البطاطا تدخل "طبخة" المعركة الانتخابية الإيرانية
تعرَّضت سمعة إيران في الخارج لأضرار شديدة، إذ يترصَّد البلاد خطر حرب محتملة، كما أنَّ الوضع الاقتصادي مشلول، وما يحتفي به وزير الثقافة الإيراني باعتباره إنجازًا يُفتخر به - أي كون وزارته أمرت بحظر المئات من الكتب - لا يكاد يمكن أن يكون بالنسبة لمثقَّفي إيران مدعاة للفخر والاعتزاز.
وحتى إنَّ أبناء الأسر الفقيرة من ذوي الدخل المحدود ممن يستفيدون من الأموال التي أمر بتوزيعها أحمدي نجاد حسب مبدأ المساواة، يشعرون بالاستياء. وذلك لأنَّ التضخم المالي السريع قلَّل منذ فترة طويلة من قيمة هداياه المالية. وحيثما يذهب المرء ويقف يسمع الشتائم - وقبل كلِّ شيء بسبب ارتفاع الأسعار. وهذا ليس شيئًا جديدًا؛ فدائمًا كان التضخم المالي الموضوع المفضَّل لدى معظم الإيرانيين.
عدم الكفاءة وسياسة اقتصادية من دون هدف
ولكن محمود أحمدي نجاد يهتم - على خلاف سلفه محمد خاتمي الذي كان يركِّز على حرية التعبير عن الرأي وسيادة القانون - بإعادة توزيع ثروة إيران النفطية، بحيث يحصل جميع المواطنين وليس فقط بعض الذين يستغلّون مناصبهم على شيء من هذه الثروة.
ولكن لم ينتج أي شيء عن ذلك. وصحيح أنَّ أحمدي نجاد استجاب لمطالب فردية تم تقديمها إليه من قبل بعض المواطنين - الأمر الذي يعتبره الكثيرون عملاً جيدًا من جانبه. فهكذا على سبيل المثال لم يحصل الحارس الذي أرسل من مدينة أصفهان برسالة إلى أحمدي نجاد اشتكى فيها من أنَّه لا يستطيع تحمّل تكاليف السكن على جواب فوري وحسب، بل تم منحه أيضًا مسكن بتكاليف معقولة.
غير أنَّ مثل هذه الإجراءات لا يمكن أن تضمن لأحمدي نجاد عددًا كبيرًا من أصوات الناخبين، رغم أنَّه استثمر - على عكس سلفه - الكثير من عائدات النفط التي كان يتصرَّف بها. وكذلك يحذِّر خبراء الاقتصاد منذ عدة أشهر من سياسته الاقتصادية غير المخطط لها والتي تعتبر من دون هدف. وبطبيعة الحال لقد أضرّ الحصار الاقتصادي بإيران - حتى وإن كان لا أحد يعترف بذلك.
ولهذا السبب يعتمد المرشَّحون الذين يواجهون أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية على طرح مسألة الوضع الاقتصادي، كما أنَّهم يعلمون أنَّ هذه هي الطريقة الأفضل للتمكّن من اصطياد أصوات الناخبين. ومحسن رضائي الذي يعدّ محافظًا مثل أحمدي نجاد اتَّهم أحمدي نجاد قبل كلِّ شيء بعدم الكفاءة الاقتصادية.
"أحمدي نجاد يضر بالمصالح الإيرانية"
ويتم مرارًا وتكرارًا في الحملة الانتخابية انتقاد أحمدي نجاد على موقفه من عملية السلام في الشرق الأوسط ومن الولايات المتَّحدة الأمريكية، وذلك لأنَّ موقفه هذا يضر بإيران. ولهذا السبب ربَّما يكون أحمدي نجاد قد أبدى تفهّمه الآن وأجاب على سؤال في مقابلة أجرتها معه قناة التلفزيون الأمريكية ABC عمَّا إذا كانت إيران ستقبل بـ"حلِّ الدولتين" قائلاً: "نحن نؤيِّد قرار الفلسطينيين، مهما كان شكل هذا القرار". وعلاوة على ذلك فقد كان أحمدي نجاد في الآونة الأخيرة مسالمًا نسبيًا تجاه الولايات المتَّحدة الأمريكية، وذلك لأنَّه يعلم أنَّ أي تصرّف آخر سوف يكلِّفه خسارة الكثير من أصوات الناخبين.
