عمل عسكري دولي من دون تخطيط سياسي في سوريا
هناك قانون غير مكتوب، مفاده: عند القيام بأي تخطيط لعمل عسكري لا بدّ من السؤال عن الهدف الاستراتيجي المراد تحقيقه من خلال هذا العمل العسكري. ولكن في الضربات الجوية الأمريكية في سوريا لم يتم تحديد هذا الهدف.
فما هو هدف الضربات الجوية في سوريا؟ من المفترض أن تتم من خلال هذه الضربات محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. ولكن في أسوأ الأحوال من الممكن لتنظيم الدولة الإسلامية أن يتحوّل إلى تكتيكات حرب العصابات، وبالتالي من الممكن أن تصبح محاربته أصعب. وفي الواقع لا يمكن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية بالقوة العسكرية وحدها. فهل يفترض من خلال هذه الضربات التقليل من أعداد اللاجئين الذين يعبرون الحدود؟ هذه محاولة مشكوك فيها. وذلك لأنَّ الأهالي لا يهربون فقط من جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية، بل يهربون أيضًا من الضربات الجوية.
وهل يريد المرء ضمان عدم قطع المزيد من رؤوس الصحفيين والعاملين الغربيين في منظمات الإغاثة أمام الكاميرات؟ الأرجح هو عكس ذلك: فالأعمال الوحشية سوف تزداد. وهل يفترض منع السيّاح الجهاديين الدوليين من السفر إلى سوريا ومن القيام في وقت لاحق بأعمال خطيرة في بلدانهم؟ من الصعب تحقيق ذلك من خلال الضربات الجوية. وفي المقابل من المحتمل أنَّ يزداد السيّاح الجهاديون تطرّفًا من خلال الضربات الجوية ويزداد كذلك خطر التعرّض لهجمات إرهابية. أمَّا إذا كان الغرب يريد مساعدة الأهالي في المنطقة؟ فيجب عليه أن يقبل السؤال حول سبب تركه الحرب تستمر في سوريا ببساطة طيلة هذه الأعوام.
الضربات الجوية لا يمكن أن تكون إلاَّ جزءًا من استراتيجية عسكرية أكبر، تشمل أيضًا في نهاية المطاف وجود قوّات برية. لا توجد في الوقت الراهن أية دولة في العالم مستعدة لإرسال قوّات إلى المستنقع السوري، ولذلك يبحث الغرب بشكل ميؤوس منه عن المتمرّدين السوريين "المعتدلين"، الذين يمكنه تسليحهم. ولكن بعد أن سمح الغرب طيلة أربعة أعوام بالقتل والإجرام في سوريا، لم يتبقّ هناك بطبيعة الحال الكثير من الاعتدال.
المتمرّدون في سوريا منقسمون وجميعهم تقريبًا يتبنون إيديولوجية إسلامية. فمن دون المساعدة الخارجية لا يبقَ لأغلبهم سوى الإيمان والحماس إلى الانتهاء كشهداء في الجنة. وبالإضافة إلى ذلك فقد أدّت الحياة التي يعيشها الأهالي تحت القصف اليومي من قبل نظام الأسد إلى جعل بعض السوريين المتبقين ينظرون إلى تنظيم الدولة الإسلامية على أنَّه مخلص لهم.
السؤال عن الأسباب
إنَّ أية محاولة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية سيكون مصيرها الفشل، إذا لم يهتم المرء بالسؤال حول ظهور هذا التنظيم الإرهابي. وهنا سينتهي المرء بسرعة إلى نظام الأسد والخطر الكبير الذي يهدّد بتقديم الهدية التالية إلى الديكتاتور، وذلك من خلال قصف وإبعاد طرف من الأطراف المعارضة للنظام.
يتعيّن على الغرب ألاَّ يقوم فقط بتشكيل قوّات برية فعّالة من المتمرّدين في سوريا لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، بل يجب أيضًا تكوين بديل سياسي معقول ليحل محلّ نظام الأسد في سوريا. فالسوريون الذين يتمسكون بالنظام يفعلون ذلك غالبًا بسبب خوفهم مما قد يحدث بعد سقوط النظام.
وبما أنَّنا في صدد الحديث حول أسباب ظهور تنظيم الدولة الإسلامية نقول: ما من شكّ في أنَّ إشراك الدول العربية في العمليات العسكرية يعتبر أمرًا مفيدًا. فمن خلال استخدام سلاح الجو الأردني والسعودي والإماراتي يستطيع أوباما التغلب على اتّهام التحالف الدولي بأنَّه مجرّد حملة صليبية أخرى يقوم بها الغرب.
حلفاء مشكوك في أمرهم
ولكن المشكلة أنَّ الغرب يقوم بتطبيق المثل القائل "حاميها حراميها". وذلك لأنَّ الأنظمة العربية غير الديمقراطية وخاصة دول الخليج، التي تفهم الإسلام فهمًا رجعيًا للغاية، قد ساهمت بجزء كبير في ظهور تنظيم الدولة الإسلامية. ومن هذه الناحية فإنَّ هذه الدول لا تمثّل جزءًا من الحلّ العسكري على المدى القصير بقدر ما تمثّل جزءًا من المشكلة على المدى الطويل.
وهنا يحارب الغرب بوسائل القوّة العسكرية المعروفة منذ القدم، والتي لم يحقّق من خلال استخدامها حتى الآن أي نجاح في تغيير ميزان القوى لصالحه، بالتعاون مع ملوك وأمراء عرب تقليديين غير ديمقراطيين ضدّ جهاديين رجعيين، يريدون إعادة عجلة التاريخ بكلّ قوّة إلى عهد النبي محمد.
وعلى نحو ما، تفوح من رأس كلّ هذه العملية برمتها رائحة نتنة -مثل رائحة السمك القديم الفاسد.
كريم الجوهري
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: قنطرة 2014