المترجم نبيل حفار: "لكل لغة بنياتها الخاصة، لكنها ليست مقدسة"
السيد الحفار، على أي عنوان تعمل حالياً؟ ما الذي يثيرك في هذا العنوان؟
نبيل الحفار: أشتغل حالياً على رواية "المحاكمة" لـ فرانتس كافكا. وهذا هو العمل الثالث من أعمال كافكا، الذي أترجمه إلى العربية. لقد سبق أن تُرجِمَت أعمال كافكا الرئيسية عدة مرات من الإنجليزية والألمانية إلى العربية، ولكن حتى الآن للأسف لا يوجد ترجمة معادلة للنصوص الأصلية لغوياً وأدبياً.
إني أبذل جهدي للوصول إلى ذلك. حتى الآن ما زال هناك إقبال كبير على أعمال كافكا في منطقة اللغة العربية. وقد كُتب الكثير عن أعماله، معها وضدها، وكثرت التأويلات الخاطئة، التي تسببت فيها إما ترجمات رديئة أو غير دقيقة. وهذا هو مبرر المشروع الجديد.
ما هي طريقتك في الترجمة؟ وماذا يوجد على طاولتك أثناء ذلك؟
نبيل الحفار: هناك على طاولتي دفتر ملاحظات جاهز، أكتب فيه أسئلتي المرتبطة بالنص، أي مفردات ومعلومات أريد البحث عن معانيها، بشكل خاص في قاموس تاريخ
الكلمات أو في غوغل – صور، فهناك في لغة كافكا الألمانية كثير من الكلمات التي خرجت من التداول، ومعانيها الدقيقة غير متوفرة في القواميس الحديثة.
وأكتب في الدفتر ترجماتي لبعض المفاهيم من النص، كي تكون جاهزة أمامي في حال ظهورها ثانية.
أنا أشتغل في الترجمة على نحو منتظم ثماني ساعات في اليوم، لأن الترجمة باتت مهنتي الرئيسية منذ ثلاث عشرة سنة، أي منذ تقاعدي من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق. قبل ذلك كنت أترجم في أوقات الفراغ.
أين تكمن التحديات الخاصة في الترجمة الأدبية من الألمانية إلى العربية؟
نبيل الحفار: التحدي الخاص في الترجمة الأدبية إلى العربية يكمن في رأيي بالدرجة الأولى في المادة التي يشتغل عليها الكاتب.
رواية " العطر" لـ ﭘاتريك زوسكيند مثلاً شكَّلت تحدياً من هذا القبيل. ولم يكن سهلاً أبداً التغلب في الترجمة على عالم الروائح، لعدم وجود قواميس اختصاصية. جانب آخر من التحدي كمن في الوصف الدقيق للحياة اليومية لجميع الفئات الاجتماعية في فرنسا القرن الثامن عشر.
ثمة مثال آخر هو رواية "كوكس أو مسار الزمن" للكاتب كريستوف رانسماير، حيث يكمن التحدي في الأسلوب اللغوي الرفيع، الذي يطالب بمعادله في العربية.
بماذا تنصح المترجمين الشباب؟
نبيل الحفار: بودي أن أقول للمترجمين الشباب: اقرؤوا النص الألماني بدقة، ثم اقرؤوا شيئاً عن الكاتب/الكاتبة وعن تعليمه/تعليمها قبل البدء بالترجمة.
إن لكل لغة بنياتها وخصائصها، لكنها ليست مقدسة، أي ابتعدوا عن الترجمة الحرفية. أعيدوا صياغة الجملة الألمانية إلى أن تتوصلوا إلى جملة عربية واضحة المعنى. عندما تنهون ترجمتكم، راجعوها بدقة ثانية قبل تسليمها.
ما هي تيارات القراءة التي تلاحظونها في العالم العربي؟ أي نوع من الكتب يحتاج السوق العربي إلى ترجمتها؟
نبيل الحفار: في العالم العربي ثمة إقبال على التجارب السياسية للدول وللأفراد، ولاسيما مذكرات صانعي السياسة والشخصيات الشهيرة. وكتب التاريخ ترتبط بهذا الجانب طبعاً.
هناك خلال العقدين الماضيين إقبال ملحوظ على الكتب العلمية، ولاسيما من قبل خريجي وخريجات الجامعات. على الرغم من ذلك بقيت أعداد طبعات مختلف الكتب ضئيلة، لأن أسعار الكتب خلال هذه المدة قد تضاعفت، وعن طريق الإنترنت تمكن الإنسان بسهولة من تعويض كثير من الكتب الورقية.
وخلال العقد الأخير على صعيد الأدب احتلت الرواية المكانة الأولى، تليها القصة القصيرة. وندر أن تقبل دار نشر بطباعة مجموعة شعرية أو مسرحيات. كتب الدراسات الأدبية باتت بضاعة نادرة.
ماهي العناوين العربية التي تنصحنا بها نحن الأوربيين؟
نبيل الحفار: خلال السنوات الأخيرة لم يكن بوسعي الحصول على كتب عربية جديدة، بسبب الحرب في سوريا من ناحية وبسبب مغادرتي البلد من ناحية ثانية. لذلك لا أستطيع للأسف انتقاء عناوين لترشيحها للترجمة. لقد قرأت في صحف عربية مختلفة عن طريق الإنترنت كثيراً من المراجعات لكتب صادرة حديثاً، لكن هذا لا يكفي لتشكيل حكم قيمة.
نبيل الحفار من مواليد 1945، درس الأدب الألماني في لايبزيغ وحصل على الدكتوراة في العلوم المسرحية من جامعة هومبولت في برلين. درَّس في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، وصار لاحقاً وكيل المعهد. نشر العديد من المقالات عن المسرح السوري والعربي والعالمي، إضافة إلى كثير من المقالات في النقد المسرحي التطبيقي. أسهم في إدارة وتحرير مجلات "الحياة المسرحية" و"الآداب الأجنبية" و"جسور". بدأ عام 1974 بترجمة نصوص مسرحية لبرتولد برشت وبيتر فايس وهاينر كيبهارت وشتفان هايم.، ثم تفرغ للترجمة الأدبية وترجم لأدباء كثيرين، منهم جيني إربنبك وهرتا موللر وأولريش بلتسر ولوكاس بيرفوس وروبرت شنايدر وفليسيتاس هوﭘِـه. وقد حصل على عدة جوائز عن فعاليته في الترجمة، منها "جائزة الأخوين غريم "1982 ، " جائزة معهد غوتة 2010 " وجائزة الدولة التقديرية السورية2014 ".