وبالإضافة إلى ذلك تعتبر أيضًا تصريحاته حول المحرقة وإسرائيل سلبية للغاية لدى جزء كبير من المواطنين الإيرانيين؛ إذ إنَّ الكثيرين يندهشون من أنَّ أحمدي نجاد يشكِّك في المحرقة وقد اقتبس في العام 2006 مقولة الزعيم الديني آية الله الخميني، حيث قال إنَّ "النظام الذي يحتل القدس يجب أن يزول من صفحة الزمن" - ما تمت ترجمته من قبل وكالات الأنباء بمعنى "يجب محو إسرائيل من الخارطة".
حتى وإن كان أحمدي نجاد استطاع من خلال ذلك تسجيل نقاط إيجابية لدى الكثير من الفلسطينيين - الأمر الذي كان يريده - إلاَّ أن ربط إيران في يومنا هذا قبل كلِّ شيء بمصطلح معاداة السامية يعدّ بالنسبة لمعظم الإيرانيين أمرًا محرجًا وغير مريح. ومواطنو إيران - هذا البلد الذي كان لليهود فيه تاريخ مثمر وطويل، لا يرغبون في أن يُنظر إلى بلدهم على هذا النحو. وهذا ما استخدمه مرشَّح الرئاسة عن الإصلاحيين مهدي كروبي عندما أدان بشدة التشكيك في المحرقة من قبل الرئيس محمود أحمدي نجاد
دور النزاع على البرنامج النووي الإيراني
وربَّما لا يقف المواطنون الإيرانيون على الإطلاق خلف محمود أحمدي نجاد في المسألة النووية. وصحيح أنَّ الكثيرين يؤكِّدون عندما يتحدَّث المرء إليهم - مثلما يؤكِّد دائمًا أحمدي نجاد ومنافسوه - على أنَّ إيران تمتلك الحقّ في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وينبغي أن لا تدع الدول الغربية التي تظهر بمظهر استعماري تحرمها من هذا الحقّ. ولكن من ناحية أخرى - حسب قول إبراهيم يزدي، زعيم حزب المعارضة الإيراني المحظور "نهضت آزادي إيران" (بالعربية "حركة الحرية لإيران"): "لا يستطيع الإيرانيون التعبير عن آرائهم في الاستخدام السلمي للطاقة النووية - وذلك لأنَّ حرية التعبير عن الرأي غير موجودة في إيران. وبطبيعة الحال يكرِّر البعض ما يتم الإعلان عنه رسميًا. ولكن عندما يلتقي المرء بالناس في الشارع ويسألهم ويوضح لهم ماذا يمكن لكلِّ هذا أن يكلِّف إيران، فعندئذ سيقول الكثيرون من دون شكّ: لا شكرًا - دعونا من ذلك".
غير أنَّ معظم الإيرانيين يتَّفقون على أنَّ طريقة تركيز الحكومات الغربية على البرنامج النووي الإيراني ووضعه في بؤرة سياستها تجاه إيران تناسب من دون ريب حكومة محمود أحمدي نجاد. فمبدئيًا هناك أربع قضايا سياسة يذكرها الأمريكيون وغيرهم من الدول الغربية ضدّ إيران: المسألة النووية وقضية حقوق الإنسان وموضوع دعم الإرهاب، بالإضافة إلى معارضة إيران لعملية السلام في الشرق الأوسط.
ويقول المعارضون مثل إبراهيم يزدي وكذلك شيرين عبادي التي حصلت على جائزة نوبل في عام 2003، إنَّ الأوروبيين يركِّزون كثيرًا جدًا على البرنامج النووي الإيراني، بحيث أنَّهم لم يعودوا ينتبهون إلى قضية حقوق الإنسان. ولكن هذا الموقف يفتقد إلى الحكمة وليس في مصلحة الدول الغربية؛ وذلك لأنَّهم حسب رأي إبراهيم يزدي "يغفلون في ذلك عن أنَّنا لو كان لدينا في الحقيقة حرية للتعبير عن الرأي، فعندئذ سنتمكَّن أيضًا في إيران من مناقشة ما يجلبه لنا هذا البرنامج النووي. والحكومة الإيرانية تفضِّل أيضًا بطبيعة الحال أن تنشغل الحكومات الغربية فقط في المسألة النووية. وذلك لأنَّها لو انشغلت بغير ذلك فسيفكِّر أحد بالسؤال عن وضع حقوق الإنسان في إيران".
