما ما لم يكن لأمين أن يتصوره حتى في الحلم فهو شخصية منفذة العملية الانتحارية: إنها زوجته التي كانت إلى حد تلك الساعة –أو هكذا كانت تبدو على الأقل- تعيش نمط حياة عصريا بحسب المقاييس الغربية مثله هو أيضا.
من أجل تقصي الأسباب التي قادت زوجته إلى هذا العمل العنيف الغريب يقوم الطبيب الجراح برحلة في القطاع الفلسطيني بالضفة الغربية، أرض موطنه الأصلي، حيث أقامت زوجته لمدة من الزمن في الآونة الأخيرة.
كانت رحلة عودة إلى جذوره؛ نوعا من "طقس الاختبار". وهناك، بينما كان الناس يحتفون بشخصية سهام كبطلة كان يُنظر إليه هو كمرتد وخائن، ويعامل وفقا لذلك بقسوة. أما الجدير بالذكر في هذا الموقع بالذات من الرواية فهو الطريقة التي تم بها تصوير الظروف التي يجد الفلسطينيون أنفسهم مضطرين على العيش داخلها في بلادهم، كما هو الحال في جنين مثلا: "مقارنة بما يحدث هنا، فإن الجحيم يبدو بهيأة أكثر المستشفيات نقاوة" يقول أحد الفلسطينين.
تجربة الإهانة
وتبلغ الرواية ذروتها في النقاشات التي تدور بين أمين وأعضاء مسؤولين من حركة المقاومة الفلسطينية. وبالرغم مما يفرضه عليه موقعه كطبيب من موقف منافح عن الحياة ضد الموت لا يقبل بالتراجع عنه، فإن آراء وحجج الطرف المقابل لم تظل دون تأثير عليه.
هنا يكتشف أمين الكثير عن دوافع صراع الفلسطينيين ضد دولة إسرائيل. "ليست هناك من كارثة أكبر من أن يعيش الإنسان تجربة الإهانة"، يوضح له أحد القادة الفلسطينيين. "إنها محنة هائلة يا دكتور. إنها تسترق منك كل طعم للحياة." هنا يحصل لدى أمين تفهم أكثر لذلك الشعب الذي ينحدر منه، وتتضح له بجلاء الدوافع التي قادت زوجته إلى القيام بذلك العمل العنيف.
وفي نهاية روايته يعود ياسمينة خضرا بالأحداث إلى بداية الرواية حيث يصور عملية انتقامية يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين تسفر عن عدد كبير من الضحايا-أغلبهم من الأبرياء هنا أيضا، وحيث يصاب أمين بدوره بجراح خطيرة: وهكذا تنغلق دائرة العنف-دائرة يبدو أنه لا سبيل للنجاة منها.
نجاح تجاري على حساب المستوى
وحسب ما جاء في العرض الإشهاري للناشر فقد حظيت رواية "الاعتداء" بإطراء الفيلسوف الفرنسي أندري كلوكسمان، كما أن كاتبا مثل ج.م. كوتزي يعتبر خضرا مولسهول "من بين أهم الروائيين العالميين". إطراء فيه الكثير من المجاملة على أية حال، ذلك أن هذه الرواية على الأقل تظل من وجهة نظر أدبية من مستوى يعدّ بالأحرى محدودا.
فالسرد يرد في صيغة من الصنف غير الرفيع، ويتخذ تبعا لذلك طابعا ميلودراميا في جزء منه، كما أن التصوير السيكولوجي للشخصيات لا يبدو أقل سطحية من ذلك النوع الذي تعوّد المرء عليه في المسلسلات التلفزيونية التجارية.
أما عما كان يحدث ويعتمل في أعماق سهام مثلا فذلك ما لا يُمنح منه شيء للقارئ. لكن يبدو أن الجودة الأدبية ثانوية بالنسبة لأغلبية القراء مقارنة بالموضوع ذي الطابع الواقعي الساخن. وهذا المقياس نفسه هو الذي كان محددا أيضا بالنسبة لأولئك الذين ينوون تصويره لشاشات السينما.
بقلم هـريبرت بيكر
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2006
قنطرة
هوس الإشتباه المعمم ضد "الآخر "
رواية كريس كليف زاخرة بالنكات اللاذعة وتمس جرح الحساسية النازف في قلب العالم الغربي منذ يوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول المشحون بالدلالات التاريخية. عرض لهذه الرواية التي تقوم على الفكاهة السوداء.