تقديم البطاطا هدايا انتخابية
وأحمدي نجاد يعرف أنَّ الأوضاع يمكن أن تكون حرجة. فعلى أي حال ما يزال الكثيرون يستحسنون طريقة حياته المتواضعة وأنَّه قريب من المواطنين وغير فاسد. ولهذا السبب يمكن أن يكون أحمدي نجاد يلجأ الآن إلى استخدام وسائل غير تقليدية مثل تقديم البطاطا للمواطنين كهدايا، وذلك من أجل زيادة شعبيته؛ إذ وزَّعت حكومته في الشهر الماضي أربعمائة ألف طن من البطاطا على المحتاجين.
وعلاوة على ذلك قدَّم أحمدي نجاد هدايا للموظَّفين في القطاع العام. وحتى أنَّه وضع نفسه في مكان المدافع عن حقوق الإنسان، وذلك من أجل اصطياد أصوات الناخبين لدى المواطنين الذين ينتقدون وضع حقوق الإنسان في إيران. فقد أظهر أنَّه مع الصحفية الأمريكية اليابانية من أصل إيراني روكسانا صابري Roxana Saberi التي تم الحكم عليها مؤخرًا في قضية مثيرة للانتباه بالسجن لمدة ثمانية أعوام بتهمة التجسّس. وفي آخر المطاف تم استبدال حكم السجن بحكم مع وقف التنفيذ.
ولكن على الرغم من هذا الرصيد السلبي، إلاَّ أنَّ عدم التصويت لأحمدي نجاد يمكن أن يبوء بالفشل، وذلك لأنَّ عدد الناخبين الذين سيذهبون إلى مراكز الاقتراع سيكون قليلاً جدًا. ففي حين أنَّ الناخبين الذين سيصوِّتون لصالح أحمدي نجاد سيذهبون على أي حال للانتخابات، يمكن أن تثبط عزيمة ناخبي الإصلاحيين ويبقون في بيوتهم.
حدود الإصلاحات في إيران
ويقول الكثيرون لا يمكن حتى لرئيس إصلاحي في آخر المطاف أن يغيِّر شيئًا - وذلك لأنَّ المؤسَّسة المحافظة تعرف كيف تحول دون ذلك. ولكن من ناحية أخرى "عندما تم انتخاب محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الأخيرة، ندم الكثيرون على عدم ذهابهم إلى مراكز الاقتراع. وكثير من الإيرانيين يقولون لأنفسهم لو كنَّا ذهبنا لما كان سيصبح رئيسًا. ولهذا السبب من الممكن هذه المرة أن يقولوا لأنفسهم: يجب علينا أن نذهب إلى التصويت"؛ وهذا هو على الأقل أمل الإصلاحيين الذي عبَّر عنه بهذه الصيغة إبراهيم يزدي. ولكن بعد عودته إلى إيران في شهر نيسان/أبريل الماضي 2009 بقي لديه انطباع بأنَّه لا توجد أسباب كثيرة تدعو إلى هذا الأمل.
كاتايون أميربور
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009
كاتايون أميربور صحفية إيرانية وباحثة مشهورة مختصة في الدراسات الإسلامية.
قنطرة
الانتخابات الرئاسية في إيران 2009:
معركة المحافظين والإصلاحيين وسباق الأرقام الصعبة
ما يقلل من فرص محمود أحمدي نجاد في إعادة انتخابه لرئاسة ولاية ثانية سياساته الداخلية والخارجية التي أدت إلى عزلة إيران خارجيا وزيادة الأوضاع الاقتصادية سوءا. ومع ذلك ليس من المؤكد أن يستطيع منافسوه من معسكر الإصلاحيين إقناع الجمهور ببرامجهم الانتخابية. ماركوس ميشائلسن يلقي الضوء على برامج المرشحين وفرض فوزهم.
الانتخابات البرلمانية الإيرانية:
استفتاء على "النهج النجادي" أم رسالة للتغيير؟
لا تحظى الانتخابات البرلمانية الإيرانية باهتمام شعبي كبير في ضوء تغييب المعارضين وممارسات الأجهزة الأمنية ضد أصحاب التيار الإصلاحي، غير أن هذه الانتخابات تشهد مشاركة متزايدة من قبل النساء وفق ما رصده بيتر فيليب من طهران.
جدال حول الدين والديمقراطية في إيران:
الأصوليون يكتسحون المصلحين الإسلاميين
يلقي الجدال الديني-النظري الدائر ما بين المفكّر الإيراني عبد الكريم سروش والدكتور سيد حسين نصر الضوء على انقسام جناحي المحافظين والمصلحين الإسلاميين الذين يواجهون بعضهم الآخر في هذه الأيّام بشدة غير مسبوقة. تقرير فرج سركوهي.